الجمع بين الصحُبة والشهادة

السؤال: كم صحابيَّاً من صحابة النبيِّ (ص) شارك في معركة الطفّ مع الحسين (ع) ومَن هُم ؟

: الشيخ أحمد الكعبي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين:

الصحبة للنبيِّ الأكرم (ص ) تُعتبر حياةً للروح، وأدْعى للخير، وأنجى من الشر، وهي محلُّ اعتزازٍ وفخرٍ، لكن بشرطها وشروطها. فهي من أعظم النعم والمنح الإلهية لمن عاصر النبيَّ الأكرم ( ص)، وإذا اجتمعت مع الشهادة لأجل قضيةٍ عادلةٍ ومصيريَّة في تأريخ الإنسانيَّة فإنهَّا تكتسب قيمةً أكبر خصوصاً إذا كانت مع إمامٍ عادلٍ تُعتبر طاعتُه واجبة، َّفمن المؤكد سيرتفع مقام الصحابيِّ ويسمو ويكون ممن جُمع له الحُسنيان: الصحبة والشهادة. ومن مصاديق ذلك هم صحابة النبيّ ( ص) الذين استُشهدوا في واقعة الطف مع الإمام الحسين (ع) في ثورته، وهم محلُّ كلامنا، وقبل بيان عددهم وأشخاصهم نحتاج الى بيانٍ يسيرٍ لمعنى الصحبة والصحابة، فنقول:

اولاً: معنى الصاحب:

قال الطريحيُّ: ( الصاحب للشيء: الملازم له، وكذا الصحبة للشيء هي الملازمة له، إنساناً كان أو حيواناً أو مكاناً أو زماناً...)، [مجمع البحرين ج2 ص584].

وهذا المعنى اللغويُّ واسعٌ جداً وشاملٌ لكلِّ صحبة سواء كانت بين عبدين صالحين، أو بين كافرين، أو بين صالحٍ وكافر.

إنّ الصحابيَّ يطلق في اصطلاح علماء المسلمين حسب ما ذكره المشهور على كلِّ ( من لقي النبيَّ (ص) مؤمناً به ومات على الإسلام ، وإن تخلَّلت ردّته بين كونه مؤمناً وبين كونه مسلماً على الأظهر ، والمراد باللّقاء ما هو أعمّ من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر ، وإن لم يكالمه ... ). [الرعايه في علم الدرايه ج1 ص339].

يتضح من ذلك أنَّ الصحابيَّ هو كلُّ من شهد النبيُّ (ص)، سواء سمع منه أو لم يسمع، وسواء روى عنه أو لم يروِ، بشرط الإيمان به ( ص)، واتباع سنته، ولم يرتدّ أو يُحدث أو يُبدل أو ينقلب، ومات وهو متمسكٌ بالإيمان.

ثانياً: مواقف الصحابة من نهضة الإمام الحسين (ع):

يمكن تقسيم الصحابة باعتبار موقفهم من قيام الامام الحسين ( ع) على ثلاثة طوائف وهي:

1ـ الواقفون على التلّ، ومن أبرزهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والبرَّاء بن عازب، وغيرهم كثير.

2ـ المحاربون، ومنهم، عمرو بن الحجاج، وشبث بن ربعي، وعمر بن سعد - على خلافٍ في صحبتهما -، وغيرهم.

3ـ الناصرون، وهم القلّة، ويمكن تقسيمهم على ثلاثة أصناف، فمنهم من أستشهد قبل واقعة الطف وهم ثلاثة، هاني بن عروة. [مقاتل الطالبيين ص71، مقتل الحسين (ع) للمقرَّم ص178].

وعبد الله بن يقطر، [ مقتل الحسين ع للخوارزميِّ ج1 ص293].

وعبيد الله بن الحارث بن نوفل. [تاريخ الكوفة للبراقيّ ص333].

ومنهم من استشهد بعد الواقعة، وهما اثنان: سليمان بن صرد الخزاعيُّ قائد حركة التوابين، والمسيَّب بن نجبة.[الإصابة في تمييز الصحابة ج6 ص234].

ومنهم من استشهد مع الحسين (ع)، وأرتحل مع قافلته إلى الله تعالى وهم:

1ـ أنس بن الحارث الكاهليُّ

صحابيٌّ ممن رأى النبيَّ (ص)، وسمع حديثه، وروى عنه، ذكره ابن الأثير في أُسد الغابة في معرفة الصحابة [ج1 ص132]، والعسقلانيُّ في الإصابة في تمييز الصحابة [ ج1 ص270]، وغيرهما.

قال المقرّم: ( وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهليُّ شيخاً كبيراً صحابياً رأى النبيَّ (ص) وسمع حديثه، وشهد معه بدراً وحنيناً، فاستأذن الحسين (ع) وبرز شادّاً وسطه رافعاً حاجبيه بالعصابة، ولما نظر إليه الحسين (ع) بهذه الهيئة بكى، وقال: "شكر الله لك يا شيخ" فَقَتل على كبره ثمانية عشر رجلاً وقُتل ). [مقتل الحسين (ع): ص305].

2ـ حبيب بن مظاهر الأسديُّ:

أبو القاسم حبيب بن مظاهر بلغ الخامسة والسبعين من العمر يوم كربلاء، اكتسب خلالها الكثير من الفضائل، وصحب فيها النبيَّ( ص). [الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص142].

قال الكشيُّ: ( مرَّ ميثم بن التمار على فرسٍ له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسديَّ الفقعسيَّ عند مجلس بني أسد، فتحدَّثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما، ثم قال حبيب: لكأني بشيخٍ أصلع ضخم البطن، يبيع البطيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حبِّ أهل بيت نبيِّه، تُبقر بطنه على الخشبة، فقال ميثم: وإني لأعرف رجلاً أحمرَ له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه، فيُقتل ويُجال برأسه بالكوفة، ثم انصرفا. فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذب من هذين. قال: فلم يفترق أهل المجلس حتى أقبل رشيد الهجريُّ، فطلبهما فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا. فقال رشيد: رحم الله ميثماً نسِيَ: يزداد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم، ثم أدبر. فقال القوم: هذا والله أكذبهم. فقال القوم: والله، ما ذهبت الأيام والليالي حتى رأيناه مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث، وجيء برأس حبيب قد قُتل مع الحسين بن علي (ع) ورأينا كل ما قالوا )، [اختيار معرفة الرجال ج1 ص63].

3. عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاريُّ الخزرجيُّ:

من أصحاب رسول الله ( ص ). فقد ذكر ابن الأثير في أُسد الغابة بأنه ممن شهد لعليٍّ (ع )بحديث الغدير حينما ناشدهم بذلك، إذ: ( قام بضعة عشر رجلاً فيهم... وعبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاريّ، فقالوا: نشهد أنَّا سمعنا رسول الله ص يقول: "ألا إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ولييّ، وأنا وليُّ المؤمنين، ألا فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهم والِ مَن ولاه، وعاد مَن عاداه، وأحبّ مَن أحبَّه، وابغض مَن أبغضه، وأعنْ مَن أعانه" ).[ ج3 ص307].

وذكره ابن حجر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: ( عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاريُّ، ذكره ابن عقدة في كتاب الموالاة فيمن روى حديث من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ).[ ج4 ص276].

وممن استُشهد مع الحسين ( ع )، [أنصار الحسين ع ص109].

4ـ عمار الدالانيُّ:

من أصحاب رسول الله ( ص )، ذكره ابن حجر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: (عمار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران بن رأس بن دالان الهمدانيُّ ثم الدالانيُّ، له إدراك وكان قد شهد مع عليٍّ مشاهده، وقُتل مع الحسين بن عليٍّ بالطف، ذكره ابن الكلبيِّ)، [ج5 ص107].

5. مسلم بن عوسجة:

أبو جحل، مسلم بن عوسجة، صحابيٌّ ممن رأى النبيَّ ( ص)، نصَّ على ذلك الشيخ شمس الدين في أنصار الحسين [ص125]، والشيخ علي النمازيُّ الشاهروديُّ في مستدركات علم رجال الحديث [ج7 ص414]، والسيد محسن الأمين في أعيان الشيعة،[ ج1 ص612].

وهو أول صريع فداءً للحسين (ع) بعد الحملة الأُولى [مقتل الحسين ع ص291].

6. يحيى بن هاني بن عروة:

الشهيد بن الشهيد، أبو داود يحيى بن هاني بن عروة المراديُّ المذحجيُّ. من أصحاب رسول الله ( ص ).ذكره ابن الأثير في أُسد الغابة في معرفة الصحابة [ج5، ص102]، وذكره ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة،[ج6 ص559].

نصَّ الشيخ علي النمازيُّ الشاهروديُّ ـ في مستدركات علم الحديث ـ على أنّه من الشهداء، وقال: ( يحيى بن هاني بن عروة المراديُّ من شهداء الطف، كما ذكره العلّامة المامقانيُّ )،[ ج 8 ص239].

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتَنا، وزدنا علماً إنَّك سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.