لَا تُوجَدُ مُخَالَفَةٌ فِي مَوْضُوعِ الشَّفَاعَةِ لِقَانُونِ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ.

عَدِي عَبْدُ الحُسَيْنِ السَّلَامِي:      جَادَلَنِي أَحَدُ الإِخْوَةِ العِلْمَانِيِّينَ بِأَنَّ شَفَاعَةَ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) تُخَالِفُ قَانُونَ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ إِلَّا عَقِيدَةَ حُبِّ وَأَتْبَاعِ وَمَوَدَّةِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وَلَيْسَ لَدَيْهِ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ، بَيْنَمَا يَسْتَحِقُّهَا مَنْ كَانَتْ لَدَيْهِ عَقِيدَةٌ صَحِيحَةٌ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يَتَبَقَّ لَهُ الكَثِيرُ لِلوُصُولِ لِلهَدَفِ فَهَذَا يَسْتَحِقُّ الشَّفَاعَةَ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ دَلِيلًا إِلَّا مِنْ القُرْآنِ. أَرْجُو تَوْضِيحَ المَسْأَلَةِ؟

: اللجنة العلمية

 الأَخُ عَدِي المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

 مَوْضُوعُ الشَّفَاعَةِ فِي الآخِرَةِ هُوَ لَوْنٌ مِنْ أَلْوَانِ الرَّحْمَةِ الَّتِي سَيُغْدِقُهَا المَوْلَى سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَالكُلُّ يَرْجُو رَحْمَتَهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ الشَّدِيدِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الأَمْرُ عَلَى مُحَاسَبَتِنَا بِعَدْلِهِ سُبْحَانَهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ، فَنِعْمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْنَا – وَلِنَقُلْ: هِيَ نِعْمَةُ البَصَرِ دُونَ نِعْمَةِ العَقْلِ وَالسَّمْعِ مَثَلًا - كَافِيَةٌ فِي اسْتِيعَابِ حَسَنَاتِنَا كُلِّهَا، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَنَا مَا نُجَازِي بِهِ إِحْسَانَهُ سُبْحَانَهُ فِي مِيزَانِ العَدْلِ الإِلَهِيِّ مِنْ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ سِوَى رَحْمَتِهِ الَّتِي نَرْجُوهَا كُلُّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمِنْ هُنَا وَرَدَ عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْلُهُ: (إِلَهِي إِنْ عَامَلْتَنَا بِعَدْلِكَ لَمْ يَبْقَ لَنَا حَسَنَةٌ، وَإِنْ أَنَلْتَنَا فَضْلَكَ لَمْ يَبْقَ لَنَا سَيِّئَةٌ) [شَرْحُ نَهْجِ البَلَاغَةِ - للمُعْتَزِليِّ - 20: 319].

  فَالشَّفَاعَةُ هِيَ لَوْنٌ مِنْ أَلْوَانِ الرَّحْمَةِ الإِلَهِيَّةِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَسِيرِ، إِضَافَةً لِصِلَةِ الأَرْحَامِ الَّتِي لَهَا الشَّفَاعَةُ كَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، وَلِلقُرْآنِ الكَرِيمِ الَّذِي لَهُ دَوْرُ الشَّفَاعَةِ كَذَلِكَ، وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَئِمَّةِ المَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) وَنَحْوِهِمْ.

 وَلَكِنْ هَلْ الشَّفَاعَةُ مُطْلَقَةٌ وَبِدُونِ ضَوَابِطَ، كَمَا يَتَصَوَّرُ الأَخُ المُجَادِلُ فِي مَضْمُونِ السُّؤَالِ؟!!

 الجَوَابُ: كَلَّا طَبْعًا، فَلِلشَّفَاعَةِ فِي الآخِرَةِ ضَوَابِطُ مِنْ حَيْثُ شَخْصُ الشَّافِعِينَ أَوَّلًا، وَمِنْ حَيْثُ طَبِيعَةُ المَشْفُوعِ لَهُمْ ثَانِيًا.

 أَمَّا الشَّقُّ الأَوَّلُ، مِنْ حَيْثُ شَخْصُ الشَّافِعِينَ، فَقَدْ جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) [طه: 109]. فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ قَدْ حَدَّدَتْ أَشْخَاصَ الشَّافِعِينَ بِأَنَّهُمُ المأْذُونُونَ فَقَطْ، وَالمَرْضِيُّونَ القَوْلَ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ.

 وَقَدْ ثَبَتَ - بِمَا لَا شَكَّ فِيهِ - مِنْ رِوَايَاتِ الفَرِيقَيْنِ بِأَنَّ النَّبِيَّ الأَقْدَسَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَأَهْلَ بَيْتِهِ الكِرَامَ هُمْ مِنَ الشَّافِعِينَ المَأْذُونِ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِضَافَةً لِلقُرْآنِ الكَرِيمِ وَالرَّحِمِ وَالأَمَانَةِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ [انْظُرْ: الجَامِعَ الصَّغِيرَ للسُّيُوطِيِّ 2: 81، مُسْنَدَ أَحْمَدَ 5: 43]. 

 وَأَمَّا الشَّقُّ الثَّانِي، أَيْ مِنْ حَيْثُ شَخْصُ المَشْفُوعِ لَهُمْ، تُوجَدُ جُمْلَةُ شُرُوطٍ يَنْبَغِي تَوَفُّرُهَا حَتَّى يَحْظَى الإِنْسَانُ بِشَفَاعَةِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أَهَمُّهَا أَنْ لَا يَكُونَ الإِنْسَانُ مُسْتَخِفًّا بِصَلَاتِهِ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْلُهُ: {لا تَنَالُ شَفَاعَتُنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلَاةِ}. [جَامِعُ أَحَادِيثِ الشِّيعَةِ ج4 ص 69]. 

 فَهَذَا القَيْدُ فِي نَيْلِ الشَّفَاعَةِ هُوَ قَيْدٌ مُهِمٌّ يَكْشِفُ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا يَنَالُهَا كُلُّ أَحَدٍ، بَلْ يَنَالُهَا الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الَّذِي خَلَطَ عَمَلًا سَيِّئًا وَآخَرَ صَالِحًا. وَمَعَهُ لَا يَرِدُ الإِشْكَالُ المُتَقَدِّمُ فِي مَضْمُونِ السُّؤَالِ.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.