ما هو تفسير الآية الكريمة "التي نقضت غزلها " هل يعني إن الإنسان الذي يعمل الصالحات وإذا أذنب بعد ذلك ينقض غزل العمل الصالح ويحرم من ثوابه؟

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

ذهبَ أهلُ التّفسيرِ إلى أنَّ المُرادَ بقولِه تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النّحل:92], أنَّ هذهِ الآيةَ مُرتبطةٌ بالآيةِ التي قبلَها التي يقولُ فيها تعالى: (وَأَوفُوا بِعَهدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّم وَلَا تَنقُضُوا الأَيمَانَ بَعدَ توكِيدِهَا وَقَد جَعَلتُمُ اللهَ عَلَيكُم كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ) [النّحل: 91], فهيَ آيةٌ تتحدّثُ عَن نقضِ العهدِ, وتضربُ مثلا ً للمؤمنينَ، فإنَّ المؤمنَ الذي يُعاهدُ عهداً, ثُمَّ ينقضُه (أي يُفسِدُه) غيرُ مُبالٍ بيمينِه وعهدِه؛ هوَ كالمرأةِ التي تغزِلُ غزلَها ثُمَّ إذا استوى لها وتمَّت حياكتُه نقَضَتْهُ وأعادَتهُ كما كانَ، وهذهِ مِن أماراتِ الحماقةِ التي لا ينبغي لعاقلٍ أن يتّصفَ بها، ونقلَ بعضُ أهلِ التّفسيرِ عنِ الكلبيّ أنّها امرأةٌ حمقاءُ مِن قُريشٍ كانَت تغزلُ معَ جواريها إلى انتصافِ النّهارِ, ثُمَّ تأمرهُنَّ أنْ ينقُضنَ ما غزلنَ, (أي يُفسدنَ ما تمَّ غزلُه), ولا يزالُ ذلكَ دأبُها, واسمُها: ريطةُ بنتُ عمرو بنِ كعبٍ بنِ سعدٍ بنِ تميمٍ بنِ مُرّة, وكانَت تُسمّى خرقاءَ مكّة. 

فإذا تبيّنَ ذلكَ, فهُنا نودُّ أن نضربَ لكَ مثلاً يوضّحُ الجوابَ عمّا يجولُ في خاطرِك, فنقولُ: لو أنَّ مُسلِماً ما قَد عاهدَ اللهَ تعالى على أن لا يعودَ إلى غيبةِ الآخرينَ وبُهتانِهم, واستمرَّ مُدّةً منَ الزّمنِ في صِدقِه وأقوالِه وورعِه, فهُنا سَيُعَـدُّ عملُه هذا منَ الأعمالِ الصّالحةِ, وسيُكتبُ لهُ فيهِ الحسناتُ يوماً بعدَ آخر ما دامَ على العهدِ الذي عاهدَ بهِ اللهَ تعالى,  لكنّهُ لو قامَ بإفسادِ العهدِ الذي بينَهُ وبينَ اللهِ تعالى, فرجعَ إلى الغيبةِ والبُهتانِ, فسيكونُ فعلُه هذا كفعلِ المرأةِ الحمقاءِ التي تغزلُ ثُمَّ تقومُ بإفسادِ غزلِها, وحينئذٍ ستُمحى الحسناتُ التي حازَها بالعهدِ الذي كانَ بينَه وبينَ اللهِ جلَّ وعلا, ويُكتبُ مكانَها السّيّئاتُ. وفّقنا اللهُ تعالى وإيّاكُم لِـما يُحبُّ ويرضى, وأعاذَنا مِن كُلِّ عملٍ سيّءٍ, وأعانَنا على توكيدِ العهودِ والأيمانِ وعدمِ نقضِها. ودمتُم سالِمين.