(اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا) ما الفرقُ بينَ الوفاةِ والموت؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،إنَّ معنى الآيةِ وكذلكَ الفرق فيها يتّضحُ مِن خلالِ الرجوعِ إلى ما بيّنهُ أهلُ العلمِ وخصوصاً مُفسّرو الشيعةِ الإماميّةِ لـمّا عرضوا لهذه الآية، إذ بيّنوا أنّ معنى قولِه تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا) أي: يقبضُها عن الأبدان ، بأن يقطعَ عَنها تعلَّقَها وتصرّفَها فيها ، إمّا ظاهراً وباطناً - وذلكَ عندَ الموت - أو ظاهراً لا باطناً ، فهوَ في النّوم. وقد استندوا في ذلكَ إلى عدّةِ رواياتٍ وردَت عن أئمّةِ أهلِ البيت (ع)، وبيانُ ذلكَ فيما يلي: 1- في كتابِ الإرشادِ للشيخِ المُفيد (228): لمّا عرضَ على عُبيدِ اللَّهِ بنِ زياد - لعنَه اللَّه - عليٌّ بنُ الحُسين - عليهِ السّلام - قالَ له : مَن أنتَ ؟ فقاَل : أنا عليٌّ بنُ الحُسين . فقالَ : أليسَ قد قتلَ اللَّهُ عليّاً بنَ الحُسين ! ؟ فقالَ له عليٌّ - عليهِ السّلام - قد كانَ لي أخٌ يُسمّى عليّاً قتلهُ النّاسُ . فقالَ ابنُ زياد - لعنَه اللَّه - : بل اللَّهُ قتله . فقالَ عليٌّ بنُ الحُسين- عليهِ السّلام - : « اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها » . فغضبَ ابنُ زياد - لعنَه اللَّه. 2- وفي تهذيبِ الأحكام (1/372): أحمدُ بنُ محمّد ، عن الحسنِ بنِ محبوب ، عن عبدِ الرّحمنِ بنِ أبي عبدِ اللَّه قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - عن الرّجلِ يواقعُ أهلهُ، أينامُ على ذلك ؟ قالَ : اللهُ يتوفّى الأنفسَ في منامِها . ولا يدري ما يطرقُه منَ البليّةِ. إذا فرغَ ، فليغتسِل. 3- وفي مجمعِ البيان (4/501) : روى العيّاشيُّ بالإسنادِ ، عن الحسنِ بنِ محبوب ، عن عمرو بنِ ثابتٍ أبي المقدام ، عن أبي جعفرٍ - عليهِ السّلام - قالَ : ما مِن أحدٍ ينامُ إلَّا عرجَت نفسُه إلى السّماء ، وبقيَت روحُه في بدنِه . وصارَ بينَهما سببٌ كشعاعِ الشّمس . فإن أذنَ اللَّهُ - تعالى - في قبضِ الأرواح ، أجابَت الرّوحُ النّفسَ . وإن أذنَ اللَّهُ في ردِّ الرّوح ، أجابَت النّفسُ الرّوحَ . وهوَ قولهُ - سبحانَه - : « اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها » ( الآية ) . فما رأت في ملكوتِ السّموات، فهوَ ممّا له تأويلٌ . وما رأت فيما بينَ السّماءِ والأرض ، فهوَ ممّا يُخيّلهُ الشّيطانُ ، ولا تأويلَ له . 4- وفي أصولِ الكافي (1/363) حديثٌ طويلٌ عن أبي عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - يقولُ فيه: « لا واللَّهِ ! ما ماتَ أبو الدّوانيقِ إلَّا أن يكونَ ماتَ موتَ النّوم » . يقولُ ذلكَ مُخاطِباً لمَن أخبرَه أنّه مات . 5- وفي أصولِ الكافي (2/536): محمّدٌ بنُ يحيى، عن أحمدَ بنِ محمّد ، رفعَه إلى أبي عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - قالَ : إذا آوى أحدُكم إلى فراشِه ، فليقُل : اللَّهمَّ إنّي احتبستُ نفسي ، فاحتبِسها في محلِّ رضوانِك ومغفرتِك . فإن ردَدتها إلى بدني ، فاردُدها مؤمنةً عارفةً بحقِّ أوليائِك ، حتّى تتوفّاها على ذلك. 6- وفي أصولِ الكافي (2/539): عليٌّ بنُ إبراهيم، عن أبيه ، عن ابنِ أبي عُمير ، عن بعضِ أصحابِه ، رفعَه قال : تقولُ إذا أردتَ النّومَ : اللَّهمَّ إن أمسكتَ نفسي ، فارحَمها. وإن أرسلتَها، فاحفَظها. 7- وفي أصولِ الكافي (2/538): عليٌّ بنُ إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّادَ بنِ عيسى ، عن حريزٍ ، عن زُرارة ، عن أبي جعفرٍ - عليهِ السّلام - قالَ : إذا قمتَ باللَّيلِ مِن منامِك، فقُل : الحمدُ للَّهِ الَّذي ردَّ عليَّ روحي لأحمدَه وأعبدَه. [ولمزيدٍ منَ التفاصيلِ ينظر: تفسيرُ كنزِ الدقائقِ للميرزا المشهدي، (ج11/ 298 وما بعدَها)]. وجاءَ في كتابِ الفروقِ اللغويةِ، لأبي هلالٍ العسكري، (520) ما يلي: وأمّا النفسُ : فتُطلَق على النفسِ الناطقةِ، وهيَ المُعبَّرُ عَنها بقولِك : ( أنا ) . وهيَ التي عنى اللهُ سبحانَه بقولِه تعالى : " أنَّ النفسَ بالنفس ". وتُطلَقُ النفسُ على العقلِ باعتبارِ تعلّقِه بالبدنِ ، وهيَ النفسُ الناطقة . وتُطلَقُ على القوّةِ الداعيةِ إلى الشرورِ ، والموقعةِ صاحبَها في المحذور . وهيَ التي عنى اللهُ سبحانَه بقولِه : " إنَّ النفسَ لأمّارةٌ بالسوءِ " . وتُطلَقُ النفسُ على الروحِ أيضاً ، كما وردَ في الأخبارِ ، وكما وردَ في حسنةِ إدريس القُمّي قالَ : سمعتُ أبا عبدِ الله يقولُ : إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يأمرُ ملكَ الموتِ بردِّ نفسِ المؤمنِ ليهونَ عليهِ ويُخرجَها مِن أحسنِ وجهِها. وأمّا الروحُ : فهيَ ما بهِ الحياةُ . وقد تُطلَقُ على النفسِ أيضاً.قلتُ: ويؤيّدُ هذا الفرقَ ما رواهُ العيّاشيُّ عن الباقرِ عليهِ السلام في تفسيرِ قولِه تعالى: " اللهُ يتوفّى الأنفسَ حينَ موتِها والتي لم تمُت في منامِها . قالَ : " ما مِن أحدٍ ينامُ إلّا عرجَت نفسُه إلى السماءِ وبقيَت روحُه في بدنِه وصارَ بينَهما سببٌ كشعاعِ الشمس ، فإن أذنَ اللهُ في قبضِ روحِ أجابَت الروحُ النفسَ . وإن أذنَ اللهُ في ردِّ الروحِ أجابَت النفسُ الروح . . . " الحديث. والظاهرُ أنَّ المرادَ بردِّ الروحِ إبقاؤها في البدنِ. وقالَ بعضُ المُفسّرينَ في تفسيرِ الآية: إنَّ التوفّيَ مُستعمَلٌ في الأوّلِ حقيقةً ، وفي الثاني مجازاً.والتي تتوفّى عندَ الموتِ هيَ نفسُ الحياة ِالتي إذا زالَت زالَت معَها النفسُ ، والتي تتوفّى عندَ النومِ هيَ النفسُ التي بها العقلُ ، والتمييزُ ، وهيَ التي تفارقُ النائمَ فلا يعقِل. والفرقُ بينَ قبضِ النومِ وقبضِ الموتِ أنَّ قبضَ النومِ يُضادُّ اليقظةَ وقبضُ الموتِ يُضادُّ الحياةَ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق