(هذانِ خصمانِ إختصموا في ربّهم) هل الآيةُ تتكلّمُ عَن عذابِهم في القبرِ أم سيكونُ عذابَ يومِ القيامةِ

: سيد حسن العلوي

(هذانِ خصمانِ إختصموا في ربّهم)  

 

378 – آيةُ هذانِ خصمانِ إختصموا الحجُّ 19 هل الآيةُ تتكلّمُ عَن عذابِهم في القبرِ أم سيكونُ عذابَ يومِ القيامةِ حيثُ ذكرَت الآية فالذينِ كفروا قُطّعَت ثيابُهم إلى آخرِ الآيةِ وما معنى قُطّعَت ؟ 

 

الجوابُ: 

قالَ تعالى: { هذانِ خَصمانِ اختَصَموا في رَبِّهِم فَالَّذينَ كَفَروا قُطِّعَت لَهُم ثِيابٌ مِن نارٍ يُصَبُّ مِن فَوقِ رُءوسِهِمُ الحَميمُ، يُصهَرُ بِهِ ما في بُطونِهِم وَالجُلودُ، وَلَهُم مَقامِعُ مِن حَديدٍ، كُلَّما أَرادوا أَن يَخرُجوا مِنها مِن غَمٍّ أُعيدوا فيها وَذوقوا عَذابَ الحَريقِ، إِنَّ اللَّهَ يُدخِلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ يُحَلَّونَ فيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِباسُهُم فيها حَريرٌ } [الحجُّ: ١٩-٢٣] 

 

هذهَ الآياتُ المباركةُ تتحدّثُ عَن خصومةٍ حصلَت في الدّنيا بينَ طائفتينِ، وكانَت الخصومةُ في اللهِ تعالى ودينِه، فطائفةٌ مؤمنةٌ باللهِ وبجميعِ ما جاءَ بهِ أنبياؤهُ ورسله، فيؤمنُ بالحقِّ، والأخرى كفرَت بهِ أو ببعضِ ما أتَت بهِ الرّسلُ والأنبياءُ، فيكفرُ بالحقّ. 

وهذه الخصومةُ سيُفصّلها ربُّ العالمينَ يومَ القيامةِ، ويُجازي الكُفّارَ بالنّارِ والتّفاصيلُ التي ذكرَتها الآياتُ، وأمّا المؤمنينَ باللهِ فجزاؤهم الجنّة. 

فهذهِ الآيةُ تتحدّثُ عنِ النّارِ والجنّةِ الأخرويّة. 

رويَ عنِ النّضرِ بنِ مالكٍ، قالَ: قلتُ للحُسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهما السّلام): يا أبا عبدِ الله، حدّثني عَن قولِ اللهِ عزَّ وجلّ: { هذانِ خَصمانِ اختَصَمُوا فِي رَبِّهِم } . 

قالَ: نحنُ وبنو أميّةَ، إختصمنا في اللهِ عزَّ وجل، قُلنا: صدقَ اللهُ، وقالوا: كذبَ اللهُ، فنحنُ وإيّاهُم الخصمانِ يومَ القيامةِ. (البرهانُ في تفسيرِ القرآن، السيّدُ هاشم البحراني، ج ٣، ص ٨٦٢)  

تفسيرُ الآيةِ:  

قالَ الطبرسيُّ في مجمعِ البيانِ:  

( فالذينَ كفروا قُطّعَت لهُم ثيابٌ مِن نارٍ ) قالَ إبنُ عبّاس : حينَ صاروا إلى جهنّمَ لبسوا مُقطّعاتِ النّيران ، وهيَ الثيابُ القصارُ . وقيلَ : يجعلُ لهُم ثيابُ نحاسٍ مِن نارٍ ، وهيَ أشدُّ ما تكونُ حرّاً ، عَن سعيدٍ بنِ جبير . وقيلَ: إنَّ النّارَ تحيطُ بهم كإحاطةِ الثيابِ التي يلبسونَها بهم . 

( يُصبُّ مِن فوقِ رؤوسِهم الحميمُ ) أي : الماءُ المغليُّ ، فيذيبُ ما في بطونِهم منَ الشّحومِ ، وتساقط الجلود . وفي خبرٍ مرفوعٍ أنّهُ يُصبُّ على رؤوسِهم الحميمُ ، فينفذُ إلى أجوافِهم ، فيسلتُ ما فيها .  

( يُصهرُ به ما في بطونِهم والجلودِ ) أي . يُذابُ ويُنضجُ بذلكَ الحميمِ ما فيها منَ الأمعاءِ ، وتذابُ بهِ الجلودُ . 

( ولهُم مقامعُ مِن حديد ) قالَ الليثُ : المقمعةُ شبهُ الجرزِ منَ الحديدِ ، يُضربُ بها الرّأسُ . وروى أبو سعيدٍ الخُدري قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم في قولِه ( ولهُم مقامعُ مِن حديد ) : ( لو وُضعَ مقمعٌ مِن حديد في الأرضِ ، ثمَّ إجتمعَ عليهِ الثقلانِ ما أقلّوهُ منَ الأرضِ ) . وقالَ الحسنُ : إنَّ النّارَ ترميهم بلهبِها حتّى إذا كانوا في أعلاها ، ضُربوا بمقامعَ ، فهووا فيها سبعينَ خريفاً ، فإذا إنتهوا إلى أسفلِها ، ضربَهُم زفيرُ لهبِها فلا يستقرّونَ ساعةً . فذلكَ قوله : ( كلّما أرادوا أن يخرجوا منها مِن غمٍّ أعيدوا فيها ) أي : كلّما حاولوا الخروجَ منَ النّارِ لِما يلحقُهم منَ الغمِّ والكربِ الذي يأخذُ بأنفسِهم حينَ ليسَ لها مخرجٌ ، ردّوا إليها بالمقامعِ . 

( وذوقوا عذابَ الحريقِ ) أي : ويقالُ لهُم ذوقوا . والذّوقُ : طلبُ إدراكِ الطّعمِ . والحريقُ : الإسمُ منَ الإحتراق . قالَ الزّجّاجُ : هذا لأحدِ الخصمينِ . وقالَ في الخصم الذينَ هُم المؤمنونَ ( إنَّ اللهَ يُدخلُ الذينَ آمنوا ) باللهِ ، وأقرّوا بوحدانيّتِه ( وعملوا الصّالحاتِ جنّاتٍ تجري مِن تحتِها الأنهارُ ) أي : مِن تحتِ أبنيتِها وأشجارِها ( يحلّونَ فيها ) أي : يلبسونَ الحلّيَّ فيها ( مِن أساورَ ) وهيَ حليُّ اليدِ ( مِن ذهبٍ ولؤلؤاً ) أي ومِن لؤلؤٍ ( ولباسُهم فيها حريرٌ ) أي : ديباجٌ . حرّمَ اللهُ سبحانَه لبسَ الحريرِ على الرّجالِ في الدّنيا ، وشوّقَهم إليهِ في الآخرةِ ، فأخبرَ أنَّ لباسَهم في الجنّةِ حرير .

( وهُدوا إلى الطيّبِ منَ القولِ ) أي : أُرشدوا في الجنّةِ إلى التحيّاتِ الحسنةِ ، يُحيّي بعضُهم بعضاً ، ويحيّيهم اللهُ وملائكتُه بها . وقيلَ : معناهُ أرشدوا إلى شهادةِ أن لا إلهَ إلّا الله ، والحمدُ للهِ ، عَن إبنِ عبّاس . وزادَ إبنُ زيدٍ : واللهُ أكبر . وقيلَ : أرشدوا إلى القرآنِ ، عنِ السّدّي . وقيلَ : إلى القولِ الذي يلتذّونَه ويشتهونَه وتطيبُ بهِ نفوسُهم . وقيلَ : إلى ذكرِ اللهِ فهُم بهِ يتنعّمونَ ( وهُدوا إلى صراطِ الحميدِ ) والحميدُ : هوَ اللهُ المُستحقُّ للحمدِ ، المُستحمدِ إلى عبادِه بنعمِه ، عنِ الحسنِ . أي : الطّالبِ منهُم أن يحمدوهُ . ورويَ عنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم أنّهُ قالَ : ( ما أحدٌ أحبُّ إليهِ الحمدُ منَ اللهِ ، عزَّ ذكرُه ) . وصراطُ الحميدِ هوَ طريقُ الإسلامِ ، وطريقُ الجنّة .  

(تفسيرُ مجمعِ البيانِ، ج ٧، الشيخُ الطبرسي، ص ١٤١) . 

 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .