مصدر دعاء: « والسر المستودع فيها »

سؤال: هل هذا الدعاء: « اللهم إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها » ورد في مصدر قديم، أم أنّه من تأليف المعاصرين؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى أنّ هذا الدعاء من الأدعية المعروفة المشهورة بين المؤمنين، بل هي مورد اهتمام كبار أعلام الطائفة وتجليلهم، وقد تعارف بينهم المواظبة عليه والوصيّة به؛ لعلوّ مضمونه، وقوّة تأثيره، ومطابقته مع الروايات المعصوميّة المعتبرة.

ويقع الكلام حول هذا الدعاء في أمرين لبيان صيغ الدعاء ومصادره، ثم ذكر بعض كلمات الأعلام بشأنه:

الأمر الأول: صيغ الدعاء ومصادره:

توجد صيغ عديدة لهذا الدعاء ورد في كلمات الأصحاب:

الصيغة الأولى: « اللهم إنّي أسألك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها أن تصلي على محمّد وآل محمد، وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله، برحمتك يا أرحم الراحمين ».

وردت هذه الصيغة في كلمات المرجع السيّد شهاب الدين المرعشيّ النجفيّ، فقد جاء في وصيّته لابنه – كما بخطّه الشريف –: (وأوصيه بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه، فإنّي أرويها عن والدي العلّامة وأستاذي جمال السالكين الشيخ محمّد الحسين الشيرازيّ، وهما يرويان عن شيخهما مصباح السالكين السيّد مرتضى الرضويّ الكشميريّ، بطرقه إلى نجم الزاهدين السيّد رضي الدين عليّ بن طاوس الحسنيّ – صاحب الإقبال –، بطرقه الموثوقة المتّصلة إلى أصحاب موالينا الأئمّة الأبرار. والدعاء هذا: اللهمّ إنّي أسألك...) [ينظر قبسات من حياة السيّد المرعشي ص124، وص152].

أقول: وعبارة السيّد المرعشيّ وإنْ كانت غير ظاهرة في انتهاء الدعاء إلى الأئمّة (عليهم السلام)، ولكنّ عبارته الآتية في تعليقته على العروة الوثقى صريحة في انتهائنا إلى المعصومين (عليهم السلام)، وفيها دلالة على مواظبة الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) على تلاوتها.

قال السيّد المرعشيّ في تعليقته على العروة الوثقى: (ومن الأدعية التي أكّد أرباب كتب السنن بقراءتها في القنوت: ما أرويه عن والدي العلّامة وغيره، عن العلّامة جمال السالكين الحاجّ السيد مرتضى الرضويّ الكشميريّ، بطرقه إلى قدوة الناسكين مولانا السيّد رضيّ الدين ابن طاوس الحسنيّ، بطرقه: أنّ سيّدتنا الزهراء البتول – روحي لها الفداء – كانت تدعو في القنوت بهذا الدعاء: « اللهم إنّي أسألك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها أن تصلي على محمّد وآل محمد، وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله، برحمتك يا أرحم الراحمين »، وقال: إنّ هذا دعاء الملائكة في قنوتاتهم). [ينظر العروة الوثقى والتعليقات عليها ج7 ص440].

نعم، لم نعثر فيما بين أيدينا من كتب السيّد ابن طاوس، فلعلّه (قدس سره) ينقله عن بعض الكتب غير المنشورة؛ إذ إنّه ممّن أفنى عمره في عالم المخطوطات، ومكتبته العامرة في قم المقدّسة مليئة بنفائس النسخ الخطيّة.

ثمّ إنّ تلميذه السيّد عادل العلويّ (رحمه الله) ذكر: (إن هذا الدعاء قد تلقّاه السيّد المرعشيّ في ضمن الوصايا المهمّة التي أعطاها الإمام المهدي – عجّل الله فرجه - للسيّد المرعشيّ في إحدى تشرّفاته بلقاء الإمام – عجل الله فرجه -) [ينظر الأسرار الفاطمية ص25 الهامش].

وقد جاءت نسبة مثل هذه الصيغة للمعصومين (عليهم السلام) في بعض الكلمات المحكيّة عن المرجع الشيخ الوحيد الخراسانيّ (دام ظله)..

فقد حُكي عنه أنّه قال – في محاضرة له عن الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) –: (إنّها من أسرار الله تعالى التي لا نستطيع أن نفهمها، لكنّا نفهم منها لماذا علّمنا النبيّ وأهل بيته أن ندعو الله تعالى فنقول: « اللّهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع فيها ») [الحق المبين ص261].

وحكي عنه أيضاً – في محاضرة أخرى –: (لابدّ أن نعترف أنّنا لا نفهم هذه المطالب إلّا عندما يقول الإمام - عليه السلام - إذا أردت أن تستخير الله تعالى وتطلب منه أن يهديك إلى الخير فيما تريد الإقدام عليه فقل: « اللّهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع فيها ») [الحق المبين ص302].

إذن: هذه الصيغة وردت منسوبة للمعصومين (عليهم السلام) في كلمات المرجعين السيّد المرعشيّ والوحيد الخراسانيّ، ويبدو من كلام المرعشيّ اعتبار إسنادها؛ إذ قال: (السيد رضيّ الدين ابن طاوس الحسنيّ، بطرقه الموثوقة المتّصلة إلى أصحاب موالينا الأئمّة الأبرار).

الصيغة الثانية: « اللهمَّ بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها، بعدد ما أحاط به علمك، أن تقضي حوائج حامل هذا الكتاب، برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا ربّ العالمين ».

نقل هذه الصيغة بعض الأفاضل عن العلّامة المقدّس الشيخ محيي الدين المامقانيّ، عن والده المرجع الشيخ عبد الله المامقانيّ، عن مجموعة الشهيد الأول (قُدّست أسرارهم) – وقد كانت موجودة في مكتبة المامقانيّ في النجف الأشرف –، وهو يرويها بأسانيده عن زياد القنديّ، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام).

وهذه الصيغة من الدعاء عبارة عن قطعة من دعاء معروف بـ (دعاء الكنز)، وقد وصفه الشهيد بقوله: (عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة … ذكره جُلّ أصحابنا من أعاظم علماء الإماميّة ممّن يُؤخذ بأقوالهم، وذكروا له فوائد عظيمة، منها: أنّه نافع عند الشدائد والبليّات، وتسهيل المشاكل والصعوبات). وقال عنه أيضاً: (ما قرأ هذا الدعاء العظيم صاحب حاجة إلّا قضى الله حاجته، وذو مهمة إلّا قضى الله مهمته)، ثمّ ذكر له سبعين فائدة، وقال (قدس سره): (ينبغي قراءته وحمله). ونقلَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: « علّمنيه رسول الله - صلى الله عليه وآله -، ما استعسر على أحدٍ أمرٌ إلّا استيسر به، وما قرأه صاحب حاجة إلا قضى الله تعالى حاجته ».

أقول: مجموعة الشهيد لها نسخٌ عديدة، وبينها اختلاف وتفاوت، وذكر لها العلّامة آقا بزرك الطهرانيّ ثلاث نسخ [ينظر الذريعة ج20 ص112-113]، ولم يُعثر على دعاء الكنز في بعض النسخ المتوفّرة.

إذن: هذا الدعاء ممّا يُنسب إلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله)، ووصف الشهيد للدعاء بأنّه (عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة … ذكره جُلّ أصحابنا من أعاظم علماء الإماميّة ممّن يُؤخذ بأقوالهم، وذكروا له فوائد عظيمة) يضفي عليه اعتباراً وقوّة كما لا يخفى.

الصيغة الثالثة: « إلهي بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ».

الصيغة الرابعة: « اللّهمّ صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك »، أو بإضافة: « والسرّ المستودع فيها ».

وهاتان الصيغتان – بدون الإضافة في الرابعة - ذكرهما الحجّة الشيخ أحمد الهمدانيّ في كتاب [فاطمة بهجة المصطفى ص252]، قال: (سمعتُ شيخي ومعتمدي، آية اللّه المرحوم ملّا عليّ المعصوميّ يقول في التوسّل بالزهراء – عليها السلام –: تقول خمسمائة و ثلاثين مرّة : « اللّهمّ صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك ».

وأيضاً عنه – رحمه الله –: « إلهي بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ». تُقضى حاجتك إنْ شاء اللّه تعالى).

أقول: وكلامه خالٍ عن نسبتها لمعصومٍ أو كتابٍ، فلعلّها من المجرّبات، وقد قال بعض السادة المعاصرين – بعد نقلها –: (أقول: نقل صاحب الكتاب هذا الدعاء، ولعلّ المرحوم آية اللّه ملّا علي المعصومي رآى الدعاء في روايةٍ، أو نقل الرواية بحذف الإسناد، وعن مثله بعيد أن ينقل شيئاً لم يره عن المعصوم – عليه السّلام –، أو لم يثبت صحّته عنده) [الكوثر في أحوال فاطمة ج5 ص14].

الحاصل: نُقلت الصيغتان الأوليان في كلمات بعض أكابر العصر، عن مصادر قديمة، منسوبةً للأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وأمّا الصيغتان الأخيرتان فلم ينسبهما الناقل للمعصومين (عليهم السلام).

الأمر الثاني: اهتمام العلماء بالدعاء:

إنّ هذا الدعاء مورد عناية الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام)، واهتمام كبار أعلام الطائفة، وإكبارهم وتجليلهم، وقد تعارف بينهم المواظبة عليه، والإيصاء به؛ لقضاء الحوائج، ودفع المكاره، وحلّ المشكلات، ولكثير من الأمور، نذكر في المقام بعض كلماتهم:

1ـ ما حكاه السيّد المرعشيّ عن ابن طاوس بطرقه: (أنّ سيّدتنا الزهراء البتول – روحي لها الفداء – كانت تدعو في القنوت بهذا الدعاء... قال: إنّ هذا دعاء الملائكة في قنوتاتهم) [العروة الوثقى والتعليقات عليها ج7 ص440].

وهذا يدلّ على التزام الصديقة الكبرى (عليها السلام) والملائكة في قنوتهم بذكر هذا الدعاء بالصيغة الأولى.

2ـ ما نقله الشهيد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « علّمنيه رسول الله - صلى الله عليه وآله -، ما استعسر على أحدٍ أمرٌ إلّا استيسر به، وما قرأه صاحب حاجة إلا قضى الله تعالى حاجته ». وهي الصيغة الثانية للدعاء.

3ـ قال الشهيد الأوّل في وصف الدعاء: (عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة … ذكره جُلّ أصحابنا من أعاظم علماء الإماميّة ممّن يُؤخذ بأقوالهم، وذكروا له فوائد عظيمة، منها: أنّه نافع عند الشدائد والبليّات، وتسهيل المشاكل والصعوبات). وقال عنه أيضاً: (ما قرأ هذا الدعاء العظيم صاحب حاجة إلّا قضى الله حاجته، وذو مهمة إلّا قضى الله مهمته)، ثمّ ذكر له سبعين فائدة، وقال (قدس سره): (ينبغي قراءته وحمله). وهي الصيغة الثانية للدعاء.

4ـ قال الحجّة الشيخ أحمد الهمداني: (سمعتُ شيخي ومعتمدي، آية اللّه المرحوم ملّا عليّ المعصوميّ يقول في التوسّل بالزهراء – عليها السلام –: تقول - خمسمائة و ثلاثين مرّة -: « اللّهمّ صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك ». وأيضاً عنه – رحمه الله –: « إلهي بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ». تُقضى حاجتك إنْ شاء اللّه تعالى) [فاطمة بهجة المصطفى ص252].

5ـ قال المرجع السيّد المرعشيّ النجفيّ: (ومن الأدعية التي أكّد أرباب كتب السنن بقراءتها في القنوت... أنّ سيّدتنا الزهراء البتول – روحي لها الفداء – كانت تدعو في القنوت بهذا الدعاء... وقال: إنّ هذا دعاء الملائكة في قنوتاتهم) [العروة الوثقى والتعليقات عليها ج7 ص440].

وقد كان يوصي ابنه الأكبر بتلاوة هذا الدعاء، كما جاء في جملة وصاياه لولده الأكبر: (وأوصيه بمداومة قراءة هذا الدعاء في قنوتات فرائضه: « اللهمّ إنّي أسألك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأنْ تفعلَ بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله ») [الإجازة الكبيرة ص528]. وهي الصيغة الأولى للدعاء.

6ـ قال المرجع السيّد محمّد صادق الروحانيّ: (من الختومات المؤثّرة.. تكرار قول: « اللهمّ صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك » 530 مرّة، مع الطهارة، في مكانٍ خالٍ عن الأغيار) [أجوبة المسائل ج2 ص229].

وقال أيضاً: (من جملة الأدعية المؤثّرة جدّاً لقضاء الحوائج: « اللهمّ ... » 530 مرّة، في مجلس واحد) [أجوبة المسائل ج2 ص261]. وهي الصيغة الرابعة للدعاء.

7ـ قال المرجع الوحيد الخراسانيّ أنّه قال – فيما حُكي عنه–: (لابدّ أن نعترف أنّنا لا نفهم هذه المطالب، إلّا عندما يقول الإمام - عليه السلام –: إذا أردت أن تستخير الله تعالى وتطلب منه أن يهديك إلى الخير فيما تريد الإقدام عليه فقل: « اللهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها »، هكذا فاستخر الله تعالى، وبهذا الدعاء فادعه) [الحق المبين ص302].

8ـ قال المرجع الشيخ حسين المظاهريّ في [تفسير دعاء كميل ص163] – ما تعريبه –: (لقضاء الحوائج، والتخلّص من المشاكل، ودفع البلاء، فقد وصلنا بالتجربة: « الّلهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ بِحَقِّ فاطمَةَ وَأبيها وَبَعْلِها وَبَنيها وَالسِّرِّ الْمُسْتَوْدَعِ فيها أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمِّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأنْ تَقْضِيَ حَوائِجَنا »). وهذه هي الصيغة الأولى مع اختلاف في آخرها.

وغيرهم كثيرون.

والحمد لله رب العالمين