ما دورُ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) في معركةِ التأويل؟

: - اللجنة العلمية

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته،لا يخفى أنّ الأمّةَ انحرفَت عن مسارِها الصحيحِ عندَما سلبَ القومُ الخلافةَ مِن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) وتقمّصوا رداءَ الزعامةِ السياسيّة، وهجموا على بيتِ الوحي، وهتكوا حجابَ النبوّةِ، وغصبوا حقوقَ آلِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وضيّقوا عليهم، إلى غيرِ ذلكَ منَ المآسي والآلام.  لمّا بدأت الأمّةُ تنحرفُ عن مسارِها نهضَت السيّدةُ الزهراءُ (عليها السلام) لتعيدَ البوصلةَ إلى موضعِها الصّحيحِ، ونبّهَت الأمّةَ على حدوثِ انحرافٍ ووقوعِ تحريفٍ ومخالفةٍ لتعاليمِ السماء، وخطبَت خُطبتَها المعروفةَ في المُهاجرينَ والأنصارِ المعروفةِ بالخُطبةِ الفدكيّة.   وممّا جاءَ فيها: «  فلمّا اختارَ اللهُ لنبيّه دارَ أنبيائِه، ومأوى أصفيائِه، ظهرَ فيكم حسكةُ النفاقِ، وسملَ جلبابُ الدين، ونطقَ كاظمُ الغاوين، ونبغَ خاملُ الأقلين، وهدرَ فنيقُ المُبطلين، فخطرَ في عرصاتِكم، واطلعَ الشيطانُ رأسَه مِن مغرزهِ هاتِفاً بكم، فألفاكم لدعوتِه مُستجيبين، وللعزّةِ فيه مُلاحظين، ثمّ استنهضَكم فوجدَكم خفافاً، وأحشمَكم فألفاكم غضاباً، فوسمتُم غيرَ إبلكم، ووردتُم غيرَ مشربِكم، هذا والعهدُ قريب، والكلمُ رحيبٌ، والجرحُ لمّا يندمل، والرسولُ لمّا يُقبَر، ابتداراً، زعمتُم خوفَ الفتنةِ، ألا في الفتنةِ سقطوا، وإنّ جهنّمَ لمُحيطةٌ بالكافرين، فهيهاتَ منكم، وكيفَ بكم، وأنى تؤفكون ». فقد أوضحَت (سلامُ اللهِ عليها) بهذهِ العباراتِ أنّه لمّا رحلَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عن دارِ الدّنيا وقبلَ أن يُدفَن، أظهرَ الشيطانُ رأسَه بينَ الأمّة، وظهرَ النفاقُ فيهم، واتّبعوا خطواتِ الشيطان، فانحرفوا عن الصّراطِ المُستقيم. ثمّ إنّها (صلواتُ اللهِ عليها) وجّهَت خطابَها إلى الأنصارِ أثناءَ الخُطبة، واستنهضَتهم للقيامِ بانقلابٍ عسكريّ لإعادةِ الأمّةِ إلى مسارِها بعدَما بدأت تنحرف.. فقالت: «  إيهاً بني قيلة، أأهضمُ تراثَ أبي؟ وأنتُم بمرأىً منّي ومسمعٍ، ومُنتدىً ومجمع، تلبسكُم الدعوةُ، وتشملُكم الخبرةُ، وأنتُم ذوو العددِ والعُدّة، والأداةُ والقوّة، وعندَكم السلاحُ والجنّة، توافيكُم الدعوةُ فلا تجيبونَ، وتأتيكم الصّرخةُ فلا تغيثون، وأنتم موصوفونَ بالكفاح، معروفونُ بالخيرِ والصّلاح، والنخبةُ التي انتخبَت، والخيرةُ التي اختيرَت لنا أهلَ البيت، قاتلتُم العربَ، وتحمّلتم الكدَّ والتعب، وناطحتُم الأمم، وكافحتُم البهم، لا نبرحُ أو تبرحون، نأمرُكم فتأتمرون، حتّى إذا دارَت بنا رحى الإسلام، ودرّ حلبُ الأيّام، وخضعَت ثغرةُ الشرك، وسكنَت فورةُ الإفك، وخمدَت نيرانُ الكُفر، وهدأت دعوةُ الهرج، واستوسقَ نظامُ الدين، فأنى حزتُم بعدَ البيان؟ وأسررتُم بعدَ الإعلان؟ ونكصتُم بعدَ الإقدام؟ وأشركتُم بعدَ الإيمان؟ بؤساً لقومٍ نكثوا أيمانَهم مِن بعدِ عهدِهم، وهمّوا بإخراجِ الرسولِ، وهُم بدؤوكم أوّلَ مرّةٍ، أتخشونهم؟ فاللهُ أحقُّ أن تخشوه إن كنتُم مؤمنين، ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفضِ وأبعدتم مَن هوَ أحقُّ بالبسطِ والقبض .. إلى آخره ».ولها (صلواتُ اللهِ عليها) مواقفُ أخرى أيضاً لتنبيهِ الأمّةِ على وقوعِ الانحراف، وتطلبُ منها تداركَ الأمرِ والرجوعِ إلى الحقِّ واتّباعِ الإسلامِ الصّحيح.   إذا عرفتَ هذا نقول:  إنّ مفادَ الرواياتِ الواردة عندَ الفريقين ـ شيعةً وسنّة ـ عن النبيّ الأكرم (صلّى اللهُ عليهِ وآله) التي تفيدُ: أنّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قاتلَ على تنزيلِ القرآن، وأنّ عليّاً (عليهِ السلام) سيقاتلُ على تأويله.. أنّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قاتلَ الناسَ حتّى يؤمنوا بالقرآنِ المُنزلِ والدينِ السماويّ، فالحربُ كانَت على حُجيّةِ الوحي الإلهيّ النازلِ، بينَما أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) يقاتلُ الناسَ على تأويله، يعني أنّ الناسَ بعدَ إيمانِهم بالقرآنِ وحُجيّتِه سيحرّفونَ معاني القرآنِ ويحرّفونَ الدينَ ويفرّغونَه عن محتواه، فحروبُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) هيَ لإعادةِ الأمّةِ إلى مسارِها ليبقى الدينُ محفوظاً.  ومنَ الواضحِ أنّ الانحرافَ لم ينشأ عندَما استلمَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) زمامَ الحكومةِ ثمّ حاربَ الناكثينَ والقاسطينَ والمارقين، وإنّما بدأ الانحرافُ فورَ رحيلِ خاتمِ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وقبلَ أن يُدفَن.. وقد كانَت المواجهةُ بينَ آلِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله) وبينَ رؤوسِ الضلالةِ مُحتدمةً أثناءَ حياةِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام)، فنجدُها (عليها السلام) خطبَت خُطبتَها في جمعٍ منَ المُهاجرينَ والأنصار، وأعلنت المعارضةَ لجهازِ السلطة، وبيّنَت انحرافَهم ونفاقَهم، واستنهضَت الأنصارَ للقيامِ بانقلابٍ عسكري لإعادةِ الأمورِ لنصابِها الصّحيح، كما تقدّم.وبهذا يتبيّنُ أنّ السيّدةَ الزهراءَ (عليها السلام) كانَت أوّلَ مَن واجهَت أهلَ الضلالِ الذينَ حرّفوا الدينَ وغيّروا مسارَ الأمّة، وكانَ لها دورٌ كبيرٌ في التنبيهِ على ذلكَ بأقوالِها وأفعالها (سلامُ اللهِ عليها).  والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.