مواصفاتُ المرجعيةِ في رواياتِ أهلِ البيتِ
سؤال : بعدَ وفاةِ السفراءِ الأربعةِ ما هيَ المواصفاتُ الذي وصفَها الإمامُ المهديُ للأشخاصِ الذينَ نرجعُ إليهمْ لأخذِ ديننِا منهمْ نرجو الجوابَ معَ الدليلِ رجاءً ؟
مواصفاتُ المرجعيةِ في رواياتِ أهلِ البيتِ
الجوابُ : يعتقدَ الشيعةُ في عصرِ الغيبةِ الكبرى بأنَ المرجعيةَ تكونُ للفقهاءِ ولا يجوزُ لغيرهمْ توليَ ذلكَ ، فمنذُ ابتداءِ الغيبةِ الكبرى سنةَ 329 ه والتي ابتدأتْ بوفاةِ السفيرِ الرابعِ عليِ بنِ محمدٍ السمريِ رجعَ الشيعةُ إلى الفقهاءِ العدولِ لمعرفةِ تكاليفهمِ الدينيةِ والشرعيةِ ، فالفقيهُ القادرُ على استنباطِ الأحكامِ منَ الكتابِ والسنةِ هوَ الوسيلةُ الوحيدةُ لمعرفةِ أحكامِ اللهِ بالنسبةِ لعامةِ الناسِ .
يقولَ العلامةُ محمدُ رضا المظفرْ في عقائدِ الإماميةِ : " عقيدتُنا في المجتهدِ : وعقيدتُنا في المجتهدِ الجامعِ للشرائطِ ، أنهُ نائبٌ للإمامِ عليهِ السلامُ في حالِ غيبتهِ ، وهوَ الحاكمُ والرئيسُ المطلقُ ، لهُ ما للأمامِ في الفصلِ في القضايا والحكومةِ بينَ الناسِ ، والرادُّ عليهِ رادٌ على الإمامِ والرادّ على الإمامِ رادٌ على اللهِ تعالى ، وهوَ على حدِ الشركِ باللهِ كما جاءَ في الحديثِ عنْ صادقِ آلِ البيتِ عليهِ السلامُ " والحديثُ الذي يشيرُ إليهِ المظفرُ هوَ الحديثُ المرويُ عنْ داودِ بنِ الحصينِ ، عنْ عمرِ بنِ حنظلةَ قالَ : " سألتُ أبا عبدِ اللهِ عليهِ السلامُ عنْ رجلينِ منْ أصحابِنا بينَهُما منازعةٌ في دينٍ أوْ ميراثٍ فتحاكما إلى السلطانِ وإلى القضاةِ أيحلُ ذلكَ ؟ قالَ : منْ تحاكمَ إليهمْ في حقٍ أوْ باطلٍ فإنما تحاكمَ إلى الطاغوتِ ، وما يحكمُ لهُ فإنما يأخذُ سحتا وإنْ كانَ حقا ثابتا لهُ ، لأنهُ أخذهُ بحكمِ الطاغوتِ وما أمرُ اللهِ أنْ يكفرَ بهِ ، قالَ اللهُ تعالى : ( يريدونَ أنْ يتحاكموا إلى الطاغوتِ وقدْ أمروا أنْ يكفروا بهِ ) قلتُ : فكيفَ يصنعانِ ؟ قالَ : ينظرانِ منْ كانَ منكمْ ممنْ قدْ روى حديثَنا ونظرَ في حلالِنا وحرامِنا وعرفَ أحكامَنا فليرضوا بهِ حكَما فاني قدْ جعلتهُ عليكمْ حاكما ، فإذا حكمَ بحكمِنا فلمْ يقبلْ منهُ فإنّما استخفَ بحكمِ اللهِ وعليهِ ردٌ ، والرادُ علينا رادٌ على اللهِ ، وهوَ على حدِ الشركِ باللهِ " ( وسائل الشيعةِ ج 18 ص 99 ) وبالإسنادِ عنْ أبي محمدٍ عليهِ السلامُ قالَ : قالَ عليُ بنُ محمدٍ عليهما السلامُ : " لولا مَنْ يبقى بعدَ غيبةِ قائمِنا عليهِ السلامُ منَ العلماءِ الداعينَ إليهِ ، والدالينَ عليهِ والذابينَ عنْ دينهِ بحججِ اللهِ ، والمنقذينَ لضعفاءِ عبادِ اللهِ منْ شباكِ إبليسَ ومردتِه ومنْ فخاخِ النواصبِ لما بقيَ أحدٌ إلا ارتدَ عنْ دينِ اللهِ ولكنهمُ الذينَ يمسكونَ أزمّةُ قلوبِ ضعفاءِ الشيعةِ ، كما يمسكُ صاحبَ السفينةِ سكانَها أولئكَ همْ الأفضلونَ عندَ اللهِ عزَ وجلَ " ( بحارُ الأنوارِ ج 2 ، ص 6 ) كما عملَ الإمامُ الحسنُ العسكريُ عليهِ السلامُ على تأصيلِ مرجعيةِ الفقهاءِ العدولِ ، ووجوبِ الرجوعِ إليهمْ في معرفةِ مسائلِ الشريعةِ ، وأخذِ الموقفِ الشرعيِ تجاهَ القضايا الحادثةِ ، وكانَ الإمامُ يوجّهُ أتباعَهُ وشيعتَهُ إلى مراجعةِ الفقهاءِ وتقليدِهمْ ، وأخذِ معالمِ الدينِ وأحكامِهِ منهمْ ، حيثُ جاءَ عنهُ الحديثُ المشهورُ : " منْ كانَ منْ الفقهاءِ صائِنا لنفسِهِ ، حافظا لدينِهِ ، مخالفا هواهُ ، مطيعا لأمرِ مولاهُ ، فللعوامِ أنْ يقلدوهُ " ( الوسائلُ ، ج 27 ، ص 131 ) ويمثلُ هذا المقطعُ منَ الحديثِ جزءً قليلا منْ روايةٍ طويلةٍ يبيّنُ فيها الإمامُ الفرقَ بينَ عامةِ اليهودِ الذينَ يقلدونَ علماءهمْ وبينَ عامةِ الشيعةِ الذينَ يقلدونَ علمائَهمْ حيثُ جاءَ فيهِ : " وقالَ رجلٌ للصادقِ ( عليهِ السلامُ ) : إذا كانَ هؤلاءِ العوامِ منَ اليهودِ لا يعرفونَ الكتابَ إلا بما يسمعونهُ منْ علمائِهمْ فكيفَ ذمَّهمْ بتقليدهمْ والقبولِ منْ علمائهمْ ؟ وهلْ عوامُ اليهودِ إلا كعوامِنا يقلدونَ علمائَهمْ ، فقالَ الإمامُ ( عليهِ السلامُ ) : بينَ عوامِنا وعوامِ اليهودِ فرقَ منْ جهةٍ وتسويةٌ منْ جهةٍ ، أما منْ حيثُ الاستواءُ فإنَ اللهَ ذمَ عوامَنا بتقليدِهمْ علماءَهمْ كما ذمَ عوامَهمْ ، وأمّا منْ حيثُ افترقوا فإنَ عوامَ اليهودِ كانوا قدْ عرفوا علماءهمْ بالكذبِ الصراحِ وأكلِ الحرامِ والرشاءِ وتغييرِ الأحكامِ واضطروا بقلوبِهمْ إلى أنَ منْ فعلَ ذلكَ فهوَ فاسقٌ لا يجوزُ أنْ يصدقَ على اللهِ ولا على الوسائطِ بينَ الخلقِ وبينَ اللهِ فلذلكَ ذمهمْ ، وكذلكَ عوامنا إذا عرفوا منْ علمائِهمْ الفسقَ الظاهرَ والعصبيةَ الشديدةَ والتكالبَ على الدنيا وحرامِها ، فمنْ قلدَ مثلَ هؤلاءِ فهوَ مثلٌ اليهودِ الذينَ ذمَهمْ اللهُ بالتقليدِ لفسقةِ علمائهمْ ، فأما منْ كانَ منْ الفقهاءِ صائنا لنفسِهِ ، حافظا لدينِهِ مخالفا على هواهُ ، مطيعا لأمرِ مولاهُ ، فللعوامِ أنْ يقلدوهُ " وبذلكَ يكونُ الإمامُ قدْ بيّنَ صفاتِ الفقيهِ الذي يجوزُ الرجوعُ إليهِ في التقليدِ ، وهيَ : صيانةُ النفسِ ، وحفظَ الدينِ ، ومخالفةُ الهوى ، وإطاعةُ أمرِ اللهِ تعالى .
وقدْ بينَ الإمامُ المهديُ ( عليهِ السلامُ ) السبيلَ الذي يجبُ أنْ يسلكهُ المؤمنونَ في عصرِ غيبتهِ في التوقيعِ الصادرِ عنهُ حيثُ جاءَ فيهِ : " أما ما سألتَ عنهُ أرشدكَ اللهُ وثبّتكَ . . . إلى أنْ يقولَ : وأما الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواةِ حديثنا فإنهمْ حُجّتي عليكمْ وأنا حجةُ اللهِ " ( الاحتجاجُ للطبرسي ج 2 ص 283 )
اترك تعليق