هل يُعَـدُّ السبق إلى لإسلام والهجرة فضيلة؟

السؤال: ألَا يعتبر سبق أبي بكر للإسلام وهجرته مع الرسول (ص) منقبتين له، فضلاً عن تزويجه بنته للرسول..

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا شكّ أنّ السبق للإسلام والهجرة مع رسول الله (ص) منقبة عظيمة وفضل كبير، وقد مدحهم الله في كتابه بقوله: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (المائدة 100)

والآية كما هو واضح أثبتت الفضل لثلاث فئات من المسلمين، وهم السابقون في الإسلام والهجرة، والسابقون في النصر والحماية، ومن ثمّ من جاء بعدهم وسار على نهجهم، وممّا لا شكّ فيه أنّ كلّ من يندرج تحت واحدة من هذه الفئات له فضل عظيم ومكانة رفيعة، وأيّ فضل أعظم من رضا الله ودخول الجنّة التي تجري تحتها الأنهار خالدين فيها.

ولكن في مقابل هؤلاء الصحابة كان هناك فئة أخرى من الصحابة تحدّثت عنهم الآية التي جاءت بعد هذه الآية مباشرة وهي الآية (101 من سورة التوبة) وهي قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ)، وهؤلاء المنافقون قد دلّت الأحاديث الكثيرة على وجودهم في أصحاب النبيّ (ص) في حياته وبعد مماته، وقد كانوا جزءاً من مجتمع المدينة وما حولها من البوادي، وقد مرد هؤلاء على النفاق، بمعنى ٱتّخذوه صنعة إلى درجة يصعب التمييز بين المؤمن والمنافق.

ولم تقف آيات سورة التوبة عند هذا الحدّ في بيان أصناف الصحابة، فتحدّثت الآية (102) عن فئة ثالثة؛ وهم الذين خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيّئ قال تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

ويتّضح من ذلك أنّ البحث في تاريخ الصحابة وتمحيص سيرتهم ضرورة لمعرفة الفئة التي ينتمون إليها، ولا يمكن الحكم بعدالتهم جميعاً لمجرّد صحبتهم رسول الله (ص)، إذْ يقول السيّد شرف الدين في أجوبة مسائل جار الله: ".. أمّا نحن فإنّ الصحبة بمجرّدها وإنْ كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنّها - بما هي ومن حيث هي - غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتجُّ بعدولهم ونتولّاهم في الدنيا والآخرة، أمّا البغاة على الوصيّ أخي النبيّ (ص)، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند وابن النابغة وابن الزرقاء وابن عقبة وابن أرطاة وأمثالهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقّف فيه حتّى نتبيّن أمره" (أجوبة مسائل جار الله، ص 15).

وممّا يجب الإشارة إليه أنّ من صدق عليه عنوان الهجرة أو عنوان النصرة في فترة من حياته فإنّ ذلك لا يعني أنّه أصبح معصوماً من الانحراف أو الضلال، وعليه فكلّ من هاجر مع رسول الله (ص) من المهاجرين أو نصره من الأنصار ولم يبدّل أو يغيّر، ومات على ذلك فهو من أهل الرضوان والجنان بلا شكّ أو ريب.

وممّا يجب التنبيه عليه هو أنّ كلّ الآيات التي مدحت الصحابة مدحت أفعال وصفات ولم تمدح شخوص وأشخاص بيعنها، وهناك فرق كبير بين رضوان الله عن المهاجرين والأنصار وبين رضوانه عن فلان باسمه وشخصه، فكثير من علماء أهل السنّة يغفل عن ذلك بالقول: كيف يمدح الله من يعلم بأنّه سيرتدّ فيما بعد؟ وهذا الكلام صحيح إذا كان الله مدح شخص بعينه، فيقول مثلاً: قد رضيت على فلان وهو من أهل الجنّة، فإنّ فلاناً هذا لا يمكن أن تقع منه الردّة مادام الله تعالى ضَمِنَ له الجنة والرضوان، ولا وجود لمثل هذا النوع من الخطاب في القرآن الكريم، وكلّ ما هو موجود هو المدح المتعلّق بفعل أو بصفة، ومثل هذا المدح ينتفي بانتفاء الفعل أو الصفة، وهذا ما نبّهت عليه الآيات والأحاديث، قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)، وفي صحيح البخاريّ عن جرير بن عبد الله قال: "إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه [وآله] وسلَّمَ قَالَ له في حَجَّةِ الوَدَاعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ فَقَالَ: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" (صحيح البخاريّ برقم: 7080)، وفي البخاريّ ومسلم عن أنس بن مالك قال رسول الله (ص): "لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ ٱخْتَلَجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أصَحَابِي! فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ" (رقم الحديث في البخاريّ 6582، وفي مسلم 2304).

وغير ذلك من الأحاديث التي تؤكّد إمكانيّة حصول الردّة والانقلاب بعد رسول الله (ص)، وقد حصل بالفعل ما نبّه عليه رسول الله (ص) من اختلاف واقتتال وحروب طاحنة بين صحابة رسول الله (ص).

ومن هنا: لا يمكن الحكم بعدالتهم جميعاً دون البحث في أحوالهم، وقد عَـدَّ الشيعة معيار الحقّ في جميع تلك الصراعات والاختلافات هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، فمن لم يتّبع أمير المؤمنين (ع) بعد رسول الله (ص) يجب الحذر منه. ناهيك عمّن عارضه وحاربه، وهذا ما أوصى به رسول الله (ص) أمّته من بعده، سواءٌ أكان ذلك في النصوص العامّة التي توجب ٱتّباع أهل البيت أم في النصوص الخاصّة التي توجب ٱتّباع الإمام عليّ خاصّة، مثل حديث الغدير الذي قال فيه: "أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثمّ قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار" (مسند أحمد، رقم الحديث ۹۱۵)، وقد أخرج الحديث بألفاظ مختلفة، وهو صحيح عند جميع المسلمين.

وفي صحيح مسلم عن الإمام عليّ (ع) قال: "والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، إنَّه لَعَهْدُ النبيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه [وآله] وسلَّمَ إلَيَّ: أنْ لا يُحِبَّنِي إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنافِقٌ" (صحيح مسلم رقم الحديث 78).

ومن كلّ ذلك يتّضح أنّ موقف الشيعة من أبي بكر نابع من موقفه من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، وقد فصّل الشيعة هذا الموقف في كثير من كتبهم وتأليفاتهم.

أمّا ما يتعلّق بزواج النبيّ (ص) من عائشة فقد تحدّثنا عنه في إجابة سابقة يمكن الرجوع إليها على الرابط التالي

https://alrasd.net/arabic/4528