سبب طرد الحكم بن أبي العاص
لماذا طرد النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) الحكم بن أبي العاص وابنه مروان؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم – أيَّدك الله – أنَّ الحكم بن أبي العاص بن أُميَّة بن عبد شمس، عمُّ عثمان وأبو مروان بن الحكم، كان من أشدِّ أعداء الله ورسوله من مشركي قريش، وكان من بين الذين اختارتهم قريش لاغتيال النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) [يُنظر: شرح الأخبار، ج2، ص151]. وبعد فتح مكَّة، توجَّه إلى المدينة واستمرَّ في إيذاء النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) حتَّى اضطُرَّ النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) إلى طرده من المدينة، فانتقل إلى الطَّائف حيث رافقه ابنه مروان، وبقي هناك حتَّى أعاده ابنُ أخيه عثمان بن عفَّان في أيَّام خلافته! أسباب طرده من المدينة ذكر المؤرِّخون عدَّة أسبابٍ موجبةٍ لطرده من المدينة، نذكر بعضًا منها:
1- إيذاؤه النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) كان الحكم بن أبي العاص جارًا لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في الجاهليَّة، وكان أشدَّ جيرانه إيذاءً له في الإسلام، حيثُ كان يمشي خلف النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) بطريقةٍ هزليَّةٍ قاصدًا الاستهزاء والسُّخرية من مشيته. فقد أخرج ابن قانع، والبيهقيّ، وابن عبد البرّ وغيرهم عن هند بن خديجة - زوج النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) - قال: "مرَّ النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) بالحكم - أبي مروان -، فجعل يغمزه في قفاه ويشير بإصبعه، فالتفتَ إليه النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فقال: لا أماتك الله، أو لا متَّ إلَّا بالوزغ. قال: فما قام حتَّى ارتعش" وفي لفظٍ آخر: "اللهمَّ اجعل به وزغًا. فرجف مكانه» [معجم الصَّحابة، ج3، ص196- دلائل النُّبوَّة، ج6، ص239- الاستيعاب، ج4، ص1545]. وكان يجلس خلفه فيُحرِّك شفتيه وذقنه استهزاءً وحكايةً لفعل النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، كما في حديث عبد الرَّحمن بن أبي بكر قال: "إنَّ الحكم بن أبي العاص بن أُميَّة أبا مروان كان يجلس خلف النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، فإذا تكلَّم اختلج بوجهه، فرآه، فقال له: كن كذلك، فلم يزل يختلج حتَّى مات" [النِّهاية في غريب الحديث، ج2، ص60].
قال ابن عبد البرّ: "اختلف في السَّبب الموجب لنفي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إيَّاه... وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته إلى أمورٍ غيرها كرهتُ ذكرها. ذكروا أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان إذا مشى ينكفئ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفتَ النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) يومًا فرآه يفعل ذلك، فقال (صلَّى الله عليه وآله): فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجًا يرتعش من يومئذٍ، فعَيَّره عبد الرَّحمن بن حسان بن ثابت، فقال في عبد الرَّحمن بن الحكم يهجوه: إنَّ اللَّعين أباك فارمِ عظامه **إنْ ترمِ ترمِ مخلَّجًا مجنونًا يمسي خميصَ البطن من عمل التُّقى **ويظلُّ من عمل الخبيث بطينًا" [الاستيعاب، ج1، ص360].
2- تجسُّسه على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) كان الحكم يتجسَّس على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهو عند نسائه، ويسترق السَّمع، ويُصغي إلى ما لا يجوز الاطِّلاع عليه، ثمَّ يُحدِّث به المنافقين على طريق الاستهزاء. ففي إحدى المرَّات، جلس تحت نافذة بيت النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) يتجسَّس عليه، ثمَّ تسلَّق إلى النَّافذة وأطلَّ منها، بينما كان النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) مع إحدى زوجاته، فأهوى إليه بمِشقصٍ ليفقأ عينه، فتأخَّر الحكم وهرب سريعًا [يُنظر: غوامض الأسماء المبهمة، ج2، ص587].
قال ابن عبد البرّ: "اختلف في السَّبب الموجب لنفي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إيَّاه، فقيل: كان يتحيَّل ويستخفي ويتسمَّع ما يسرُّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلى كبار الصَّحابة في مشركي قريش وسائر الكفَّار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتَّى ظهر ذلك عليه.." [الاستيعاب، ج1، ص360]. أمَّا ابنه مروان: فقد قيل: لمَّا أخرج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الحكم من المدينة وطرده عنها نزل الطَّائف فكان معه ابنه مروان. وقيل: إنَّه وُلِد في المنفى الطَّائف. نكتفي بهذا القدر والحمد لله أوَّلًا وآخرًا.
اترك تعليق