معنى: (أنَّ الربَّ الذي خلف نبيَّه بعده أبو بكرٍ ليس ربَّنا، ولا ذلك النبيُّ نبيّنا)

هل يتوافق قول السيد نعمة الله الجزائريّ (بأنَّ الربَّ الذي خلف نبيَّه بعده أبو بكرٍ ليس ربَّنا، ولا ذلك النبيُّ نبيّنا)، مع ميزان المنطق والدين؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم –أيدك الله- أنَّ الأواصر التي تجمع الأمة الإسلاميَّة هي أربعة: إلهٌ واحدٌ، وكتابٌ واحدٌ، ونبيٌّ واحدٌ، وقبلةٌ واحدةٌ وجميع الفرق الإسلامية تؤمن بكل ما ثبت في دين الإسلام، ولا يوجد بينها أيُّ نزاعٍ أو خلافٍ إلَّا في بعض المسائل.

قال السيد محسن الأمين (ونحن وهم أهل دينٍ واحدٍ، ونبيٍّ واحدٍ، وكتابٍ واحدٍ، وقبلةٍ واحدةٍ، نشهد جميعاً للّه تعالى بالوحدانيَّة، ولنبيّه محمدٍ صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالرسالة، ونؤمن بكلِّ ما جاء به من عند ربّه، نُحِلُّ حلاله، ونُحرّمُ حرامه، نقيم الصلوات الخمس، ونؤتي الزكاة، ونصوم شهر رمضان، ونحجُّ البيت الحرام، ونعظّم شعائر الإسلام، ونعترف بالبعث والنشور والحساب والعقاب والثواب والجنة والنار، وبكل ما ثبت في دين الإسلام، وليس بيننا وبينهم نزاعٌ ولا خلافٌ إلَّا في أمورٍ يسيرةٍ لا يُوجب الخطأ فيها - إنْ كان - خروجاً عن الإسلام، أهمّها مسألة الخلافة التي لم يبق لها اليوم أثرٌ يذكر، لكنَّ قوماً لا يروق لهم اتحاد المسلمين واتفاقهم فيعمدون إلى ما يهدم ذلك فيودعونه مؤلفاتهم، ويطبعونه وينشرونه على الملأ تقليداً لغيرهم، واتّباعاً لما غرسته العصبية العمياء في نفوسهم، فحالت بينها وبين النظر إلى الأمور بعين البصيرة والانصاف واتباع الحقائق، وغفلةٌ عن أنَّ هذه النزاعات والأقوال السيئة ما كان باعثها إلا السياسة بما أسَّسه علماء السوء تبعاً لأهواء الظلمة من الملوك والامراء، وطمعاً في دنياهم، وقد زال باعثها اليوم وصارت السياسة تبعث على ضدّها، ولو أنَّ هؤلاء قرعوا الحجة بالحجة والدليل بالدليل وتركوا سوء القول لهان أمرهم، وكان خيراً لنا ولهم، ولكنَّهم لم يفعلوا من ذلك شيئا، ونحن ما زلنا نسعى في جمع الكلمة جهدنا، وفي تأليف القلوب بكل ما في طاقتنا ووسعنا..) [نقض الوشيعة ص ٥].

وأما المقالة التي نقلها السيد الجزائريُّ في بعض كتبه فهي مقالةٌ جاءت على سبيل النقض والجدل، وقد صرَّح السيّد الجزائريُّ بذلك فقال: (ويعجبني ما أجاب به الصدوق «نوَّر اللّه ضريحه» لما اجتمع مع بعض علمائهم في مجلس الخليفة، وذلك أنَّه قال له: نحن وأنتم نعبُد ربَّاً واحداً، وندين بما جاء به نبيٌّ واحدٌ، ونوافقكم على الإمامة أيضاً وإن اختلفنا في زمانها، فمع هذا الاتفاق في الدين كيف تجوّزون الطعن واللعن على الخلفاء الثلاثة ومن جرى على سنَّتهم؟ فأجابه -الصدوق- أما عن قولك باجتماعنا على إلهٍ واحدٍ ونبيٍّ واحدٍ فليس الأمر كما زعمتَ؛ لأنَّ الإله الذي أرسل نبيَّاً خليفته أبو بكر ليس ذلك إلهنا، ولا هذا النبيُّ نبيَّاً لنا ..) [نور الأنوار ص392، نور البراهين ج١ ص٥٩، الأنوار النعمانيَّة ج٢ ص١٩١].

فاتضح لك أنّ السيد الجزائريَّ (ره) أراد بهذا الكلام لازمه، وهو نفي خلافة أبي بكر، إذْ لا وجود لنبيٍّ - في اعتقادنا - نصب أبا بكر خليفةً، وكذلك لا يوجد ربٌّ أرسل نبيّاً خليفته أبو بكر.

وهذا نظير قول من يقول: (إنَّ الشيعة لا يجتمعون مع أهل السنة في ربٍّ، ولا في نبيٍّ، ولا في خليفة)، ويراد بذلك أنَّ قسماً من أهل السنة يعتقدون في الله سبحانه أنَّه جسمٌ، وأنَّه غير عادلٍ، وأنَّهم جوّزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأنّه تعالى لا يفعل لغرضٍ ولا لحكمةٍ، وأنّه يفعل الظّلم والعبث، وأنّه لا يفعل الأصلح لعباده، وغير ذلك وهذا يخالف مذهب الإماميَّة. وأنْ يكون المراد من (إنّا لم نجتمع معهم على نبيّ) حينما يراد بذلك النبي غير المعصوم، أيْ قد يقع منه الخطاء والزلل والفسوق والكذب والسهو، وغير ذلك. وأنْ يكون المراد من (إنّا لم نجتمع معهم على خليفة) حينما يراد بذلك الخليفة أنْ يكون رجلاً ضعيفاً لا يهتدي إلى الحق، ويجتهد برأيه كيفما شاء دون أنْ يكون لديه يقينٌ بأنه أصاب أو أخطأ.

نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولا وآخراً