هل بين نساء النبي (ص) كافرات؟

قال تعالى: { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في عصمتهم وهن النساء اللائي لم يخرجن مع أزواجهن لكفرهن فلما نزلت هذه الآية طلق المسلمون من كان لهم من أزواج بمكة. والوهابية تقول ان هذا دليل على اسلام زوجات الرسول فلو يعلم منهن كفرا لطلقهن؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

[أولاً] اتفقت المذاهب الإسلامية، على أن المراد من الآية: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة - الآية ١٠]، النساء المشركات والوثنيات والملحدات.. وأمثالهنَّ.

فهو نهيٌ للمؤمنين أن يكوِّنوا مع المذكورات علاقة زوجية.

هذا هو المقدار الأكيد من الآية، كما نصَّ المفسِّرون (١)

نعم حصل الخلاف بينهم في شمول الآية للنساء الذمِّيات ـ أي: أهل الكتاب من الدِّيانات الأخرى ـ وعدم شمولها.

والمسألة بها تفاصيل كثيرة، فلتُقرأ بالكتب المختصة (٢)

[ثانياً] للكفر في نصوص القرآن والسُّنة معانيَ عديدةٍ..

منها مثلاً:

١- الكفر بمعنى الشرك بالله، قال تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران - الآية ١٥١].

٢- الكفر بمعنى ما يقابل الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران - الآية ١٩].

٣- الكفر بمعنى ما يقابل الإيمان، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [البقرة - الآية ١٠٨].

٤- الكفر بمعنى النفاق، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران - الآية ١٦٧].

٥- الكفر بمعنى الارتداد عن الدِّين، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة - الآية ٢١٧].

٦- الكفر بمعنى الاستهزاء بالدِّين، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء - الآية ١٤٠].

٧- الكفر بمعنى التبعيض في الدِّين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء - الآية ١٥٠].

٨- الكفر بمعنى الصَّد عن سبيل الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء - الآية ١٦٧].

٩- الكفر بمعنى العصيان لرسول الله (ص)، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء - الآية ٤٢].

١٠- الكفر بمعنى ترك الواجب بلا عُذر شرعي، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران - الآية ٩٧].

١١- الكفر بمعنى الظُّلم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء - الآية ١٦٨].

١٢- الكفر بمعنى عدم شُكر النعمة، قال تعالى: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل - الآية ٤٠].

إلى غيرها من معاني الكفر الكثيرة في القرآن والسُّنة.

ولا يخفى أن بعض معاني الكفر لا تُخرِج عن ظاهر الإسلام، وصَفها القرآن بالكفر استبشاعاً لها وتنفيراً منها لخطورتها،

مثل:

• الكفر بمعنى عدم شُكر النعمة.

• الكفر بمعنى ترك الواجب بلا عُذر شرعي.

لكن بعض معاني الكفر تُخرج من دِين الإسلام قطعاً،

مثل:

• الكفر بمعنى الشرك بالله.

• الكفر بمعنى الارتداد عن الدِّين.

[ثالثاً] لا يوجد في فِرَق المسلمين قاطبة من يحكُم بكفر زوجات النبي (ص)، لا كلهنَّ ولا بعضهنَّ. فجميعهنَّ محكومات بالإسلام، وتجري عليهنَّ تشريعاته!

بل فيهنَّ من عظماء الإسلام ـ باتفاق كافة المسلمين ـ مثل: السيدة خديجة (رض)، والسيدة أمِّ سلمة (رض).

ومن يقول بكفر بعضهنَّ، هو حتماً لا يعني الكفر الذي يقابل الإسلام، بل يعني أحدَ أنواع الكفر السابقة، مثل: الكفر بمعنى العصيان لرسول الله (ص).

فالقرآن صريح: أن بعضهنَّ أفشينَ سِرَّ النبي (ص)، وتآمرنَ ضدَّه وآذينه، لدرجة غضب عليهنَّ، وهجرهنَّ شهراً كاملاً. فأثِمتْ قلوبُهنَّ، ووجَبتْ عليهنَّ التوبةُ من ذنبهنَّ العظيم. وانتصَر الله لنبيِّه، فهدَّدهنَّ بطلاقهنَّ، وإبداله خيراً منهنَّ!

قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ۝ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ۝ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم / الآيات ٣-٥].

فروى البخاري في صحيحه (٣)، ومسلم في صحيحه (٤)، من عدة طرق، عن ابن عباس ـ واللفظ للبخاري - أنه قال:

«أردتُ أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما أتممتُ كلامي حتى قال: عائشة، وحفصة!».

وهذه الرواية وردتْ في كثير من كتب السُّنة، بعدة طرق، وعدة ألفاظ، ولها قصَّة طويلة، فلتُراجع في مصادرها.

كما توجد روايات كثيرة ـ بكتب المسلمين ـ تُثبت مخالفة بعضهنَّ لأمر الله ورسوله (ص)، وأن لهنَّ موقفاً سلبياً جداً من أهل البيت (ع)، مع أنهنَّ أمِرْنَ في القرآن بمودَّتهم!

ومن الواضحات في الإسلام، أن معصية وأذيَّة رسول الله (ص) من الذنوب الكبيرة التي توجب الضلال، وتوعَّد الله (سبحانه) عليها بالعذاب..

• قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة - الآية ٦١].

• وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب - الآية ٥٧].

النتيجة: الاستدلال بالآية على إسلام زوجات الرسول (ص)، تحصيل حاصل، فلم يتنازع المسلمون في إسلامهنَّ أصلاً. والآية تخصُّ المشركات والوثنيات والملحدات.. وأمثالهنَّ، ولا تعمُّ المسلمات العاصيات لرسول الله (ص).

—————————

(١) من السُّنة: تفسير جامع البيان: ج٢٢/ ص٥٨٣، وتفسير الجامع لأحكام القرآن: ج١٨/ ص٦٥، وتفسير القرآن العظيم: ج٨/ ص١٢٢، وتفسير روح المعاني: ج١٤/ ص٢٧٢، وتفسير محاسن التأويل: ج٩/ ص٢٠٩.

من الشيعة: تفسير التبيان: ج٩/ ص٥٨٥، وتفسير مجمع البيان: ج٩/ ص٤١٢، وتفسير الميزان: ج١٩/ ص٢٤١، والتفسير الكاشف: ج١/ ص٣٣٣، وج٧/ ص٣٠٧، والتفسير الأمثل: ج١٨/ ص٢٥٨.

(٢) من السُّنة: التمهيد لابن عبدالبر: ج١٢/ ص١٧، والمبسوط للسرخسي: ج٥/ ص٣٨-٥٨.

من الشيعة: الحدائق الناضرة: ج٢٤/ ص٣، وجواهر الكلام: ج٣٠/ ص٢٧.

(٣) ج٣/ ص١٣٣/ ح٢٤٦٨، وج٦/ ص١٥٦/ ح٤٩١٣، وص١٥٨/ ح٤٩١٤، وح٤٩١٥، وج٧/ ص٢٨/ ح٥١٩١، وص١٥٢/ ح٥٨٤٣.