سِرُّ التفاوت في جزاء زيارة الإمام الحسين (ع)

سؤال؟ ما سر تفاوت الجزاء الدنيوي والأخروي في زيارة الامام الحسين ع.. حيث تراوح الجزاء مابين حجة وعمرة مقبولة واحدة ( الكافي للكليني جزء ٤ ص ٥٨١) وحتى ألف حجة وألف عمرة متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل . ثواب الأعمال- الصدوق ص 89..

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

من سُنَن الله (تعالى) في خَلقه أن جعل التنوع في الأشياء، سواء كانت مادية أو معنوية، وكلما امتلك الشيءُ مميزاتٍ أهمَّ صار مفضلاً أزيد.

[التنوع والتفاضل في التكوين]

في عالم التكوين تجري سنَّة الله بالتنوع والتفاضل، وهي ملحوظة بوضوح في كثير من الكائنات، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر - الآية ٤٣].

مثلاً:

* الإنسان: نوعه مفضَّل على كثير من أنواع المخلوقات، لأنه يمتلك طاقات هائلة، إذا وظَّفها بطريقة صحيحة ربما ترتقي به إلى درجات عالية.

قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء - الآية ٧٠].

* الحيوان: له أنواع كثيرة، وكل نوع له وظيفة أحيائية تختلف عن وظيفة النوع الآخر، مما يجعلها تتمايز وتتفاضل بين بعضها البعض.

قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور - الآية ٤٥].

* النبات: يختلف في نوعه وشكله ونكهته، وله وظائف بيئية متعددة، بعضه يصلح لتغذية الإنسان، وبعضه يصلح لتغذية الحيوان، فبعضه أفضل من بعض.

قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد - الآية ٤].

[التنوع والتفاضل في التشريع]

وأيضاً بعالم التشريع تجري سنَّة الله في التنوع والتفاضل، فالرسل والأنبياء (ع) يتفاضلون في العِلم والحُكم والعَزم.

قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة - الآية ٢٥٣].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء - الآية ٥٥].

[التنوع والتفاضل في الأعمال]

وكذلك أعمال الإنسان تتنوع وتتفاضل فيما بينها. لأن الله (سبحانه) وهبه طاقات مدهشة، وأمره بتوظيفها فيما يصلحه، ونهاه عن توظيفها فيما يفسده، ومنحه حرية الاختيار بينهما. فكلما ارتبطتْ أعماله بالله (تعالى) تكاملتْ وتفاضلتْ، وكلما انفصلتْ أعماله عن الله (تعالى) تناقصتْ وتسافلتْ.

قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ۝ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ۝ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ۝ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء / الآيات ١٨-٢١].

[والعبادات بأنواعها تتفاضل]

فالأقوال والأفعال في العبادات قد تكون صورتها واحدة، يشترك فيها فلان وفلان، ولكن الذي يميِّز ويفضِّل عبادة هذا عن عبادة ذاك ـ بعد صحة أدائها ـ هو توفر شروط..

١- المعرفة: بمعنى أن يبني الإنسان عقيدته بشكل صحيح.

٢- الإيمان: بمعنى أن يلتزم الإنسان بما يعتقده ويتعبَّد به.

٣- الإخلاص: بمعنى أن يخصِّص الإنسان عبادته لله وحده.

وكلما توافرت هذي الشروط ـ بدرجة أعلى ـ في أيِّ عبادة، كانت أفضل، وثوابها أحسن، وأجرها أعظم.

قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال / الآيات ٢-٤].

[سِرُّ التفاوت في جزاء زيارة الإمام الحسين (ع)]

من المقدمات السابقة تتضح الصورة وتنكشف الحقيقة!

فإن المعرفة والإيمان والإخلاص شروط مهمة بالعبادات، ومنها: زيارة المعصومين (ص) بصفة عامة، وزيارة الإمام الحسين (ع) بصفة خاصة. فلذلك يتفاوت أجرها وثوابها، حسب توفر الشروط وقوتها وضعفها.

فالمؤمن الأكثر معرفة بالله (تعالى) وبأهل البيت (ع)، والأشد إخلاصاً لهم، يُعطى ثواباً وأجراً أكبر من المؤمن الأقل معرفة وإخلاصاً، مع أنهما يشتركان بنفس الزيارة.

رُوِيَ عن الإمام الحسين (ع) أنه قال: «نحن قوم لا نعطي المعروف إلا على قدر المعرفة!». موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع): ص٩١٥/ ح١١٢٥-٥٧.

أي: أن مقدار العطاء يكون على مقدار المعرفة!

ولذلك نلاحظ في كثير من الروايات الشريفة عبارات مثل: «أيما مؤمن أتى قبر الحسين (ع) عارفاً بحقه .. إلخ».

كما رُوِيَ بالكافي: ج٤/ ص٥٨٠/ ح١، وص٥٨١/ ح٥، وص٥٨٢/ ح٨، وح٩، وح١٠، إلى غيرها من الروايات والزيارات الكثيرة.

بمعنى: أن الجزاء المترتب على الزيارة، يكون على حجم معرفة الزائر بحق وحرمة وولاية ومقام الإمام المُزار (ع).

نسأل الله (تعالى) أن يرزقنا اليقين في الاعتقاد، والإخلاص في العبادة، وأن يرزقنا زيارة الإمام الحسين (ع) في الدنيا، وشفاعته في الآخرة.