أزور الحسين (ع) أشعثاً أغبراً أم متطهراً متطيباً
السؤال: توجد روايات أنّ زيارة الحسين (ع) تكون بأجمل الملابس والمشي برزانة ونحو ذلك، في حين توجد روايات أن تزور سيد الشهداء أشعثاً أغبراً حزيناً، يوجد تناقض بين الروايات، كيف يمكن الجمع بينها؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وردت طائفتان من الروايات ينبغي استعراضهما، ثمّ بيان وجوه الجمع بينها:
الطائفة الأولى: الزيارة في حال الشعث الغبر:
روى الكلينيّ وابن قولويه والصدوق والطوسيّ بأسانيدهم عن عليّ بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « إذا أردت زيارة الحسين (عليه السلام) فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبر، جائع عطشان، فإنّ الحسين قُتل حزيناً مكروباً، شعثاً مغبراً، جائعاً عطشاناً، وسله الحوائج، وانصرف عنه، ولا تتخذه وطناً » [الكافي ج4 ص587، كامل الزيارات ص252، ثواب الأعمال ص88، التهذيب ج6 ص76].
وروى مثله ابن قولويه بالإسناد عن كرام ابن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) [كامل الزيارات ص252].
وروى ابن قولويه بإسناده عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): « تزورون خير من أن لا تزورا، ولا تزورون خير من أن تزوروا، قال: قلت : قطعت ظهري، قال: تالله، إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً، وتأتونه أنتم بالسفر، كلّا حتّى تأتونه شعثاً غبراً » [الكامل ص250، وص251].
الطائفة الثانية: الزيارة مع الاغتسال ولبس الثياب الطاهرة:
روى الكليني وابن قولويه والطوسيّ بالإسناد عن الحسين بن ثوير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): « إذا أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فاغتسل على شاطئ الفرات، ثمّ البس ثيابك الطاهرة، ثمّ امشِ حافياً، فإنّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله.. » [الكافي ج4 ص576، كامل الزيارات ص387، التهذيب ج6 ص54].
وروى الكليني وابن قولويه بالإسناد عن يوسف الكناسيّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « إذا أتيت قبر الحسين (عليه السلام) فأتِ الفرات واغتسل بحيال قبره وتوجّه إليه وعليك السكينة والوقار.. » [الكافي ج4 ص572، كامل الزيارات ص391]
وروى ابن قولويه بالإسناد عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « .. ثمّ تأتي النينوى، فتضع رحلك بها ولا تدّهن ولا تكتحل ولا تأكل اللحم ما دمت مقيماً بها، ثمّ تأتي الشطّ بحذاء نخل القبر، واغتسل وعليك المئزر... ثم البس أطهر ثيابك... ثمّ امش حافياً وعليك السكينة والوقار بالتكبير والتهليل.... » [كامل الزيارات ص429ـ430].
وروى ابن قولويه بالإسناد عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « .. ويلزمك نظافة الثياب، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر.. » [كامل الزيارات ص275].
وغيرها من الروايات التي تحضّ على الاغتسال ولبس الثياب الطاهرة النظيفة.
قد يُقال: إنّ هاتين الطائفتين بينهما تنافٍ؛ إذ الطائفة الأولى تحضّ على الزيارة شعثاً غبراً، في حين أنّ الطائفة الثانية تحضّ على الاغتسال ولبس الملابس الطاهرة، وهذا لا ينسجم مع الزيارة شعثاً غبراً.
أقول: توجد وجوه عديدة لمعالجة هذا التنافي، نذكر في المقام بعضها:
الوجه الأوّل: أنّ البعضَ كان يأخذ الحلواء والطعام ويتزيّن عند زيارة سيّد الشهداء (عليه السلام)، فجاءت روايات المعصومين (عليهم السلام) للردع عن صنيعهم، وبعضها تضمّنت لفظ « شعث غبر »، فكأنّ الإمام (عليه السلام) يريد أن يقول: إنّ الزيارة ليست للنزهة والتفرّج فلا ينبغي أخذ الأطعمة الشهية ولا التزين، بل أكثر من ذلك فإنّه ينبغي أن يكون الزائر شعثاً غبراً جائعاً عطشاناً.
فالمراد بـ(الشعث الغبر) مقابل الدهن والاكتحال والتزيّن، فهي تشير إلى محبوبيّة الاجتناب عن هذه الأمور، وبناءً على ذلك، فليس هناك تعارض بينها وبين الطائفة الثانية الدالّة على محبوبيّة الغسل وارتداء الملابس الطاهرة، فالمراد هو عدم تحويل الزيارة للنزهة والتفرّج المنافي للغرض من الزيارة. وهذا نظير ما ورد بالنسبة إلى المحرِم، فإنّه يستحبّ له الغسل، ويستحب أن يكون شعثاً غبراً، ولكن ليس له أن يتزيّن ونحوه.
الوجه الثاني: أنّ الطائفتين تشيران لنوعين من الزيارة، فإنّ الزائر تارةً يزور سيّد الشهداء (عليه السلام) زيارة حزن ومصيبة – أي في مناسبة حزينة، كعاشوراء والأربعين ونحوها – فينبغي أن يكون حاله شعثاً غبراً، كما هو الحال في ركضة طويريج والأربعين؛ إذ حالة الشعث الغبر هي حالة أهل المصاب والتعزية، وتارةً يزور في غير وقت الحزن والمصيبة، كمن يزور شوّقاً لسيّد الشهداء (عليه السلام)، أو حبّاً لرسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة (صلى الله عليهم وآلهم)، أو في أيّام سعيدة كميلاد بقية الله الأعظم (عجل الله فرجه)، فيغتسل الزائر ويلبس الملابس النظيفة الطاهرة ونحو ذلك.
الوجه الثالث: أنّ اختلاف الطائفتين من باب تخيير الزائر بين الزيارة شعثاً غبراً، وبين الزيارة مع الغسل ولبس الملابس النظيفة، كما أنّ الزائر مخيّر في تلاوة صنوف الزيارات القصيرة والطويلة، فكما أنّه يجزؤه أن يقول: « صلى الله عليك يا أبا عبد الله – ثلاثاً - »، له أن يتلو زيارة وارث أو زيارة عاشوراء أو زيارة الجامعة أو زيارة الصادق (عليه السلام) المرويّة عن أبي حمزة الثماليّ البالغة 30 صفحة تقريباً.
فمثل هذا التنوّع في الزيارات للتخيير، كذلك الزيارة شعثاً غبراً أو الزيارة مع الغسل والملابس النظيفة للتخيير؛ إذ الزوّار لهم أحوال مختلفة من النشاط والحزن ونحو ذلك، فيزور بالطريقة الملائمة لحاله والمناسبة لظرفه، فقد يكون الظرف ظرف فجيعة ووله ويكون آتياً للزيارة مشياً وهذا يناسبه أن يزور شعثاً غبراً، وقد يكون غير ذلك، فالمهم هو عدم عمل ما ينافي تعليمات أهل البيت (عليهم السلام)، كاتّخاذ الزيارة نزهة وفرجة.
والحمد لله ربّ العالمين
اترك تعليق