هل هنالك انبياء في الفترة بين النبي عيسى (ع)والنبي محمد(ص)؟
سؤال: الفترةُ الزمنيّةُ مِن رفعِ عيسى –عليهِ السلام- إلى زمانِ بعثةِ النبيّ الكريمِ محمّد -صلّى اللهُ عليهِ وآله- فما بقيَ فيها حُجّةٌ للنّاسِ يهتدونَ به إذ القرآنُ الكريمُ يقول: (وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلَت مِن قبلِه الرّسل). ورواياتُ أهلِ البيت -عليهم السلام- تقولُ: لو بقيَ إثنانِ على الأرضِ لكانَ أحدُهم الحُجّة كيفَ نحلُّ هذا المُشكل؟
الجوابُ:
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
المرويُّ في الأخبارِ لم تخلُ فترةٌ ما بينَ عيسى –عليهِ السلام- إلى زمانِ بعثةِ النبيّ محمّد -صلّى اللهُ عليهِ وآله- مِن حُججٍ للهِ فقد كانَ أنبياءُ قد بُعثوا قبلَ رسولِ الله -صلّى اللهُ عليهِ وآله-، ومِنهم خالدُ بنُ سنان الذي بُعثَ قبلَ النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- بخمسينَ سنة (1).
وقد روى الصّدوقُ في إكمالِ الدّينِ وإتمامِ النّعمة حديثاً عن النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله-، ذكرَ فيه الأنبياءَ: عيسى، ثمَّ يحيى، ثمَّ العزير، ثمَّ دانيال» (2).
وكذا كانَ أوصياءُ كانوا في فترةِ ما بينَ عيسى -عليهم السلام- والنبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- فقد رويَ عن النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله-، أنّه قال: « وأوصى عيسى إلى شمعونَ بنِ حمون الصفا، وأوصى شمعونُ إلى يحيى بنِ زكريّا، وأوصى يحيى بنُ زكريّا إلى مُنذر، وأوصى منذرٌ إلى سُليمة، وأوصى سُليمةُ إلى بُردة، ثمَّ قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ودفعَها إليَّ بُردة، ودفعتُها أنا إليكَ يا عليّ » (3).
قالَ المسعوديّ، بعدَ أن ذكرَ في كتابِ إثباتِ الوصيّة جملةً مِن أحوالِ المسيح -عليهِ السلام-: « وأوصى إلى شمعونَ، وأمرَهم بطاعتِه، وسلّمَ إليهِ الاسمَ الأعظمَ والتابوتَ، وذكرَ بعدَ شمعونَ يحيى بنَ زكريّا (عليهِ السلام)، ثمَّ مُنذر بنَ شمعون، ثمَّ دانيال، ثمَّ قالَ: ورويَ في خبرٍ آخر: أنَّ العزيرَ ودانيال كانا قبلَ المسيح، ويحيى بنَ زكريّا (عليهم السلام)»..
وقد رويَ أنَّ أبا طالبٍ قد كانَ منَ الأوصياء، فقد رويَ أنّه قد قيلَ لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): مَن كانَ آخرُ الأوصياءِ قبلَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)؟ فقالَ: أبي (4).
وعن الإمامِ الصّادقِ -عليهِ السلام-، أنّه قال: «كانَ بينَ عيسى -عليهِ السلام-، وبينَ محمّدٍ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- خمسَ مائةِ عامٍ، مِنها مئتانِ وخمسونَ عاماً ليسَ فيها نبيٌّ، ولا عالمٌ ظاهر.
قلتُ: فما كانوا؟!
قالَ: كانوا مُتمسّكينَ بدينِ عيسى -عليهِ السلام-.
قلتُ: فما كانوا؟!
قالَ: مؤمنين.
ثمَّ قالَ -عليهِ السلام-: ولا تكونُ الأرضُ إلّا وفيها عالمٌ» (5).
بيان: هذهِ الرّوايةُ فيها فائدتان:
الأولى: تدلُّ على أنَّ الحُجّةَ أعمُّ منَ الأنبياءِ وأوصيائِهم بل تشملُ العلماءَ أيضاً فإنّهم حُججٌ للهِ تعالى على الناسِ يبيّنونَ لهم الدّينَ ويرفعونَ عَنهم تلبيسَ المُبطلين كما في الراويةِ القائلةِ: لولا مَن يبقى بعدَ غيبةِ قائمِكم عليهِ السلام منَ العُلماءِ الدّاعينَ إليه، والدالّينَ عليه، والذابّينَ عن دينِه، بحُججِ الله، والمُنقذينَ لضُعفاءِ عبادِ الله مِن شِباكِ إبليسَ ومردتِه، ومِن فخاخِ النواصب، لَما بقيَ أحدٌ إلّا ارتدَّ عن دينِ الله.. (6).
والثانيةُ: تدلُّ على أنَّ الحُجّةَ ظاهرةٌ ومستورةٌ وجاءَ معنى ذلكَ في لسانِ الأخبارِ فعن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب -عليهِ السَّلام- قالَ : لَا تَخلُو الأَرضُ مِن قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ ، إِمَّا ظَاهِراً مَشهُوراً ، و إِمَّا خَائِفاً مَغمُوراً ، لِئَلَّا تَبطُلَ حُجَجُ اللَّهِ و بَيِّنَاتُهُ (٧).
وعنهُ -عليهِ السلام- قالَ: لا تُخلي الأرضَ مِن حُجّةٍ لكَ على خلقِك ظاهراً أو خافياً مغموراً لئلّا تبطلَ حُجّتُك وبنيانُك (٨).
وعليهِ لم تخلُ الفترةُ ما بينَ النبيّ عيسى -عليهِ السلام- ونبيّنا الأكرمِ -صلّى اللهُ عليهِ وآله-، مِن حُجج: أنبياء أو أوصياء أو علماء ولا يتعارضُ معَ الآيةِ (وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلَت مِن قبلِه الرّسل). فمعناها ليسَ هناكَ نبيٌّ حيٌّ ظاهرٌ في زمانِ النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وآله- فعيسى قد رُفعَ للسّماء..
والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نورُ الثقلين ج1 ص602 و603 -روضةُ الكافي ص342 و343.
2- تفسيرُ نورِ الثقلين ج1 ص603 وإكمالُ الدّين ص226 وبحارُ الأنوارِ ج14 ص518.
3- نورُ الثقلين ج1 ص603 و604 - والإمامةُ والتبصرة ص23 وأماليُّ الصّدوق ص488 وكمالُ الدّين ص213 وأماليُّ الطوسي ص443.
4- الغديرُ ج7 ص389 عن ضياءِ العالمينَ للفتوني.
5- كمالُ الدّين ص161 وتفسيرُ نورِ الثقلين ج5 ص314.
6- الاحتجاجُ للطبرسي ج2 ص260
7- نهجُ البلاغةِ ص 497 - تاريخُ دمشقَ لابنِ عساكر ج50ص254
8- بصائرُ الدرجاتِ للصفّار ص 505
اترك تعليق