مَن هُم أنبياءُ العصرينِ الحجري والجليدي؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ليسَ هناكَ رابطٌ بينَ العصرِ الجليديّ والعصرِ الحجري، فالأوّلُ يبحثُ عن تاريخِ الأرضِ والثاني يبحثُ عن تاريخِ الإنسان، فالعصرُ الجليديّ بحسبِ علماءِ الجيولوجيا هوَ فترةٌ منَ التاريخِ كانَت تُغطّي فيهِ الثلوجُ مساحاتٍ كبيرةً منَ الأرض، وقد توصّلوا إلى وجودِ هذا العصرِ مِن خلالِ البحثِ في طبقاتِ الأرضِ وما فيها مِن صخورٍ ورواسبَ كيميائيّة، بينَما ينتمي مصطلحُ العصرِ الحجري إلى علمٍ آخر يبحثُ عن تاريخِ الإنسانِ ومراحلِ تطوّرِه، وقد وُضعَ هذا المُصطلحُ في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشرَ الميلادي مِن قبلِ الباحثِ الدنماركي كريستيان جيه تومسن، حيثُ قسّمَ تاريخَ الإنسانِ بحسبِ الأدواتِ التي كانَ يستخدمُها، فكانَ الحجرُ هو أوّل ما استعانَ به الإنسانُ لصُنعِ أدواتِه فسُمّيَ هذا العصرُ بالعصرِ الحجري، ثمَّ تلاهُ العصرُ البرونزي، ومِن ثمَّ العصرُ الحديدي، وعليهِ فإنَّ موضوعاتِ هذا العلمِ هوَ البحثُ عن الآثارِ القديمةِ التي خلّفها الإنسان. ومنَ الواضحِ أنَّ علمَ الجيولوجيا وعلمَ الآثارِ لا يبحثانِ عن وجودِ الأنبياءِ فضلاً عن تاريخِ كلِّ واحدٍ منهم، ولذلكَ فهُما لا يثبتانِ أو ينفيانِ وجودَ أنبياء، وقد أشَرنا في إجابةٍ سابقةٍ عن سببِ عدمِ وجودِ آثارٍ ماديّةٍ للأنبياء، وقلنا إنَّ علمَ الآثارِ يهتمُّ بكشفِ البقايا المادّيّةِ التي تركَها الإنسان، والهدفُ مِن ذلكَ هوَ محاولةُ التعرّفِ على الشعوبِ الغابرةِ والوقوفِ على المعالمِ العامّةِ لطريقةِ حياتِهم، وتشملُ تلكَ الآثارُ المباني والمنحوتاتِ وأدواتِ الطبخِ والصّيدِ وغيرِ ذلك، ومِن خلالِها يمكنُ رسمُ تصوّرٍ عن نمطِ الحياةِ والثقافةِ الاجتماعيّةِ التي كانَت حاكمةً في تلكَ الأزمنة، ويهتمُّ هذا العلمُ بالحضاراتِ الموغلةِ في القدمِ لانعدامِ التاريخِ المكتوبِ الذي يوثّقُ بشكلٍ مُفصّلٍ تلكَ الحياة، ومِن هُنا قد يفتقدُ علمُ الآثار أهمّيّتَه بالنسبةِ للأحداثِ التاريخيّةِ التي نقلَت عبرَ وثائقَ مكتوبة، وبخاصّةٍ إذا كانَت تلكَ الأحداثُ ذاتَ دلالاتٍ معنويّةً وليسَت مادّيّةً، ولذا نجدُ أنَّ مِن أهمِّ الدلائلِ التي تؤكّدُ وجودَ حدثٍ ما في التاريخِ هوَ تناقلهُ عبرَ التواترِ الاجتماعي، بحيثُ يظلُّ تأثيرُه حاضراً جيلاً بعدَ جيل، ووجودُ الأنبياءِ والرّسلِ مِن هذا القبيل، حيثُ ما زالَ لوجودِهم التاريخيّ حضوراً واضِحاً عبرَ الأجيالِ إلى يومِنا هذا، فوجودُ اليهودِ والنصارى والمُسلمينَ واتّصالهم التاريخيُّ عبرَ الأجيالِ يؤكّدُ بشكلٍ قطعيّ وجودَ الأنبياءِ الذينَ يمثّلونَ أساساً لأديانِهم، وعليهِ فإنَّ تأثيرَ الأنبياءِ الملحوظَ في مسارِ التاريخِ البشريّ يؤكّدُ على وجودِهم الفعليّ في التاريخ، وحينَها لا يكونُ وجودُ الأثرِ المادّي إلّا مُجرّدَ حالةٍ حسّيّةٍ لا تشكّلُ إضافةً فعليّةً بالنسبةِ لِما نعلمُه مِن تاريخِ الأنبياء؛ فتاريخُ الأنبياءِ يُمثّلُ موروثاً مُتكامِلاً عقائديّاً وأخلاقياً وتشريعياً وحضارياً، وبالتالي لا يمكنُ إثباتُ كلِّ ذلكَ مِن خلالِ العثورِ على آثارٍ مادّيّةٍ هُنا أو هناك. أمّا لماذا لم تصِلنا آثارٌ مادّيّةٌ منَ الأنبياء؟ فإنَّ هذا السؤالَ يكونُ مُبرّراً إذا كانَ دورُ الأنبياءِ في الحياةِ الإنسانيّةِ يرتبطُ بأدوارٍ لها علاقةٌ بالآثارِ المادّيّةِ، مثل أن تكونَ مُهمّةُ الأنبياءِ بناءَ المُدنِ والحصونِ وتشييدَ الحصون، كما هوَ حالُ الملوكِ والسلاطين في الحضاراتِ القديمةِ مثلَ الحضارةِ اليونانيّة والفرعونيّة وغيرِها منَ الحضارات، وكلُّ ذلكَ لم يكُن مِن ضمنِ اهتماماتِ الأنبياءِ، وإنّما كانَت جهودُهم مُنصبّةً في اصلاحِ الإنسانِ فكريّاً وأخلاقيّاً وسلوكيّاً، وآثارُ ذلكَ ما زالَت حاضرةً إلى اليوم، وبالتالي منَ الخطأ البحثُ عن الأثرِ المادّي، فالأنبياءُ في جانبِهم البشريّ والمادّي لم يتميّزوا عن بقيّةِ البشرِ حتّى تكونَ لهُم آثارٌ خاصّة، وإنّما عاشوا الحياةَ بشكلِها الطبيعيّ الذي عليهِ البقيّةُ ومِن هُنا لا نتوقّعُ أن يكونَ لهم آثارٌ خاصّةٌ مثل الحصونِ والقلاع.فعددُ الأنبياءِ كما أشارَت له النصوصُ كبيرٌ جدّاً وما تمَّ ذكرُه بالأسماءِ محدودٌ جدّاً، ومنَ الواضحِ أنَّ النصوصَ لم تكشِف عن أزمنةِ وتواريخِ الأنبياء، ولا يمتلكُ الإنسانُ أدواتٍ أخرى تمكّنُه مِن معرفةِ التاريخِ الحقيقيّ لكلِّ نبيٍّ منَ الأنبياء، وما هوَ موجودٌ هوَ اجتهاداتُ المؤرّخينَ والباحثينَ لوضعِ تواريخَ تقريبيّةٍ للأنبياءِ الذينَ تمَّ ذكرُهم في القرآنِ الكريم، فقالَ بعضُهم إنَّ ما بينَ آدم ونوح (عليهما السلام) منَ السّنينِ ألفاً ومئتا سنة، وما بينَ نوحٍ وهود (عليهما السلام) ثمانمائة سنةٍ، وما بينَ هودٍ وصالح (عليهما السلام) مئةَ سنة، وما بينَ صالحٍ وإبراهيم (عليهما السلام) ستّمائةٌ وثلاثونَ سنةً، وما بينَ إبراهيمَ وموسى (عليهما السّلام) سبعمائةُ سنةٍ، وقيلَ خمسمائة وخمسٌ وستّونَ سنةً، ثمّ جاءَ بعدَ موسى داودُ (عليه السّلام) وكانَ بينَهما خمسمائة وتسعٍ وسبعون أو خمسمائة وتسعٍ وتسعين، وما بينَ داودَ وعيسى ألفٌ و ثلاثةٌ وخمسونَ سنةً، وقيلَ ألفٌ وثلاثمائة وستٌّ وخمسون، ثمّ كانَ بعدَ عيسى (عليهِ السّلام) خاتمُ الأنبياءِ محمّدٌ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وكانَ بينَهما ستّمائةُ سنة.
اترك تعليق