حكم التقدم على قبر المعصوم
السؤال: لماذا الصلاة في حال التقدم على قبر المعصوم باطلة على رأي بعض الفقهاء، ما الدليل على هكذا حكم؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث الفقهاء المتأخّرون مسألة حكم التقدّم في الصلاة على قبر المعصوم (عليه السلام) بشكل مسهب في كتبهم الاستدلاليّة، فتعرّضوا إلى أنّ الحرمة مطلقة أم خاصّة فيما لو استلزم الهتك وسوء الأدب، وإلى أنّ الحرمة تكليفيّة أم تكليفيّة ووضعيّة، وهل هي خاصّة في حال الصلاة أو تشمل غير حال الصلاة؟ وهل الحرمة على نحو الفتوى أو الاحتياط؟ في المسألة خلاف على أقوال عديدة.
وعمدة ما يمكن الاستدلال به في المسألة هما روايتان:
الرواية الأولى: التوقيع الصادر من الناحية المقدّسة إلى الشيخ الحميريّ، فقد ورد فيه – جواباً على سؤاله: هل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه أم لا؟ -: « وأمّا الصلاة فإنّها خلفه، ويجعله الإمامَ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه، لأنّ الإمام لا يُتقدَّم عليه، ويصلّي عن يمينه وشماله » [تهذيب الأحكام ج2 ص228].
وفي مصدر آخر: « وأمّا الصلاة فإنّها خلفه، ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه، ولا عن يمينه، ولا عن يساره ، لأنّ الإمام لا يُتقدَّم ولا يُساوى » [الاحتجاج ج2 ص312].
الرواية الثانية: حديث هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « أتاه رجلٌ فقال له: يا ابن رسول الله، هل يُزار والدك؟ قال: نعم، ويصلّي عنده، وقال: يصلّي خلفه، ولا يتقدّم عليه » [كامل الزيارات ص].
وقد وقع كلامٌ عند الفقهاء في اعتبار إسناد الروايتين، ثمّ في حجيّتها، ثمّ في مقدار دلالتها، فهل تفيد الحرمة أم الكراهة، وبناءً على الحرمة، هل الحرمة تكليفيّة أو يعمّها والوضعيّة أيضاً؟
فالقائلون ببطلان الصلاة في حال التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) يستندون للرواية الأولى ويؤيّدنها بالثانية، ويرون تماميّة سندها، وحجيّتها، وأنّها تدلّ على الحرمة تكليفاً ووضعاً، أمّا تكليفاً فهو ظاهر النهي « لا يجوز أن يصلّي بين يديه »، وأمّا وضعاً – أي بطلان الصلاة – فباعتبار أنّ النهي وقع عن الصلاة، والنهي عن العبادة يقتضي فسادها.
هذا، وقد ذهب المرجع الأعلى السيّد عليّ السيستانيّ إلى حرمة استدبار قبر المعصوم (عليه السلام) في حال الصلاة وفي غير الصلاة مع استلزامه الهتك، والحرمة تكليفيّة لا وضعيّة، أي أنّ التقدّم غير مبطل للصلاة.
قال (دام ظله) في منهاج الصالحين: « مسألة 560: لا يجوز استدبار قبر المعصوم (عليه السلام) في حال الصلاة وغيرها إذا كان مستلزماً للهتك وإساءة الأدب ».
وقال في تعليقته على العروة الوثقى: « استدبار القبر الشريف إذا كان موجباً للهتك، فلا إشكال في حرمته، ولكنّه لا يوجب بطلان الصلاة إلّا إذا أخلَّ بقصد القربة ».
والحمد لله ربّ العالمين
اترك تعليق