هل أخبر القرآن بانّ القمر نورٌ لكل الكون؟

السؤال: يقول الله: (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجاً). أن تصف القمر بأنه نور فيهن اي في الكون كله فهذا يدل على جهل مؤلف القرآن، فالقمر ليس شيئاً أمام الكون، إنه مثل حبة الرمل على الأرض بل اقل واصغر من ذلك.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الآيات التي أشار إليها السائل هي خطاب سيدنا نوح (عليه السلام) إلى قومه وهي قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا)، وفي مقام الخطاب وإقامة الحجة على المخالف يراعى الحد المشترك بين الطرفين، وبالتالي الآيات ليست في مقام بيان الحقائق بقدر ما هي في مقام إلفات النظر إلى وجود الله وهيمنته على الكون، وإلفات النظر لا يكون إلا من نفس الزاوية التي يرى منها جميع الناس حال السماء وما فيها من قمر وشمس، يقول السيد الطباطبائي في تفسيره: (الآيات كما يشهد به سياقها مسوقة لبيان وقوع التدبير الإلهي على الإنسان بما يفيض عليه من النعم حتى تثبت ربوبيته فتجب عبادته) (تفسير الميزان ج20 ص 32)

ولا يعني ذلك أنّ الآية فيها مخالفة علمية أو خطأ لغوي، وإنما هي منسجمة تماماً مع منطق العلم واللغة.

والذي يبدو أن الشبهة ارتسمت في ذهن السائل أو المستشكل بسبب عدم علمه بمعاني اللغة العربية وطريقة إيصالها للمعاني ضمن السياقات المختلفة، فالآية من حيث اللغة لا تدعم الفهم الذي فهمه مثير الشبهة، فما هو معلوم بالضرورة لكل من له معرفة بالبلاغة أنّ إطلاق الكلّ وإرادة الجزء يعدّ واحدة من أهمّ فنون البلاغة في باب المجاز المرسل، فمن يقول: سكنت مدينة بغداد، لا يعني بقوله أنه استوعب بسكناه تمام بغداد وإنما يقصد حيّزاً يسيراً منها، يقول الآلوسي في روح المعاني: (وجعله فيهن مع أنه في إحداهنّ، وهي السماء الدنيا، كما يقال زيد في بغداد، وهو في بقعة منها) (روح المعاني 21/319)،

وأشار لذلك أيضاً الفخر الرازيّ في تفسيره حيث قال: (كيف قال: {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً} والقمر ليس فيها بأسرها بل في السماء الدنيا؟ والجواب: هذا كما يقال السلطان في العراق، ليس المراد أنّ ذاته حاصلة في جميع أحياز العراق، بل إن ذاته في حيز من جملة أحياز العراق فكذا ههنا) (مفاتيح الغيب16/57)

وقال البغوي في تفسيره نقلاً عن الحسن البصري: ( {جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} يعني: في السماء الدنيا كما يقال: أتيت بني تميم، وإنما أتى بعضهم) (تفسير البغوي 8/231)

وقال السيد الطباطبائي في تفسيره: (وأما أخذ السماوات ظرفاً للقمر في قوله: «وَجَعَلَ اَلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً» فالمراد به كما قيل كونه في حيزهنّ وإن كان في واحدة منها كما تقول: إن في هذه الدور لبئراً وإن كانت في واحدة منها لأن ما كان في إحداهنّ كان فيهنّ وكما تقول: أتيت بني تميم و إنما أتيت بعضهم) (تفسير الميزان ج20 ص 32).

ومن ناحية اخرى فإن الحرف (في) يأتي في اللغة العربية بمعنى (مع) ويسمى ذلك بتناوب معاني حروف الجر، كما في قول أمرئ القيس:

وهل ينعمن من كان آخر عهده … ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال

أي أنه أراد ثلاثين شهراً مع ثلاثة أحوالِ وهو قول ابن دريد وابن سيده في المخصص، وبذلك يصبح معنى (فيهنّ) (معهنّ) أي خلق القمر والشمس مع خلق السموات والأرض، وهذا ما ذكره صاحب تفسير مجمع البيان بقوله: (أنّ معنى فيهنّ معهنّ يعني: وجعل القمر معهنّ أي: مع خلق السماوات نورا لأهل الأرض) (مجمع البيان ج 10 ص 546)

ومن ناحية اخرى فإنّ كلمة (نوراً) في الآية جاءت نكرة، الأمر الذي يعني أنّ القمرَ نورٌ من جملة أنوار كثيرة في السماوات وليس هو النور الوحيد.

وعليه ليس هناك حاجة للتحامل على آيات القرآن بالشكل الذي يثيره صاحب الشبهة، فالقرآن ليس مسؤولاً عن جهل البعض باللغة العربية.