ما معنى قوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء)؟
السؤال: ما معنى قوله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْء} وماهي استعمالات كلمة الأمر ومعانيها في القرآن الكريم؟
الجواب:
أولاً: فيما يتعلق بتفسير الآية: قال تعالى: (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
إذا نظرنا للآية التي جاءت قبلها وبعدها يتّضح المراد من قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)، فإمّا أنْ تكون جملة إعتراضية تدلّ على أنّ الحكم في الدنيا والآخرة لله تعالى وحده لا شريك له، وهذا المعنى نصّت عليه آيات أخرى مثل قوله تعالى: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)، وقوله تعالى: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ)، وقوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
وفي حال اعتبارها جملة إعتراضيّة يصبح قوله (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) جملة معطوفة على الآية السابقة وهي قوله تعالى: (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ)، فيصبح المعنى من الآيتين: (ليقطع طرفاً من الذين كفروا، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم)، أي أنّ الأمر لله يفعل بهم ما يشاء من هذه الخيارات الأربع.
أما إذا اعتبرنا قوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) جملة مستقلة وليست إعتراضية، فحينها يصبح المراد من قوله تعالى: (أو يتوب عليهم) بمعنى (إلا أن يتوب عليهم)، وبذلك يكون تفسير الآية كالتالي: (ليس لك من أمرهم شيئاً يعذبهم أو يتوب عليهم)، جاء في تفسير الأمثل للشيخ مكارم الشيرازي قوله: إنّ هذه الآية تشكل جملة مستقلة، وعلى هذا تكون جملة أو يتوب عليهم بمعنى (إلا أن يتوب عليهم) ويكون معنى مجموع الآية كالتالي: ليس لك حول مصيرهم شيء، فإنهم قد استحقوا العذاب بما فعلوه، بل ذلك إلى الله، يعفو عنهم إن شاء أو يأخذهم بظلمهم" (تفسير الأمثل ج2 ص 680)
ثانياً: فيما يتعلق بمعاني الأمر في القرآن الكريم: هناك بحوث قرآنية مفصّلة في هذا الشأن، وبما أنّ التفصيل غير مناسب في هذا المقام سوف نشير بشكل مختصر إلى بعض المعاني بحسب السّياق الذي وردت فيه، ولا يخفى أنّ لفظة (الأمر) بمشتقاته المختلفة وردت في القرآن الكريم في أكثر من مائتي موضع، كقوله تعالى: (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، وقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ) وغير ذلك من الآيات.
وبالضرورة لا يمكن تفسير لفظة الأمر بمعنى واحد في جميع تلك الآيات؛ وذلك لأن السياق والقرائن المتصلة لها دور في تحديد المعاني المرادة، وسوف نشير إلى بعض هذه المعاني في النقاط التالية:
1- الأمر بمعنى التشريع، أي تشريع الاحكام الشرعية من وجوب وحرمة واستحباب وكراهة، ومن ذلك قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي يخالفون تشريعه.
2- الأمر بمعنى الوعد، كقوله تعالى: (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، فإنّ الأمر هنا وبحسب السياق يعني (الوعد) أي أتى وعد الله فلا تستعجلوه، ونفس هذا المعنى نجده في قوله تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ)، أي حتى إذا جاء وعدنا وفار التنور.
3- الأمر بمعنى الشأن والفعل، كقوله تعالى: (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)، أي ما فعل فرعون وشأنه برشيد، ويمكن أن يكون بمعنى السبيل والمنهج والطريق والسنة.
4- الأمر بمعنى الحساب، كقوله تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر) أي قال الشيطان لما انتهى الحساب.
5- الأمر بمعنى القضاء والقدر، كقوله تعالى: (يدبر الأمر)، وقوله تعالى: (ومن يدبر الأمر) أي يقدره ويقضيه وحده.
وهكذا يمكن استخلاص معاني متعددة للأمر بحسب سياق الآية.
اترك تعليق