هل الإنسان حيوان
سؤال: هل الانسان حيوان دليل من القران؟ فالقرآن لا يطلق على الإنسان وصف الحيوان إلا في المواقف التي تسلب فيها حريته برضاه، نتيجة رضوخه لهوى النفس، واقرأ قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْشِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى..}
الجواب:
عرّف أهل المنطق الإنسان بأنّه حيوان ناطق، واعتبروه تعريفاً جامعاً مانعاً لا يخرج عنه أيّ فرد من أفراد النوع الإنسانيّ، ولا يدخل فيه أيّ شيء من خارج النوع الإنسانيّ؛ لأنّه يتكوّن من الجنس القريب وهو الحيوانية، ومن الفصل القريب وهو النطق .
فالإنسان جزء من الحيوان؛ لأنّ فيه الحياة والنمو والحركة الإراديّة كما هو شأن بقيّة الحيوانات، إلّا أنّ الإنسان يتميّز عنها بالنطق وهي القدرة على التفكير والمعرفة، وعلى هذا المنوال قيل أيضاً: بأن الإنسان حيوان مفكّر، وقالوا: حيوان متكلم، وقالوا: حيوان أخلاقيّ، وقالوا: حيوان ذو تاريخ، وقالوا: حيوان اجتماعيّ، وقالوا: حيوان تقنيّ وصانع، وقالوا: حيوان رامز، أي قادر على استعمال الرمز وخاصّة رموز اللغة.
والملاحظ في جميع هذه التعريفات أنها تشترك في تعريف الإنسان بالحيوان وتختلف في بيان الصفة المميّزة له عن بقية الحيوانات، حيث أشار البعض إلى العقل والفكر، وأشار البعض الآخر إلى الجانب الاخلاقيّ والوجدانيّ والاجتماعيّ، إلّا أنّ ذلك كلّه لا يخرجه عن جنس الحيوان، وعلى ذلك: فإنّ الإنسان ينتمي إلى جنس الحيوان إلّا أنّه يمثّل نوعاً راقياً من هذا الجنس.
ويبدو أن البعض قد اعترض على هذا التعريف ظنّاً أنّه يتعارض مع كرامة الإنسان التي صرح بها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، وقال بعضهم: إنّ إدراج الإنسان تحت جنس الحيوان يفضي من الناحية المنطقيّة إلى ما تقول به نظريّة التطوّر الحديثة التي يقول بها التطوّريّون المحدثون والمتأثّرون بنظريتهم .
والملاحظ للتعريف يجده غير ناظر إلى كلّ هذه الاعتبارات التي يتخوّف منها البعض، فالمقصود بكون الإنسان حيوان لا يتعدّى كونه كائن حيّ نامي ومتحرّك بإرادة، والذي ينفي صفة الحيوانيّة عنه يجعله كالجماد لا حياء ولا حركة ولا شعور فيه، كما أنّ وصفه بالحيوان لا علاقة له بنظريّة التطوّر لا من بعيد ولا من قريب، فالنزاع مع نظريّة التطوّر بعيد عن إثبات أو نفي كون الإنسان من الكائنات الحيّة، وإنّما النزاع حول تفسير نشوء هذه الحياة وكيف خلق الإنسان، وعليه سواء عرفنا الإنسان بالحيوان أو لم نعرّفه بذلك فإنّ نظريّة التطوّر تتحدّث عن الحياة بشكل عام، ولا تنتظر منّا هذا التعريف.
وفي المحصلة: ليس هناك أيّ تعارض بين تعريف الإنسان بالحيوان وبين تكريم الله تعالى للإنسان، والظاهر أنّ سبب الاعتراض يعود إلى ظلال كلمة (حيوان) في الاستخدام العرفيّ، فهي تستخدم عادة للإهانة والحطّ من المنزلة والمقدار، فعندما يقال للإنسان حيوان، ينتقل الذهن إلى الأغنام والبغال والكلاب وغير ذلك، ولذا لا يجوز أن يقال للإنسان حيوان، إذا كان بقصد الشتيمة والاهانة، ولا يجوز أن يقال للإنسان حيوان، بقصد تجريده عن كلّ مميزاته كإنسان.
وعليه: فإنّ الإنسان مخلوق مكرَّم بشرط أن لا يهين نفسه ويتنازل عن إنسانيّته، فلا يبقى له إلّا جانبه الحيوانيّ، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، فقد وصف الله الذين لا يعقلون بالأنعام بل أضلّ سبيلاً، الأمر الذي يؤكّد بأنّ كرامة الإنسان مرهونة بحفاظه على العقل والروح وكلّ القيم الأخلاقيّة، ومَن يتنازل عن ذلك بمحض إرادته سيصبح بالضرورة كالأنعام بل أضلّ سبيلاً؛ وذلك لأنّ الانعام خلقت بالأساس من دون عقل بينما خلق الإنسان عاقلاً، ولكنّه ترك التعقّل بمحض إرادته، فلابدّ أن يكون أضلّ من الأنعام.
اترك تعليق