هل الزلازل تتعارض مع حِكمة وجود الإنسان؟
سؤال: لماذا حدث هذا الزلزال ومات الكثير من الناس، والكثير من الأطفال أصبحوا يتامى، فلماذا لم يدفع الله البلاء ويحمي الناس؟
الجواب:
حتّى نحقّق فهماً للنظام العادل الذي يحكم الكون لابدّ أن نحقّق فهماً لفلسفة وجود الإنسان فيه؛ لأنّ الأرض إذا كانت خالية من البشر لا يهمنا حينها إنْ حدث فيها زلزال أو لم يحدث، فالإنسان هو المعيار الذي على أساسه يتمّ الحكم على عدالة النظام الكونيّ أو عدم عدالته، وعليه من الصعب تفسير النظام الكونيّ وفهمه من دون تفسير النظام الذي تقوم عليه فلسفة وجود الإنسان؛ وذلك لأنّ وجود الإنسان هو الذي يمنح لوجود الكون معناً، وبدونه تنهار كلّ المعاني المتصوّرة لوجود الكون.
ويمكن تلخيص هذه الفكرة بمعادلة بسيطة تقول: إن الهدف من وجود الكون ليس مختلفاً عن هدف وجود الإنسان، فالكون وكلّ ما فيه يعمل بتناسق خاصّ لتحقيق الغرض من وجود الإنسان.
ويبدو أن غياب الحِكمة من وجود الإنسان هو الذي يقف خلف الاعتراض على وجود الزلازل والكوارث الطبيعيّة، فالقول: لماذا لم يتدخّل الله لمنع حدوث الزلازل؟ مساوٍ تماماً للقول: لماذا لم يخلق الله الأرض بدون زلازل من الأساس؟
ولا يمكن الإجابة على هذا السؤال مالم نعرف أيّهما يناسب حِكمة وجود الإنسان، هل الأرض بدون زلازل وكوارث، أم الأرض مع وجود الزلازل والكوارث؟
ومن المؤكد أنّ الذي اعترض على وجود الزلازل ارتكز في اعتراضه على كونها غير مناسبة لتحقيق فلسفة وجود الإنسان، وفي المقابل الذي يرى الزلازل وجميع الكوارث من الضرورات التي بها تتحقّق فلسفة وجود الإنسان لا يمكنه الاعتراض على وجودها، ولذا لا يمكن حسم النزاع بين الطرفين إلّا من خلال حسم النزاع حول التصوّرات التي تقارب فلسفة وجود الإنسان وبيان الخاطئ منها.
فمثلاً: هناك تصوّر يرى أنّ الله هو الذي يجب أن ينوب عن الإنسان في جلب النفع له ودفع الضرر عنه، فحال الإنسان في الدنيا كحال الضيف الذي يجب على مضيفه توفير كلّ احتياجاته وحفظه من كلّ مكروه يمكن أن يصيبه. وبناءً على هذا التصوّر، من الصعب تفسير الزلازل وكلّ المصاعب والكوارث، فإذا كان الله هو الذي يتكفّل بإدارة الحياة بدلاً عن الإنسان، فالواجب عليه أن يمنع من حدوث الزلازل، وإذا حدثت يجب ألّا تتسبّب في انهيار المباني، وإذا انهارت المباني، يجب ألّا تؤثر على مَن يسكن فيها، وإذا لزم الأمر وحدث الضرر، يجب ألّا يطال الأبرياء الذين لم يتوّرطوا في الذنوب. وبناءً على هذا التصور، يُفترض أن يكون الله مسؤولاً عن إدارة حياة الإنسان بشكل شامل.
أما التصوّر الذي يرى أنّ وجود الإنسان من الأساس محفوف بالمخاطر والمكاره، وأنّ الله خلق الإنسان ليبتليه بأنواع البلاء بغرض الاختبار والامتحان، فحينها يمكن فهم كلّ المكاره في السياق الطبيعيّ الذي خلق الإنسان من أجله. ولا نقصد هنا اختبار صبر الإنسان ومدى تحمّله للمكروه فحسب، وإنّما نقصد اختبار الإنسان في مدى توظيفه للقدرات التي منحها له الله في جلب النفع لنفسه ودفع الضرر عنها، فالله خلق الإنسان وزوّده بمجموعة من القدرات، ومن خلال هذه القدرات يمكنه التأثير على الكون وتسخيره بالشكل الذي يخدم مصلحته، وفي حال تقصيره في ذلك لا يجوز له تحميل الله نتائج فشله، فعظمة الإنسان في كونه قادر على التحدي والكفاح من اجل إعمار الأرض وبناء حياة سعيدة، وتقصير الإنسان عن القيام بهذا الدور يعود عليه بالمشاكل والشرور.
وبالتالي كلّ ما يصيب الإنسان من الشرور فهو بما كسبت يداه، إمّا بشكل مباشر وإمّا لتقصيره في أمر ما، فالحروب المدمّرة يصنعها الإنسان بشكل مباشر، والأمراض والأوبئة والفقر تصيب الإنسان نتيجة لتقصيره في حماية البيئة وفي التوزيع العادل للثروات، أو غير ذلك من الإفساد الذي يمارسه الإنسان على الأرض.
والكوارث الطبيعة من زلازل وفيضانات وبراكين تلحق الضرر بالإنسان عندما لا يهيئ لنفسه الظروف المناسبة التي تحميه من ذلك، فمثلاً: الزلزال يكون أكثر دماراً في بعض المدن في حين لا يكون لها أثر يذكر في مدن أخرى، والسبب في ذلك لا يعود فقط إلى درجة وقوّة الزلزال، وإنّما يعود إلى درجة استعداد بعض المدن وعدم استعداد الأخرى، فمثلاً: في اليابان مع أنّ الزلازل تحدث فيها بشكل متكرر إلّا أنّ آثارها ضعيفة جداً، وذلك لأنّ اليابانيّين وظّفوا قدراتهم العلميّة والمعرفيّة في حماية أنفسهم من الزلزال، ولم يقولوا إنّ الله هو الذي يجب أن يحمينا، فحماية الله للإنسان تكون من خلال ما منحه من قدرات، وإذا أهمل الإنسان هذه القدرات لا يتوقع أن يأتي الله لينوب عنه في ذلك.
وبالتالي الإنسان هو المسؤول عن موت الأبرياء في الزلازل والكوارث الطبيعيّة لتقاعسه عن تحمّل المسؤوليّة، بنفس القدر الذي يجعله مسؤولاً عن موت الأبرياء بسبب ما احدثه من حروب مدمرة، وكما أنّ الحرب يموت فيها أبرياء، كذلك الكوارث الطبيعيّة يموت فيها الأبرياء أيضاً، والمسؤول عن كلّ ذلك هو الإنسان ابتداءً من الدول والأنظمة الحاكمة وانتهاءً بأصغر عامل أهمل عمله ولم يؤديه بالطريقة المثلى.
وعليه يمكننا أن نجيب بشكل مختصر عن السؤال: لماذا حدث هذا الزلزال ومات الكثير من الناس؟ بأن الزلزال سنّة من سنن الطبيعة، ووجوده ضروريّ لاختبار الإنسان، فهل قام الإنسان بتوظيف كلّ قدراته التي منحها له في جلب المصالح ودفع المضارّ، أم تقاعس ولم يقم بدوره في عمارة الأرض والحفاظ عليها؟ قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وليس المقصود {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} فقط السلوك الاخلاقيّ، وإنّما تشمل كلّ الأعمال الإراديّة، فالمجتمع الذي يهمل العلم ينتشر فيه الجهل بكلّ ما فيه كوارث، والمجتمع الذي لا يهتمّ بالصحّة ستنتشر فيه كلّ الأمراض الفتّاكة، والمجتمع الذي لا يهتم بالعدالة ستنتشر فيه المظالم، والمجتمع الذي لا يهتمّ بتطوير الثروات وحمايتها سينتشر فيه الفقر والحاجة، وهكذا كلّ ما يصيب الإنسان هو نتاج عمله {لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}.
اترك تعليق