الزلازل عذاب أم علامة ظهور ؟!!

هل صحيح ما يقال عن هذه الزلازل في تركيا وسوريا ولبنان من علامات الظهور ؟؟

: الشيخ باسم الحلي

الجواب:

الزلازلُ ، ربّما تكونُ من علاماتِ الظهور ، وربّما تكون من علاماتِ غضبِ الله نتيجة الذنوب ، ولا يتلازمان ، فالزلازلُ كونها علامةَ غضب نتيجة الذنوب ، حالها حالُ الفيضانِ والأمراضِ والقتلِ والطغيان ، ما زالت مستمرّةً منذ عهد النبيّ إلى اليوم ، ولا علاقة لها بظهور الإمام المهدي صلواتُ الله عليه .. 

أمّا كونها (=الزلازل) من علاماتِ ظهور الإمام المهديّ عليه السلام ، فيلزم التنبيهُ إلى أنّها ليست علامةً مستقلة ، وإنّما هي ضمنَ علاماتٍ عشرة أو أكثر ، متى تحققت كلّها بنحو المجموعِ ظهر الإمامُ المهديّ وإلاّ فلا . 

ففيما نحن فيه مقامان ، لا تلازمَ بينهما ..، كالآتي: 

المقامُ الأول : الزلازلُ ، عذابٌ نتيجة الذنوب . 

قلنا: أخرج الصدوقُ رضي الله عنه (381هـ) في العلل قال : حدثني أبي ، عن أحمدَ بن محمد ، عن عن محمدِ بن خالد ، عن محمدِ بن عيسى ، عن علي بن مهزيار قال: كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام ، وشكوتُ إليه كثرة الزلازلِ في الأهواز..؛ ترى لنا التحول عنها.!. 

فكتبَ عليه السلام: «لا تتحوّلوا عنها، وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة ، واغتسلوا وطهّروا ثيابكم ، وابرزوا يوم الجمعة، وأدعوا الله فإنّه يرفعُ عنكم، ومن كان منكم مذنب فيتوب إلى الله سبحانه وتعالى» ودعا لهم بخير. 

قال ابن مهزيار : ففعلنا فسكنتِ الزلازل ( 1 ). 

قلت: إسنادهُ صحيح ، وبموجبهِ أفتى مشهورُ الأساطين باستحباب صوم الأيّام الثلاثة أعلاه ، لرفع الزلزلة وغضبِ الله سبحانه ؛ لظهوره في أنّ الزلزلةَ نتيجة الذنوب . 

يشهدُ لمجملهِ عند أهل السنة ما رواه الإمامُ نعيمُ بن حمّاد المروزيّ (228هـ) قال : حدثنا بقية، عن أبي العلاء، عن محمدِ بن جحادة، عن يزيدَ بن حصين، عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمتي أمة مرحومة، لا عذابَ عليها في الآخرة، إنّما عذابها في الدنيا فتنٌ وزلازلُ وبلايا» ( 2 ). 

قلت: إسنادهُ ضعيف، رجالهُ ثقات إلاّ يزيد بن حصين السكوني فضعيف . وهو صريحٌ أنّ الزلازلَ من عذاب الله في الدنيا نتيجةَ الذنوب ، ولا علاقة مباشرة لذلك بظهور الإمام المهديّ عليه السلام . 

المقام الثاني : الزلازلُ علامةُ ظهور غير مستقلّة . 

أخرج النعمانيّ (380هـ) في الغيبة قال : أخبرنا أحمدُ بن محمدِ بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان قال: حدثنا يوسفُ بن كليب (مهمل) قال: حدثنا الحسنُ بن علي بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميدِ الحناط، عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعتُ أبا جعفر محمدَ بن عليّ عليهما السلام قال : «يا أبا حمزة لا يقومُ القائمُ عليه السلام إلاّ على خوفٍ شديد ، وزلازلَ ، وفتنةٍ ، وبلاءٍ يصيبُ الناس ، وطاعون قبل ذلك، وسيفٍ قاطع بين العرب، واختلافٍ شديدٍ بين الناس، وتشتتٍ في دينهم، وتغيّرٍ من حالهم حتى يتمنى المتمني الموتَ صباحاً ومساءً من عظم ما يرى من كلبِ الناس، وأكل بعضهم بعضاً، وخروجهُ إذا خرج ، عند الإياس والقنوط» ( 3 ). 

قلت: إسناده ضعيف بالجهالة ، وبالحسن البطائني الكذاب لعنه الله . 

ومن طريقٍ آخرَ قال النعمانيّ رضي الله عنه : أخبرنا أحمدُ بن محمدِ بن سعيدِ بن عقدةَ قال: حدثني أحمدُ بن يوسف بن يعقوبَ أبو الحسن الجعفي من كتابه، قال: حدثنا إسماعيلُ بن مهران، قال: حدثنا الحسنُ بن على بن أبي حمزة، عن أبيه ; ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنّه قال: وقال عليه السلام : وساقَ مثل روايةِ الثماليّ أعلاه تماماً . 

وزاد في صدرها : «إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق ، تطلعُ ثلاثة أيام أو سبعة ، فتوقعوا فرج آل محمد عليهم السلام إنْ شاء الله... ( 4 ). 

قلت: إسنادهُ الثاني صحيحٌ على الأظهر ، أحمد بن يوسف ، في رأي السيد الخوئي رضي الله عنه ، متحدٌ مع مولى بني تيم الثقة ، والبقية ثقات. 

والحديثُ صريحٌ جدّاً أنّ الزلازل، ليست علامة مستقلة لخروجه عليه السلام ، وإنّما كلّ العلاماتِ أعلاه بنحو المجموع ، منها : خروجُ نارٍ من المشرق . 

وأخرج الإمام السنّي أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا جعفر، عن المعلى بن زياد، حدثنا العلاء بن بشير، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشركم بالمهدي ، يبعث في أمتي على اختلاف من النّاس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً...» ( 5 ).

 

قلت: إسناده ضعيف بالعلاء ، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في التقريب : مجهول الحال . 

والحديثُ صريحٌ أنّ الزلازل ليست علامةً مستقلة لظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وإنّما كما قال النبيّ ، بعد أن تملأ ظلماً وجوراً ، وهذا غيرُ حاصلٍ إلى الآن .

 

الزبدة كالآتي: 

 

أولاً : الزلازلُ ، علامةٌ لغضب الله تعالى ، نتيجة ذنوب بني آدم ، ولا يرفعُ غضبَهُ سبحانهُ إلاّ اللجوءُ إليه ، بالعبادةِ والتوبةِ والعمل الصالح .

 

ثانياً : الزلازلُ ، من علاماتِ الظهور ، لكنّها ليست علامةً مستقلة ، وإنّما مجموعةُ علامات ، عشرةٌ أو أكثر ، بنحو المجموع كما هو صريحُ صحيح أبي بصير ، متى تحققت كلّها ظهر المهدي ، وإلاّ فلا ، وأهمّ علامة مقطوع بها ، أنّ الأرض تملأ ظلماً وجوراً ، وعند الإياس والقنوط .

 

ثالثاً : إمتلاءُ الأرض جوراً لم يتحقق إلى الآن ، ولا يوم كيوم أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فالذي يظهرُ أنّ يوم امتلاء الأرض بالجور لا بدّ أن يقاربَ جورَ وظلم الأمويين يوم عاشوراء .

 

رابعاً : جلّ الأخبار التي ذكرت أنّ الزلازلَ من علاماتِ ظهور الإمام المهديّ ضعيفة الإسناد ، لا حجيّة فيها ، إلاّ ما سردناهُ أعلاه .

 

الحاصل : الزلازلُ ، من علاماتِ الظهور ، لكنّها علامةٌ غيرُ مستقلة ، وإنّما بضميمةِ علاماتٍ أخرى بنحو المجموع ، قريب من عشر علامات .

.............

الهوامش:

( 1 ) علل الشرائع (تقديم: محمد بحر العلوم) 2 : 555 ، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف 1966 هـ
( 2 ) الفتن (ت: سمير الزهيري) 2 : 615 رقم 1709 ، مكتبة التوحيد، القاهرة، طبعة أولى 1412 هـ
( 3 ) الغيبة (ت: فارس الحسون): 240 رقم 12 ، مهر ، قم الطبعة الأولى 1422 هـ 
( 4 ) الغيبة (ت: فارس الحسون): 261 رقم 22 ، مهر ، قم الطبعة الأولى 1422 هـ 
( 5 ) مسند أحمد (شعيب الأرنؤوط) 17 : 426 رقم 11326 ، مؤسسة الرسالة، بيروت.