كيف يقوم الإمام المهدي بوظيفته وهو في غيبته؟!

إذا كان الإمام المهدي غائبا عن الأبصار، فكيف يتمكن من القيام بوظيفته الإلهية، سواء في هداية الناس أم في غيرها من المهام المنوطة به؟!

: الشيخ علي محمد عساكر

الجواب:

لعل منشأ السؤال هو توهّم السائلين أو تصورهم أن الغيبة تساوي عدم الوجود، أو يلزم منها انقطاع الإمام عن العالم، مع أن الفرق كبير جداً بين هذا الوهم وهذه التصورات وبين ما تعنيه الغيبة بمفهومها الصحيح.

فغيبة الإمام المهدي لا تساوي عدم وجوده، ولا يلزم منها أن يكون منقطعا عن العالم، أو عاجزا عن القيام بوظيفته.

لذا نرى من المهم أن ننطلق في الجواب من بيان المعنى الصحيح للغيبة، لأنه متى وضح لنا هذا المعنى أعاننا ذلك على معرفة كيفية قيامه بمهامه وهو في غيبته عجل الله فرجه.

معنيان للغيبة:

هناك معنيان للغيبة ذكرهما العلماء، كلاهما ممكنان عقلا، كما دلت عليهما بعض الأحاديث الشريفة، والأحداث التاريخية، ونحن نشير إليهما على نحو الإجمال:

الأول: غيبة الشخص:

تأتي الغيبة بمعنى خفاء شخص الإمام المهدي واستتاره عن الأنظار، أي أنه عجل الله فرجه مختفيا بشخصه، بحيث من الممكن أن يتواجد في أي مكان فيرى الناس ويشاهدهم ولكنهم لا يرونه، فحتى لو نظروا إلى المكان الذي هو موجود فيه لرأوا المكان خالياً منه.

الثاني: غيبة العنوان:

بمعنى أن شخص الإمام المهدي ليس غائباً عن الأبصار، وإنما هو موجود بين الناس يخالطهم ويخالطونه، ويعاشرهم ويعاشرونه، ويعرفهم ولكنهم لا يعرفونه ولا يلتفتون إلى حقيقته، بل يظنونه إنساناً عادياً من عامة الناس.

الغيبة بمفهوميها لا تمنع الإمام المهدي من القيام بوظيفته:

إن غيبة الإمام المهدي -بمفهوميها- لا تقطع صلته بالحياة، ولا تحجبه عن مراقبة الأحداث، ولا تمنعه عن التدخل في معالجة الأمور، فهو -على كلا التفسيرين للغيبة- موجود بيننا، ويطلع على أحوالنا، ويعالج الكثير من قضايانا الدينية والدنيوية، ولا يتوقف قيامه بذلك على وجوب رؤيتنا له، أو معرفتنا بشخصه، ولا على ضرورة أن نعلم بأن تلك الأعمال صادرة عن شخصه المقدس.

ولا بأس أن نتوسع قليلا في شرح هذا الإجمال وفق العناوين التالية:

وجوده رغم غيبته من مقتضيات الحكمة واللطف الإلهيين:

من مظاهر ومصاديق حكمة الله أنه عز وجل جعل الأشياء متقابلة: فهناك دنيا وآخرة، وجنة ونار، وسماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وإنس وجن، وذكر وأنثى، وبر وبحر...

ومن ذلك أن جعل شياطين يغوون الإنسان ويضلونه، فكان من مقتضى الحكمة واللطف الإلهيين أن يجعل مقابلهم أئمة {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف 181] ليتحقق ذلك التقابل الذي أشرنا إليه، وليكون هذا الإمام هاديا بأمر الله، ومنقذا لمن توجد لديهم القابلية من الناس من ذلك الشيطان وإضلاله وغوايته.

وهذا الإمام في هذا العصر هو المهدي المنتظر من آل محمد كما نصّت على ذلك الروايات والأحاديث الواردة من الفريقين، وثبتت ولادته تاريخيا، ويعتقد بحياته وغيبته الشيعة وفريق كبير من أهل السنة.

وإذا كان الشيطان يقوم بما يقوم به من أعمال شيطانية في إضلال الإنسان دون أن يتوقف ذلك على رؤيتنا البصرية له، أو معرفتنا بكيفية قيامه بذلك، فكذلك الحال في الإمام المهدي، فهو يقوم بوظيفته في الهداية بأمر الله دون أن يتوقف ذلك على رؤيتنا له، أو معرفتنا لشخصه، أو اطلاعنا على كيفية قيامه بذلك، خصوصا وأن هذه الهداية ليست هداية تشريعية، ولا هي بمعنى إراءة الطريق والدلالة عليه، وإنما هي هداية تكوينية، إذ الإمام يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فيفيض على نفوس وأرواح وقلوب المؤمنين من الفيوضات المعنوية ما يوصلهم إلى كمالهم المطلوب.

وهذا -كما نعلم- ليس متوقفا على رؤيتنا للإمام، أو معرفتنا على كيفية قيامه بذلك، فكما يمكن أن يقوم بذلك وهو ظاهر مشهور، أيضا يمكنه القيام بذلك وهو غائب مستور.

غياب شخص الإمام المهدي لا يعني عدم ظهوره على الإطلاق:

متى فسرنا الغيبة بأنها تعني اختفاء شخص الإمام المهدي وعدم التمكن من رؤيته، فيجب أن نلتفت إلى أن هذا الاختفاء ليس على الإطلاق، بل قد يظهر الإمام نفسه للآخرين فيشاهدونه ويتحدثون معه، ويكون هذا الظهور بمقدار المصلحة التي يقدرها الإمام المهدي نفسه، وبعد انتهاء هدف الظهور والغرض الذي يتوخاه الإمام يغيب عن الأنظار، فلا يراه أحد رغم أنه لم يغادر المكان.

ومن الأحداث التاريخية الدالة على هذا النوع من الغيبة، وأنه من الممكن أن يظهر الإمام المهدي متى اقتضت الضرورة ذلك، ما حدثنا به التاريخ من ظهوره أثناء الغيبة الصغرى مرتين لعمه جعفر، وقد نقلهما السيد محمد الصدر في ص 314-315 من (تاريخ الغيبة الصغرى)

وأما أخبار الظهور والمشاهدة خلال الغيبة الكبرى، فكما يقول السيد محمد الصدر في ص33 من تاريخ الغيبة الكبرى: (بعضها ظاهر في الدلالة على ذلك، بل منها ما هو صريح به، بل أن بعض هذه الأخبار تتوسع فتنسب الاختفاء إلى فرسه الذي يركبه، وخادمه الذي يخدمه، بل حتى الصراف الذي يحوّل عليه شخصاً لأخذ المال)

وهذا يعني أن الإمام المهدي وإن كان غائبا عنا بشخصه، إلا أنه موجود بيننا، ومطلع على أحوالنا، ويتدخل في حل ما يحتاج إلى حل حتى وإن أدى ذلك إلى ظهوره ومشاهدته، كما أنه لا يوجد أي مانع عقلي من أن يقوم بوظيفته دون أن يضطر إلى الظهور، وذلك كله يعود إلى ما يقدره هو، مما يعني أن غيابه ليس مانعا له من القيام بوظيفته صلوات الله وسلامه عليه.

غيبة العنوان ليست مانعة من التصرف:

وكذلك على القول بأن غيبته عجل الله فرجه هي غيبة العنوان، فهي أيضا ليست مانعة له من التصرف، ولا تحد من قيامه بوظيفته، تماماً كما هو الحال في ذلك الولي الصالح الذي كان في زمن نبي الله موسى، وكان يقوم بواجباته ومسؤولياته المناطة به من رب العالمين دون أن يعرفه أحد بشخصه بما في ذلك الكليم موسى ابن عمران الذي لم يتعرف عليه إلاّ بتعريف من الله تبارك وتعالى.

والقصة مذكورة بتفاصيلها في القرآن الكريم من الآية (60) إلى الآية (82) من سورة الكهف، فلو تأملنا تلك الآيات الكريمات جيداً، لوقفنا على حقائق مهمة نستطيع أن نجملها فيما يلي:

1ـ إن ذلك الولي (الذي هو الخضر) قد شمله الله برحمة خاصة، كما أن علمه علم لدنيّ، كما نستفيد ذلك من قوله تعالى في الآية 65 من سورة الكهف: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.

2- للخضر غيبة، هي (غيبة العنوان)، فالناس يرونه ويكلمونه لكنهم لا يعرفونه، فها هو يركب مع الناس في السفينة، ثم يذهب إلى القرية ويقابل أهلها ويطلب منهم الطعام، ومع ذلك لم يتمكن أحد من معرفته، بل حتى نبي الله موسى لم يتعرف عليه إلاّ حين أرشده الله إليه وعرّفه عليه.

3- إن غيبة الخضر لم تمنعه عن متابعة الأمور ومراقبة الأحداث، بل كان دقيقاً جداً في المراقبة والمتابعة إلى درجة أنه لم يخفَ عليه أمر ذلك الملك الظالم الذي يأخذ كل سفينة غصبا، ولم يجهل حقيقة ذلك الغلام الذي لو بقي حياً لأرهق والديه طغياناً وكفرا، ولم يغب عنه خبر اليتيمين اللذين كانا في المدينة وكان أبوهما صالحاً ولهما كنز تحت جدار كاد أن يسقط في تلك القرية التي مرّ عليها وبرفقته الكليم موسى.

4- كما أن غيبة الخضر لم تمنعه من متابعة الأحداث كذلك لم تمنعه عن حلها، فها هو يقوم بخرق السفينة، ويقتل الغلام، ويقيم الجدار الذي يريد أن ينقض... فهو إذن متمكن من التصرف، وغيبته لم تسلبه القدرة عن فعل ما فيه مصلحة البلاد والعباد.

5- لم يقم الخضر بكل ما قام به من تلقاء نفسه، وإنما انطلاقا من الأوامر الإلهية الصادرة إليه من الله تعالى، يدلنا على ذلك قوله بعد ما بين لموسى فلسفة أفعاله كما في الآية 82 من سورة الكهف: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا}

فهو إذن من الأولياء والصالحين الذين يعملون ما فيه الخير والصلاح للبشرية، ويأخذون بأيدي الناس إلى الحق، ويهدونهم للتي هي أقوم في ظل التسديد الإلهي الذي شملهم به الباري تبارك وتعالى، وهذا -قطعا- ليس مختصا بالخضر، بل هو عام وشامل، فالله تعالى يؤيد الأولياء والأئمة ويسددهم سواء كانوا ظاهرين أم مستترين.

6- إن هؤلاء الأولياء الإلهيين قد يقومون بأعمال إصلاحية كبيرة، ولكن سائر الناس يجهلون تلك الأعمال ولا يعرفون عنها شيئاً، أو يطلعون عليها ولكنهم يعجزون عن فهمها وعن معرفة المنافع المترتبة عليها، بل قد يعدونها من الأعمال المستنكرة، وقد رأينا الخضر يخرق سفينة، ويقتل غلاماً، وهذا في ظاهره من الأعمال القبيحة التي استنكرها حتى نبي الله موسى رغم علمه أنها صادرة من عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده وعلّمه من لدنه علما، ولذا قال للخضر حين خرق السفينة كما في الآية 71 من سورة الكهف: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}، وقال له بعد قتله الغلام كما في الآية 74 من السورة نفسها: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}

والخلاصة التي نريد الوصول إليها من هذا العرض، هي أن خفاء عنوان الشخص وعدم معرفة الناس له لا يعيقه عن القيام بدوره في الحياة، بل على العكس من ذلك، فقد يجعله ذلك متمكناً من القيام بدوره أكثر مما لو كان معروفاً عند الآخرين.

ألا ترى رجال الأمن والشرطة إذا أرادوا انجاز المهمات الكبيرة أو القبض على العصابات الخطيرة كيف يتنكرون ويظهرون للناس في غير شخصياتهم الحقيقية حتى يظنهم الناس من العامة، فيكون هذا التنكر وعدم معرفة الآخرين لشخصياتهم هو خير وسيلة لهم تمكنهم من متابعة الأحداث ومراقبة الأمور إلى أن ينجزوا مهماتهم بنجاح باهر، مما يدل على أن تنكر هؤلاء الأشخاص وخفاء شخصياتهم الحقيقية على الآخرين، ليس فقط لم يعقهم عن أداء رسالتهم والقيام بواجبهم، بل كان هو خير معين لهم على ذلك.

وهكذا الحال بالنسبة للإمام المهدي فإن غيبته ليس فقط لن تمنعه عن أداء رسالته، بل هي خير معين له على ذلك، فلو كان ظاهراً للناس معروفاً بينهم لأصبح مهدداً بالقتل، مطارداً من قبل الطغاة والمجرمين، مما يضطره إلى الفرار منهم، والاختفاء عنهم في الملاجئ، وحينها لن يتمكن من القيام بأي دور في الحياة، ولكن غيبته المباركة منحته الأمن والطمأنينة، ومكنته من القيام بأعماله الإصلاحية على أكمل وجه، فكم له عليه السلام وهو في غيبته من مساعدة محتاج، وإرشاد ضال، وتفريج هم، وكشف كرب، ومعالجة مريض، وحل مشاكل، وتعليم عالم مسألة يجهل حلها... إلى ما هنالك من أمور وقضايا وقفنا على بعضها، وربما ما خفي عنا منها أكثر وأكبر وأعظم.

إشارة إلى بعض ما قام به الإمام المهدي وهو في غيبته:

وفي حال عدنا إلى الإمام المهدي فمن خلال ما قدمناه يتضح لنا إن غيبته ليست فقط لن تمنعه عن أداء رسالته، والقيام بوظيفته، بل هي خير معين له على ذلك، فلو كان ظاهراً للناس معروفاً بينهم لأصبح مهدداً بالقتل، مطارداً من قبل الطغاة والمجرمين، مما يضطره إلى الفرار منهم، والاختفاء عنهم في الملاجئ، وحينها لن يتمكن من القيام بأي دور في الحياة، ولكن غيبته المباركة منحته الأمن والطمأنينة، ومكنته من القيام بأعماله الإصلاحية على أكمل وجه، فكم له عليه السلام وهو في غيبته من مساعدة محتاج، وإرشاد ضال، وتفريج هم، وكشف كرب، ومعالجة مريض، وحل مشاكل، وتعليم عالم مسألة يجهل حلها... إلى ما هنالك من أمور وقضايا وقفنا على بعضها، وربما ما خفي عنا منها أكثر وأكبر وأعظم.

والاستطراد في سرد ما وقفنا عليه من حوادث متنوعة تدخل فيها الإمام المهدي كثيرة جدا، لكننا نعرض عن نقلها حتى لا نطيل أكثر مما أطلنا، ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى المصادر التي تتناول هذا الموضوع.

ومن المهم أن نشير إلى هذه الحوادث إن لم تكن في آحادها متواترة، فإنها بمجموعها تفيد التواتر، المفيدة للعلم والقطع، وقد قال لطف الله الصافي في ص411 من كتابه (منتخب الأثر) بعد نقله بعضا من هذه الحوادث والقضايا الكثيرة: (وقد ذكر في البحار حكايات كثيرة جداً في ذلك، وهكذا ذكر المحدث النوري في دار السلام، وجنة المأوى، والنجم الثاقب، والفاضل الميثمي العراقي في دار السلام، وغيرهم من المحدثين والعلماء معجزات كثيرة تتجاوز عن حد التواتر قطعاً، وإسناد كثير منها في غاية الصحة والمتانة، رواها الزهاد الأتقياء من العلماء، هذا مع ما نرى في كل يوم وليلة من بركات وجوده، وثمرات التوسل والاستشفاع به مما جربناه مراراً، جعلنا الله من أنصاره وشيعته، والمجاهدين بين يديه، بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين)

جهلنا بكيفية قيامه بوظيفته ليس حجة:

وكما رأينا فإن الأدلة والشواهد تؤكد أن غيبة الإمام المهدي لا تمنعه عن القيام بوظيفته، ومع ذلك فحتى لو سلمنا أننا نجهل كيفية قيامه بتلك الوظيفة فالجهل ليس حجة لنحتج به.

وعليه فإذا ثبتت عندنا ولادة الإمام المهدي وغيبته، وجب علينا الاعتقاد بذلك، ولا يجب أن نعلم كيفية قيامه بوظيفته وهو في غيبته، ولا ما يترتب على هذه الغيبة من منافع ومصالح، ويكفينا أن نعلم أن ذلك من فعل الحكيم المنزهة أفعاله سبحانه عن العبث، والمعللة بالغايات والمصالح.

وهذا هو عين ما أجاب به الإمام الصادق عبد الله بن الفضل الهاشمي حين سأله عن حكمة غيبة الإمام المهدي، فقد كان مما قال له في جوابه كما في الجزء الثاني ص471 من الاحتجاج: (يا بن الفضل، هذا الأمر أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم، صدّقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا)

والإمام المهدي نفسه يبين لنا أن العلم بحكمة غيبته أو كيفية قيامه بوظيفته ليس واجباً علينا، وينصحنا بعدم السؤال عما لا يعنينا، ويبين لنا أن ما يجب علينا هو الدعاء له بتعجيل الفرج فيقول لمن سأل عن حكمة غيبته كما في الجزء الثاني ص471 من الاحتجاج: (أغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن في ذلك فرجكم)

ومع هذا فهو عليه السلام يبين لنا أنه -وإن كان في غيبته- إلاّ انه ليس غائباً عنا، وانه يرعانا، ويعمل من أجل صالحنا، ولولا ذلك وإلا لهلكنا، فيقول كما في الجزء الثاني ص497-498 من الاحتجاج: (نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء -أي الشدة والضيق- واصطلمكم -أي استأصلكم- الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم -أي على إنقاذكم- من فتنة قد أنافت -أي طالت وارتفعت- عليكم، يهلك فيها من حمّ -أي قرب- أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف -أي قرب- حركتنا، ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون)

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.