هل الإمام المهدي والغيبة من مخترعات الشيعة؟!
يزعمُ خصومُ الإماميّةِ أنَّ إمامةَ الثاني عشر منَ الأئمّةِ (ع) وغيبتَه تمَّ اختراعُها بعدَ حيرةِ الشيعة، كيفَ يمكنُ الردُّ على ذلك؟
الجواب :
هذا كلامٌ مغرضٌ أو جاهلٌ بالتشيّع، فإمامةُ الإمامِ الثاني عشر (ع) وغيبتُه جاءَت بنصوصٍ كثيرةٍ تبلغُ المئات، وقد يزعمُ صاحبُ هذا الإشكالِ أنَّ هذه النصوصَ مخترعةٌ وموضوعةٌ، لكنَّ هذا الكلامَ فيه تجنٍّ واضحٌ وردُّه بما يلي :
ــ إنَّ هذه النصوصَ كانَت مُثبتةً في كتبِ أصحابِ الأئمّةِ (ع) وتلاميذِهم، ونقلَها مُحدّثو الإماميّةِ إلى موسوعاتِهم الكبيرة، وقد أكّدَ ذلكَ أعلامُ الإماميّةِ كالشيخِ المُفيدِ والصّدوقِ والطبرسي.
قالَ الشيخُ الصّدوق (ت 381 هـ) : ( وذلكَ أنَّ الأئمّةَ عليهم السلام قد أخبروا بغيبتِه عليه السلام ووصفوا كونَها لشيعتِهم فيما نُقلَ عنهم واستحفظَ في الصّحفِ ودوّنَ في الكتبِ المؤلّفةِ مِن قبلِ أن تقعَ الغيبةِ بمائتي سنةٍ أو أقلَّ أو أكثر ، فليسَ أحدٌ مِن أتباعِ الأئمّةِ عليهم السلام إلّا وقد ذكرَ ذلكَ في كثيرٍ مِن كتبِه ورواياتِه ودوّنَه في مُصنّفاتِه وهيَ الكتبُ التي تُعرفُ بالأصولِ مدوّنةٌ مُستحفظةٌ عندَ شيعةِ آلِ محمّدٍ عليهم السلام مِن قبلِ الغيبةِ بما ذكَرنا منَ السنين، وقد أخرجتُ ما حضرَني منَ الأخبارِ المُسندةِ في الغيبة ِفي هذا الكتابِ في مواضعِها ... ) كمالُ الدينِ وتمامُ النعمة ، ص 19
وقالَ الشيخُ المُفيد: ( فقد كانَت الأخبارُ عمَّن تقدّمَ مِن أئمّةِ آلِ مُحمّد عليهم السلام مُتناصرةً : بأنّه لا بدَّ للقائمِ المُنتظرِ مِن غَيبتين ، إحداهُما أطولُ منَ الأخرى ، يعرفُ خبرُه الخاصُّ في القُصرى ولا يعرفُ العامُّ لهُ مُستقرّاً في الطول ، إلّا مَن تولّى خدمتَه مِن ثقاتِ أوليائِه ، ولم ينقطِع عنهُ إلى الاشتغالِ بغيرِه . والأخبارُ بذلكَ موجودةٌ في مُصنّفاتِ الشيعةِ الإماميّةِ قبلَ مولدِ أبي محمّدٍ وأبيهِ وجدِّه عليهم السلام ، وظهرَ حقُّها عندَ مُضيّ الوكلاءِ والسّفراءِ الذينَ سمّيناهُم رحمَهم الله ، وبانَ صدقُ رواتِها بالغيبةِ الطولى ، فكانَ ذلكَ منَ الآياتِ الباهراتِ في صحّةِ ما ذهبَت إليهِ الإماميّةُ ودانَت به في معناه ) الفصولُ العشرة ، ص 82 - 83 .
وقالَ الشيخُ الطبرسي: ( ومِن جُملةِ ثقاتِ المُحدّثينَ والمُصنّفين منَ الشيعة : الحسنُ بنُ محبوبَ الزرّاد ، وقد صنّفَ كتابَ المشيخةِ الذي هو في أصولِ الشيعةِ أشهرُ مِن كتابِ المُزني وأمثالِه قبلَ زمانِ الغيبةِ بأكثرَ مِن مائةِ سنة ، فذكرَ فيه بعضَ ما أوردناهُ مِن أخبارِ الغيبة ، فوافقَ الخبرُ الخبرَ ، وحصلَ كلُّ ما تضمّنَه الخبرُ بلا اختلافٍ . ومِن جُملةِ ذلكَ : ما رواهُ عن إبراهيمَ الخارقي ، عن أبي بصيرٍ ، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ : قلتُ له : كانَ أبو جعفرٍ عليهِ السلام يقولُ : " لقائمِ آلِ محمّدٍ عليهِ السلام غيبتانِ واحدةٌ طويلةٌ والأخرى قصيرة " . قالَ : فقالَ لي : " نعم يا أبا بصير ، إحداهُما أطولُ منَ الأخرى ، ثمَّ لا يكونُ ذلك - يعني ظهورَه - حتّى يختلفَ ولدُ فلان ، وتضيقُ الحلقة ، ويظهرُ السّفياني ، ويشتدُّ البلاء ، ويشملُ الناسَ موتٌ وقتل ، ويلجأونَ منهُ إلى حرمِ الله تعالى وحرمِ رسولِه صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) أعلامُ الورى ج 2 - ص58ـــــ259 .
ــ إنَّ غيبةَ الإمامِ الثاني عشر وخفاءَ أمرِه وحيرةَ الناس ، كلُّ هذهِ الأمور مذكورةٌ في الرواياتِ قبلَ الغيبةِ الصّغرى، قبلَ أن تتشكّلَ المجاميعُ الحديثيّةُ الكبيرةُ كالكافي وكتبِ الشيخِ الصّدوق والشيخِ الطوسي ...
فلا يمكنُ لصاحبِ الشبهةِ والحالُ هذا أن يُكرّرَ مزاعمَه باختراعِ النّصوص.
وممّن ذكرَ تقدّمَ الأخبارِ حولَ الغيبةِ والحيرةِ وخفاءِ أمرِ الإمام : سعدُ بنُ عبدِ الله الأشعريّ وأبو سهلٍ النوبختي وابنُ قبّة، وكلُّ هؤلاءِ عاشوا في القرنِ الثالثِ الهجري قبلَ ظهورِ كتبِ الحديثِ الكبيرةِ المعروفةِ حاليّاً، وأشاروا لكتبٍ سالفةٍ وطالبوا الآخرينَ بالرّجوعِ إليها للتحقّقِ مِن صحّةِ ما تقولهُ الإماميّة.
قالَ سعدُ بنُ عبدِ الله الأشعري (ت 301 هـ) : (
وقد رويَت الأخبارُ الكثيرةُ الصحيحةُ : أنَّ القائمَ تخفى على الناسِ ولادتُه ويخملُ ذكرُه ، ولا يُعرفُ اسمُه ولا يُعلمُ مكانُه حتّى يظهرَ ويؤتمَّ به قبلَ قيامِه . ولا بدَّ معَ هذا الذي ذكرناهُ ووصفنا استتارَه وخفاءَه مِن أن يعلمَ أمرَه ثقاتهُ وثقاتُ أبيه) كتابُ المقالاتِ والفِرق، أبي خلفٍ سعدٍ الأشعريّ القمّي، ص ١٣٩.
وقالَ الشيخُ أبو سهلٍ النّوبختيّ (ت 311 هـ ) في كتابِه التنبيهِ، وعنهُ نقلَ الشيخُ الصّدوق : ( فصحَّ لنا ثباتُ عينِ الإمام بما ذكرتُ منَ الدّليل، وبما وصفتُ عن أصحابِ الحسنِ عليهِ السلام ورجالِه ونقلِهم خبرَه، وصحّةِ غيبتِه بالأخبارِ المشهورةِ في غيبةِ الإمامِ عليهِ السلام وأنَّ له غيبتينِ إحداهُما أشدُّ منَ الأخرى..... فالتصديقُ بالأخبارِ يوجبُ اعتقادَ إمامةِ ابنِ الحسن عليهِ السلام على ما شرحتُ وأنّه قد غابَ كما جاءَت الأخبارُ في الغيبةِ فإنّها جاءَت مشهورةً متواترةً وكانَت الشيعةُ تتوقّعُها وتترجّاها كما ترجونَ بعدَ هذا مِن قيامِ القائمِ عليهِ السلام بالحقِّ وإظهارِ العدل. ونسألُ اللهَ عزَّ وجل توفيقاً وصبراً جميلاً برحمته ). كمالُ الدينِ وتمامُ النّعمة - للشيخِ الصّدوق الصفحة 121-122.
وقالَ ابنُ قبة ( توفّيَ قبلَ سنة 317هـ) في أحدِ كُتبِه وهوَ يردُّ على أحدِ المُخالفين : (وأمّا قولهُ : " إنّهم ادّعوا للحسنِ ولداً " فالقومُ لم يدّعوا ذلكَ إلّا بعدَ أن نقلَ إليهم أسلافُهم حالَه وغيبتَه وصورةَ أمرهِ واختلافَ الناسِ فيه عندَ حدوثِ ما يحدث ، وهذهِ كتبُهم فمَن شاءَ أن ينظرَ فيها فلينظر ...
ثمَّ ما زالَت الأخبارُ تردُ بنصٍّ واحدٍ على آخر حتّى بلغَ الحسنَ بنَ عليّ عليهما السلام فلمّا ماتَ ولم يظهَر النصُّ والخلفُ بعدَه رجَعنا إلى الكتبِ التي كانَ أسلافنا رووها قبلَ الغيبة فوجَدنا فيها ما يدلُّ على أمرِ الخلفِ مِن بعدِ الحسنِ عليهِ السلام وأنّه يغيبُ عن الناسِ ويخفى شخصُه ، وأنَّ الشيعةَ تختلفُ وأنَّ الناسَ يقعونَ في حيرةٍ مِن أمرِه ، فعلِمنا أنَّ أسلافَنا لم يعلموا الغيبَ وأنَّ الأئمّةَ أعلموهم ذلكَ بخبرِ الرّسول ، فصحَّ عندَنا مِن هذا الوجهِ بهذهِ الدلالةِ كونُه ووجودُه وغيبتُه )
فهؤلاءِ ثلاثةٌ مِن أعلامِ الإماميّةِ عاشوا قبلَ ظهورِ المجاميعِ الحديثيّةِ المعروفةِ اليوم كالكافي وكتبِ الصّدوقِ والطوسي قد نصّوا على روايةِ سلفِ الإماميّةِ لأخبارِ الغيبةِ والحيرةِ وخفاءِ أمرِ الإمام (ع) .
ــ إنَّ التصنيفَ حولَ غيبةِ الإمامِ الثاني عشر (ع) كانَ شائعاً بينَ أصحابِ الأئمّة (ع)، يلحظُ هذا كلُّ مَن راجعَ فهرستي النجاشيّ والطوسي، وهذا يدلُّ على قدمِ أخبارِ غيبةِ الإمامِ معرفةُ الشيعةِ ذلك.
بل وردَ ذلكَ أيضاً في كلامِ الشعراءِ كشعرِ السيّدِ الحِميري الذي عاشَ في القرنِ الثاني الهجري، فمِن شعرِه بعدَ أن التقى بالإمامِ الصّادق (ع) وتابَ على يديه منَ الكيسانيّة :
وأشهدُ ربّي أنَّ قولَكَ حُجّةٌ ... على الخلقِ طرّاً مِن مُطيعٍ ومذنب
بأنَّ وليَّ الأمرِ والقائمَ الذي... تطّلعُ نفسي نحوَهُ يتطرّب
لهُ غيبةٌ لا بدَّ مِن أن يغيبَها ... فصلّى عليهِ الله مِن مُتغيّب
فيمكثُ حيناً ثمَّ يظهرُ حينَه ... فيملأ عدلاً كلَّ شرقٍ ومغرب
بذاكَ أدينُ اللهَ سرّاً وجهرةً ... ولستُ وإن عوتبتُ فيهِ بمُعتب .
ومِن مُصنّفاتِ أصحابِ الأئمّةِ (ع) في الغيبة :
ــ إبراهيمُ بنُ صالح الأنماطي، ثقةٌ له كتابُ الغيبة . كانَ مُعاصراً للإمامِ الباقرِ ع ( ت 114هـ ).
هذا يعني أنّه ألّفَ كتابَه هذا في أواخرِ القرنِ الهجريّ الأوّلِ أو خلالَ النصفِ الأوّلِ منَ القرنِ الهجريّ الثاني . فكيفَ علمَ هذا الرّاوي بأمرِ الغيبةِ في ذاكَ الوقت ؟!
ـــ إبراهيمُ بنُ اسحقَ الأحمريّ النهاوندي، له كتابُ الغيبةِ ، وهوَ معاصرٌ للإمامِ الهاديّ والعسكريّ (ع)، لكونِه مِن شيوخِ محمّدِ بنِ الحسنِ الصفّار الذي توفّيَ سنةَ 290هـ .
ـــ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ سماعة (ت 263 هـ) مِن أصحابِ الإمامِ الكاظمِ (ع)، له كتابُ الغيبة. واقفيّ المذهب.
وذكرُه وذكرُ أمثالِه لا يضر، فالقصدُ هوَ بيانُ تقدّمِ أخبارِ الغيبةِ والتصنيفِ حولها ، وإن أخطأ البعضُ في تعيينِ المصداقِ لأسبابَ خارجةٍ عن موضوعِ المقال.
ـ عمرُ بنُ رباح بنِ قيسِ بنِ سالم، مِن أصحابِ الصّادقِ (ع)، له كتابُ الغيبة. واقفيُّ المذهب.
ـ العبّاسُ بنُ هشام أبو الفضلِ الناشريّ، معاصرٌ للأئمّةِ الكاظمِ والرّضا والجواد (ع)، توفّيَ سنةَ 220هـ . له كتابُ الغيبة .
يتبيّنُ بعدَ هذا العرضِ اشتباهُ صاحبِ الشّبهةِ، وأنَّ الغيبةَ وملابساتِها قد ذكرَها الأئمّةُ (ع) ودوّنَها أصحابُهم في مؤلّفاتِهم قبلَ ابتداءِ الغيبةِ الصّغرى .
اترك تعليق