لماذا نصدّق اليوم بالأنبياء ونحن لم نشهد معاجزهم؟

فرضاً جاءَ الأنبياءُ بمُعجزاتٍ ليُثبتوا النبوّةَ لأقوامِهم، فما علاقةُ 7 مليار شخصٍ الآن بتلكَ المُعجزات؟ هل إثباتُ النبوّةِ يقتصرُ فقَط على أولئكَ البدو أمّا نحنُ فلا نحتاجُ إثباتاً؟!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

المُعجزاتُ التي أجراها اللهُ على أيدي أنبيائِه ليسَت مُجرّدَ فرضٍ نُسلّمُ به على نحوِ المُخاصمةِ والجدال، وإنّما هيَ حقيقةٌ ما زِلنا نعيشُ تفاصيلَها مِن خلالِ ما جاءَ في القرآن، كما أنَّ القرآنَ بنفسِه يُمثّلُ المُعجزةَ الخاتمةَ التي ما زالَت حاضرةً.

إلّا أنَّ السائلَ كما يبدو لم يكُن في مقامِ التشكيكِ في المعاجزِ التي حدثَت في التاريخ، وإنّما في مقامِ التشكيكِ في النبوّةِ منَ الأساس، أو على الأقل في حقِّ مَن لم يكُن مُعاصراً للأنبياء، حيثُ ربطَ السائلُ بينَ حصولِ المُعجزة والوقوفِ عليها وبينَ إثباتِ نبوّةِ النبيّ، وبما أنَّ الإنسانَ المُعاصرَ لم يكُن شاهداً على ذلكَ فحينَها لا يكونُ معنيّاً بالأنبياء.

وممّا لا شكَّ فيه أنَّ ذلكَ يُمثّلُ فهماً خاطِئاً للنبوّةِ وللمُعجزة معاً.

فإذا كانَ منَ الضروري أن يكونَ لهذا الكونِ خالقٌ فمنَ الضروريّ أيضاً أن يكونَ لذلكَ الخالقِ رسولٌ ونبي؛ وذلكَ لأنَّ النبوّةَ والرسالةَ في أصلِ معناها ليسَت إلّا تعبيراً عن الصّلةِ بينَ الخالقِ والمخلوق.

وعليهِ فإنَّ المسارَ الطبيعيّ للبحثِ عن النبوّةِ يبدأ بالبحثِ عن اللهِ تعالى، والإنسانُ العاقلُ لا يستغني عن ذلكَ في أيّ مكانٍ أو في أيّ زمان.

وقد بيّنَ الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السلام) هذهِ الحقيقةَ عندَما سألَهُ السائلُ بقولِه: (فمِن أينَ أثبتَّ أنبياء ورسلاً؟ قالَ أبو عبدِ الله عليهِ السلام: إنّا لمّا أثبَتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً مُتعالياً عنّا وعن جميعِ ما خلقَ وكانَ ذلكَ الصّانعُ حكيماً لم يجُز أن يشاهدَهُ خلقُه ولا يلامسَهم ولا يلامسوهُ ولا يباشرَهم ولا يباشروهُ ولا يحاجّهم ولا يحاجّوه، فثبتَ أنَّ له سفراءَ في خلقِه وعبادِه يدلّونَهم على مصالحِهم ومنافعِهم وما بهِ بقاؤهم وفي تركِه فناؤهم، فثبتَ الآمرونَ والنّاهونَ عن الحكيمِ العليم في خلقِه وثبتَ عندَ ذلكَ أنَّ له مُعبّرينَ وهُم الأنبياءُ وصفوتُه مِن خلقِه حُكماءُ مؤدّبينَ بالحكمةِ مبعوثينَ بها غيرَ مُشاركينَ للنّاسِ في أحوالِهم على مُشاركتِهم لهم في الخلقِ والتركيب، مؤيّدينَ مِن عندِ اللهِ الحكيمِ العليم بالحِكمةِ والدّلائلِ والبراهينِ والشواهدِ مِن إحياءِ الموتى وإبراءِ الأكمهِ والأبرص، فلا تخلو أرضُ اللهِ مِن حُجّةٍ يكونُ معَهُ علمٌ يدلُّ على صدقِ مقالِ الرّسولِ ووجوبِ عدالتِه).

فالإنسانُ بوصفِه عاقلاً لابدَّ أن يبحثَ عمَّن يُبلّغُه رسالةَ الخالق، وبحكمِ ذلكَ العقلِ أيضاً يصبحُ الإنسانُ هو المسؤولُ عن التمييزِ بينَ النبيّ الصّادقِ والنبيّ الكاذب، فإن كانَ صادقاً على اللهِ فالعقلُ يصدّقُه وإن كانَ كاذباً فإنَّ العقلَ يُكذّبُه، وهذا ما أشارَ إليهِ الإمامُ الصّادق (عليهِ السلام) بقولِه: (فلا تخلو أرضُ اللهِ مِن حُجّةٍ يكونُ معَه علمٌ يدلُّ على صدقِ مقالِ الرّسولِ ووجوبِ عدالتِه).

وقد شهدَ التاريخُ بوجودِ أنبياء كاذبينَ لم يُكتَب لمشروعِهم النجاح، وفي المقابلِ هناكَ أنبياء صدّقَهم العقلاءُ وآمنوا بهم وما زالَت حُجّتُهم قائمةً إلى يومِنا هذا، قالَ تعالى: (قُل هَل مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهدِي إِلَى الحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهدِي لِلحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهدَىٰ ۖ فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ)

ولو سلّمَ البشرُ لمنطقِ العقلِ والبُرهان وابتعدوا عن الأهواءِ والشهواتِ لما كانَت هناكَ حاجةٌ للمُعجزاتِ منَ الأساس، قالَ تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، وقالَ تعالى: (وَمَا لَنَا لَا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ القَومِ الصَّالِحِينَ).

فتصديقُ الأنبياءِ لا يتوقّفُ على جريانِ المعاجزِ على أيديهم، وإنّما مضمونُ الرّسالةِ التي يحملونَها هيَ الشاهدُ على صدقِ نبوّتِهم.

فالمُعجزاتُ بمثابةِ الصّدماتِ التي تهزُّ النفوسَ المُستكبرةَ والقلوبَ الجاحدة، ولذا نجدُ أنَّ اللهَ خصَّ بها المُستكبرينَ الذينَ رفضوا الاستماعَ إلى منطقِ الحق.

فالمعاجزُ تأتي كآخرِ الأدلّةِ إكمالاً للحُجّةِ وحرصاً على الهداية، ومعَ ذلكَ فقد لا تنفعُ تلكَ المعاجزُ النفوسَ الرّافضةَ للحقِّ والغارقةَ في الأهواءِ والشهواتِ.

فمعَ أنَّ معاجزَ الأنبياءِ كانَت دليلاً صارِخاً على صدقِهم إلّا أنّها لم تُغيّر كثيراً في مواقفِ المُكذّبين، فمَن كانَ هواهُ معَ تكذيبِ الرّسلِ لا يفيدُه منطقُ الحقِّ ولا منطقُ الإعجاز.

وعليهِ ليسَ بالضرورةِ أن يكونَ مشاهدةُ المعاجزِ وحضورُها موجباً لتصديقِ الأنبياء، فكم منَ الأممِ التي كانَت شاهدةً على معاجزِ الأنبياء ولم تؤمِن، وكم منَ الأممِ التي لم تشهَد ذلكَ آمنَت بهم.

وما زالَت دعوةُ الأنبياءِ في حالةٍ منَ الانتشارِ والتوسّعِ إلى أن يعمَّ نورُها جميعَ البشر، وقد تجاوزَ اليوم عددُ المؤمنينَ بالأنبياءِ نصفَ سُكّانِ العالم وما زالوا في ازديادٍ مُتلاحقٍ وبعدَ ذلكَ يأتي مَن يطالبُ بمُعجزاتٍ لمَن يعيشُ في هذا الزّمان.