ما الحكمة من مرض الاطفال وخاصة الامراض الفتاكة و المؤلمة عليهم و ان كان بسبب تصرفات خاطئة من ذويهم فما ذنبهم؟ و اين رحمة الله و لطفه من ذلك ؟

سؤال : من المؤكد معرفتنا برحمة الله و عطفه وكل ما يصيبنا من بلاء هو اختبار و امتحان لنا لكن ما لم اجد له جوابا ان البالغين يواجهون الفقر او المرض كاختبار لقوة ايمانهم لكن ماذا عن مرض الاطفال وخاصة الامراض الفتاكة و المؤلمة على الكبار ناهيك عن الاطفال! ما الحكمة من ذلك ؟ و ان كان بسبب تصرفات خاطئة من ذويهم فما ذنبهم؟ و اين رحمة الله و لطفه من ذلك ؟ و شكرا ( للعلم لست ملحدا او مشكك لك ابحث عن اجابات واقعية اواجه بها المشككين) وبالنهاية اشكركم على هذه الصفحة القيمة جدا و اتمنى ان تقدم مستقبلا محتوى يحاكي فكر الشباب بعيدا عن تعقيدات اللغة العربية الصعبة عليهم للاسف

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله ممّا لا شكَّ فيه أنَّ الكونَ بكلِّ ما فيهِ خلقُ اللهِ تعالى وتحتَ قبضتِه وتصرّفِه، ومنَ الطّبيعيّ أن يعتقدَ المؤمنُ بأنَّ كلَّ ما يقعُ في الحياةِ مِن أحداثٍ هوَ بأمرِ اللهِ ومشيئتِه، ويبدو أنَّ هذا الإعتقادَ هوَ الذي حرّكَ السّائلَ لفهمِ بعضِ الحوادثِ التي تتعارضُ معَ رحمةِ اللهِ وعدالتِه، مثلَ قولِه: كيفَ يصيبُ اللهُ الطّفلَ البريءَ بالمرضِ وهوَ لَم يصِل إلى سنِّ التّكليفِ والإمتحانِ؟ إلّا أنَّ مثلَ هذا السّؤالِ يرتكزُ على فهمٍ لا يخلو مِن تشويشٍ فيما يخصُّ عقيدةَ القدرِ والقضاءِ، ومنَ الطّبيعيّ أن يحدُثَ مثلُ هذا التّشويشِ لأنَّ فهمَ هذهِ العقيدةِ ليسَ بالأمرِ المُتيسّرِ للعقلِ البشريّ، ومِن هُنا منعَت الرّواياتُ منَ الخوضِ فيه، ويبدو أنَّ المنعَ ليسَ منعاً تشريعيّاً وإنّما إرشادُ العقلِ البشريّ إلى إستحالةِ ذلكَ، فالسّننُ الحاكمةُ على هذا الوجودِ وما فيها مِن تداخُلٍ وتشابُكٍ تفوقُ قدرةَ العقلِ على مُجرّدِ إدراكِ تصوّرٍ عامٍّ لها، ناهيكَ عنِ الإحاطةِ التّفصيليّةِ بها، قالَ تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لَا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَلَا رَطبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) فأينَ هذا العقلَ البشريّ الذي يمكنُه الإحاطةُ عِلماً بكلِّ هذهِ الأمورِ وكيفَ يعلمُ ما يربطُ بينَها وما ينتجُ عنها؟ فكلُّ ما هوَ مقدورٌ بالنّسبةِ للإنسانِ هوَ التّعاملُ معَ الأسبابِ الطّبيعيّةِ الظّاهرةِ أمامَه، ومعَ ذلكَ ما زالَت الكثيرُ منَ السّننِ الطّبيعيّةِ غائبةً عنهُ، ومِن هُنا ما زالَ الإنسانُ يعملُ بجُهدٍ كبيرٍ في شتّى العلومِ للتّعرّفِ على قوانينِ السّببيّةِ في الفيزياءِ والكيمياءِ والأحياءِ وغيرِ ذلكَ، معَ تسليمِه بالعجزِ الكاملِ فيما يتعلّقُ بالأسبابِ والمُسبّباتِ غيرِ الطّبيعيّةِ التي يقفُ الإنسانُ أمامَها باندهاشٍ مِن غيرِ أن يفهمَ كيفيّةَ وقوعِها، قالَ تعالى: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِّن عِلمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ) وعندَما يدعو الإسلامُ إلى ضرورةِ الإيمانِ والتّسليمِ بالقدرِ والقضاءِ إنّما يدعو في حقيقةِ الأمرِ إلى ضرورةِ أن يثقَ الإنسانُ في اللهِ الحكيمِ العليمِ القديرِ الرّحيمِ وهكذا الثّقةُ بجميعِ ما للهِ مِن أسماءٍ قالَ تعالى: (هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ ۖ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ۖ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ).

وإذا إتّضحَت هذهِ المُقدّمةُ لابُدَّ منَ القولِ أنَّ ما يتعلّقُ بالإنسانِ مِن تقديراتٍ في هذهِ الحياةِ ليسَت خاضعةً فقَط لإرادةِ اللهِ ومشيئتِه وإنّما لإرادةِ الإنسانِ دورٌ فيها، ومِن هُنا يحدثُ التّداخلُ والتّشويشُ في رؤيةِ الإنسانِ، إذ كيفَ يُؤمنُ بأنَّ إرادةَ اللهِ هيَ المُهيمنةُ وفي نفسِ الوقتِ يكونُ لإرادةِ الإنسانِ دخلٌ في تحديدِ قدرِه ومصيرِه؟ ولا نريدُ في الإجابةِ عَن هذا السّؤالِ الدّخولَ في بحثِ الجبرِ والإختيارِ، وإنّما نريدُ الإشارةَ إلى ضرورةِ الإيمانِ بمسؤوليّةِ الإنسانِ عَن كُلِّ ما يحدثُ في حياتِه، وقَد أشارَ القرآنُ لهذهِ المسؤوليّةِ في قولِه تعالى: (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) حيثُ تُحمّلُ هذهِ الآيةُ الإنسانَ مسؤوليّةَ كلِّ ما يُصيبُه مِن مظالمَ أو جهلٍ، وليسَ بالضّرورةِ أن تدخُلَ إرادةُ اللهِ في كُلِّ صغيرةٍ أو كبيرةٍ لتُنقذَ الإنسانَ مِن جهالاتِه، فالعدالةُ تقتضي أن تتحمّلَ البشريّةُ مسؤوليّتَها وفي كلِّ الحقبِ التّاريخيّةِ، وليسَ للهِ قرابةٌ أو حبوةٌ لجماعةٍ دونَ جماعةٍ ولزمنٍ دونَ زمنٍ، وإنّما الجميعُ خاضعٌ لنظامِ الخلقةِ القائمِ على تساوي الفرصِ وإن تعدّدَت الأدوارُ، فقَد سخّرَ اللهُ الوجودَ بكُلِّ سُننِه وقوانينِه مِن أجلِ خدمةِ الإنسانِ ولتوفيرِ حياةٍ سعيدةٍ له، وعبثُ الإنسانِ في هذا النّظامِ أو إستخدامُه بشكلٍ غيرِ سليمٍ سوفَ يُؤدّي إلى نتائجَ كارثيّةٍ على حياةِ الإنسانِ، وحينَها ليسَ مِن حقِّه أن يلومَ اللهَ في عدمِ تدخُّلِه بحُجّةِ كونِه رحيماً أو عادلاً؛ لأنَّ رحمةَ اللهِ وعدلَه قَد سبقَت، إلّا أنَّ الإنسانَ هوَ الذي أفسدَ، ولِذا نجدُ القرآنَ قَد نبّهَ في أكثرِ آياتِه على أنَّ الإنسانَ هوَ الذي يُفسدُ الأرضَ، قالَ تعالى: (الَّذِينَ يُفسِدُونَ فِي الأَرضِ وَلَا يُصلِحُونَ) وقالَ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم لَا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ) وقالَ: (أَلَا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَٰكِن لَا يَشعُرُونَ) وقالَ: (وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ) وقالَ: (وَلَا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدِينَ) وقالَ: (لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ) وقالَ: (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا) وغيرِ ذلكَ منَ الآياتِ التي تؤكّدُ أنَّ كلَّ فسادٍ في الأرضِ هوَ مسؤوليّةُ الإنسانِ ولا يمكنُ نسبتُه للهِ تعالى لأنَّ اللهَ لا يحبُّ المُفسدينَ، قالَ تعالى: (وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ المُفسِدِينَ)، والفسادُ هوَ كلُّ ظلمٍ وانحرافٍ سواءٌ كانَ في تخريبِ النّظامِ الطّبيعيّ للأرضِ أو تخريبِ النّظمِ الإجتماعيّةِ، وما يصيبُ الأطفالَ مِن أمراضٍ وما تتعرّضُ لهُ البشريّةُ مِن مآسٍ هوَ نتاجٌ طبيعيٌّ للفسادِ في الأرضِ، وإلّا لو إستقامَت البشريّةُ على ما أرادَ اللهُ لها لما حصلَ كلُّ ذلكَ ولفتحَت الأرضُ كنوزَها وأنزلَت السّماءُ خيراتِها وأكلنا مِن فوقِنا ومِن تحتِنا، قالَ تعالى: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ) فالرّحمةُ لها مُقتضى ولها موانعُ والإنسانُ هوَ الذي يحبسُ عَن نفسِه رحمةَ اللهِ بما كسبَت يداهُ، صحيحٌ أنَّ الطّفلَ يتألّمُ ولكِن لهذا الألمِ سببٌ واللهُ لا يبطلُ سُنّةَ السّببيّةِ، فمَن يتعمّدُ إحراقَ طفلٍ رضيعٍ بالنّارِ فإنَّ اللهَ لا يمنعُ النّارَ منَ الإحراقِ، حتّى لَو لَم يكُن للطّفلِ ذنبٌ في هذا الأمرِ، وكذلكَ إذا أطعمَت الأمُّ ولدَها مِن غيرِ قصدٍ غذاءً فاسداً فعدمُ علمِها أو عدمُ ذنبِ الطّفلِ لا يمنعُ مِن تضرُّرِه مِن هذا الغذاءِ، وعلى هذا الأساسِ على الإنسانِ السّعيُ لتعديلِ مسارِه لتلافي كلِّ الأضرارِ النّاتجةِ عَن سوءِ تصرُّفِه، وعدالةُ اللهِ تقتضي مُحاسبةَ كلِّ مَن تسبّبَ في مرضِ هذا الطّفلِ، وقَد لا نعلمُ نحنُ مَن المُتسبّبُ لأنَّ هُناكَ تشابُكاً منَ الأسبابِ، فالذي تلاعبَ في الجيناتِ الوراثيّةِ للأغذيةِ والذي تسبّبَ في فسادِ الهواءِ والبيئةِ والذي تلاعبَ في الأدويةِ، وهكذا الحاكمُ والموظّفُ وكلُّ مَن ساهمَ في عدمِ تهيئةِ بيئةٍ صحيّةٍ للطّفلِ، وهكذا تتداخلُ الأمورُ بشكلٍ لا يمكنُ للإنسانِ فهمُه ولكنّهُ حاضرٌ عندَ اللهِ وسوفَ يقتصُّ اللهُ لهذا الطّفلِ ممَّن ظلمَه وتسبّبَ لهُ في كُلِّ هذهِ المُعاناة.

وعليهِ فإنَّ العقلَ البشريَّ مهمَا بلغَ واتّسعَت مداركُه وحقّقَ ما حقّقَ منَ العلومِ والمعارفِ، يظلُّ عاجزاً عَن رسمِ صورةٍ كاملةٍ للعدلِ وما يجبُ أن يكونَ وما لا يجبُ أن يكون، فلسنا نحنُ بأفهامِنا وإدراكِنا القاصرِ مَن نرسمُ للهِ طريقَ العدلِ والحكمةِ، فكثيرٌ منَ الأمورِ التي تعترضُ حياتَنا وتُنغّصُ علينا عيشتَنا ونحنُ لا نفهمُ الحِكمةَ منها، ثمَّ يكشفُ لنا الزّمانُ ستارَه لنحمدَ اللهِ على ما أصابَنا في وقتِها، فبالثّقةِ باللهِ وحدِه يستمرُّ الإنسانُ في حياتِه لأنَّ لُطفَ اللهِ موجودٌ وأبوابَ التّوفيقِ لعبادِه مفتوحةٌ، والإستعانةَ باللهِ مطلوبةٌ، فمَن يتحرّكُ في المسارِ الصّحيحِ سوفَ يأخذُ اللهُ بيدِه ويوصلُه إلى دارِ رضوانِه.