ما الحكمة من تعدد زوجات الأئمة (عليهم السلام)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: مسألةُ تعدُّدِ الزّوجاتِ لا بُدَّ أنْ يُنظرَ إليها مِن جهتين:
الجهةُ الأولى: (الهدفُ مِن تشريعِها): بأن نقولَ: إنَّ تعدّدَ الزّوجاتِ نظامٌ تفرضُه طبيعةُ المصالحِ العامّةِ للإنسان، رجُلاً كانَ أو امرأةً، بغضِّ النّظرِ عنِ السّلبيّاتِ الموجودةِ فيه، وذلكَ لأنَّ الإيجابيّاتِ التي يحملُها تفوقُ ما يحملُه مِن سلبيّاتٍ، و هو ما يجعلُ مِن شرعيّتِه أمراً ضروريّاً. والدّليلُ على ذلكَ أنَّ التّعدّديّةَ هيَ النّظامُ الذي اعتُمِدَ في بناءِ العلاقاتِ بينَ الجنسينِ في الماضي والحاضرِ، سواءٌ أكانَ بشكلٍ مُعلَنٍ وصريحٍ أم بشكلٍ خفيٍّ ومُضمَرٍ ، وكلُّ ذلكَ يدلُّ على وجودِ حاجةٍ أصيلةٍ إلى التّعدّدِ، قد يكونُ مصدرُها داخلَ الإنسانِ كجسدٍ ونفسٍ أو خارجَه مثلَ ظروفٍ خاصّةٍ بالرّجلِ أو المرأةِ، كالعُقمِ أو المرضِ وما إلى ذلكَ، وأصالةُ تلكَ الحاجةِ تجعلُ مِن اعتمادِ الوحدةِ سبباً للإنحرافِ ومصدراً لاستجلابِ المشاكلِ وتعقيداً لحياةِ الإنسانِ بصورةٍ تفوقُ ما يمكنُ أن يُسبّبَهُ التّعدّد.
الجهةُ الثّانيةُ: دراسةُ طبيعةِ زواجِ المعصومينَ عليهم السّلام في كونِه حالة ًطبيعيّةً أم يُمثّلُ حالةً شاذّة؟
وقبلَ دراسةِ ذلكَ لا بُدَّ مِن أن نُشيرَ إلى نُكتةٍ مُهمّةٍ، وهيَ أنّنا إذا أردنا أنْ ندرُسَ ظاهرةً ما، لا بُدَّ أن ندرُسَها وفقَ ظروفِها المُحيطةِ بها, ووفقَ الحالةِ الإجتماعيّةِ التي نشأت فيها، وعليهِ فإذا أردنا أن ندرُسَ ظاهرةَ تعدُّدِ الزّوجاتِ عندَ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) والأئمّةِ عليهم السّلام, فلا بدّ أن نُلاحظَ عُنصري الزّمانِ والمكانِ ونأخذَهما في الإعتبارِ، لنرى هَل كانَت هذهِ الظّاهرةُ هيَ الظّاهرةَ الطّبيعيّةَ أو لا؟ وليسَ صحيحاً أنْ نُحاكمَ الظّاهرةَ على أساسِ الظّروفِ والحالاتِ التي نعيشُها ونحنُ في الألفيّةِ الثّالثةِ، و في مُجتمعاتٍ تختلفُ بالكاملِ عَن تلكَ المُجتمعات.
فإذا تبيّنَ ذلكَ وتمَّت دراسةُ طبيعةِ زواجِ المعصومينَ عليهم السّلام, سيتبيّنُ لكلِّ مُنصفٍ لبيبٍ أنّ الرّسولَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قد اكتفى بالزّواجِ مِن خديجةَ عليها السّلام فترةً طويلةً هيَ فترةُ شبابِه (صلّى اللهُ عليه وآله), إذ لم يتزوّج بامرأةٍ أخرى مادامَت هيَ على قيدِ الحياةِ. نعَم, بعدَ وفاتِها عليها السّلام تزوّجَ بعددٍ منَ الزّوجاتِ الغالبُ فيهنَّ نساءٌ أراملُ قد فقدنَ مَن يُعيلُهنَّ ويقومُ بإدارةِ شؤونِهنَّ، أو كانَ زواجُه لمصلحةٍ تشريعيّةٍ مثلَ الزّواجِ مِن (زينبَ بنتِ جحش)، وغيرِها.
وأمّا أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام، فقد بقيَ على حياتِه الزّوجيّةِ معَ فاطمةَ الزّهراء عليها السّلام، و لم يتزوَّج إلّا بعدَ وفاتِها عليها السّلام، وكذلكَ الإمامُ الحسنُ عليه السّلام، رُغمَ الدّعاياتِ التي نسبَت إليهِ الزّواجَ مِن أعدادٍ خياليّةٍ لا يمكنُ التّصديقُ بها و الإذعانُ لها. وكذلكَ الإمامُ الحُسينُ عليه السّلام، ومِن بعدِه الأئمّةُ عليهم السّلام فإنَّ أكثرَ زوجاتِهم هنَّ أمّهاتُ أولادٍ، وهذهِ الظّاهرةُ كانَت طبيعيّةً جدّاً في ذلكَ العصرِ وذلكَ المُجتمعِ . بَل نرى أنَّ الأئمّةَ المُتأخّرينَ عليهم السّلام كانَ عددُ زوجاتِهم دونَ الحدِّ الطّبيعيّ، في الوقتِ الذي كانَت ظاهرةُ التّعدّدِ شائعةً ولا تجدُ رجُلاً يكتفي بزوجةٍ واحدةٍ أو زوجتين. على أنّهُ تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ مثلَ هذهِ الإشكالاتِ التي يطرحُها على السّاحةِ في الآونةِ الأخيرةِ دُعاةُ الحُرّيّةِ المُزيّفةِ والدّفاعِ عَن حقوقِ المرأةِ ومَن سلكَ مسلكَهم مِـمّنْ يُسمّونَ بمُثقّفي العصرِ مِـمّن تأثّروا بالغربِ وأسلوبِه, أنّ مثلَ هذهِ الإشكالاتِ المطروحةِ الآنَ لَم يكُن لها وجودٌ في زمنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وزمنِ الأئمّةِ عليهم السّلام مِن بعدِه, معَ وجودِ المُتربّصينَ بالدّينِ الإسلاميّ منَ الكُفّارِ واليهودِ والزّنادقةِ ونحوِهم مِـمّن كانَ ولا يزالُ يكيدُ للإسلامِ والمُسلمينَ بوسائلَ شتّى, فلو كانَ ثمّة َشيءٌ في تعدّدِ الزّوجاتِ – بقطعِ النّظرِ عَن شرعيّتِه - لاستغلّهُ هؤلاءِ المُناوئونَ كما عُرفَ عنهُم, وهذا يُؤيّدُ أنّ ظاهرةَ تعدّدِ الزّوجاتِ ظاهرةٌ طبيعيّة. ثُمَّ إنَّ جُملةً منَ العُلماءِ والمُفكّرينَ في الآونةِ الأخيرةِ درسُوا ظاهرةَ تعدّدِ الزّوجاتِ بشكلٍ عامٍّ, فانتهوا إلى كثيرٍ منَ الحِكَمِ التي أفضَت إلى تشريعِه, منها: 1- أنَّ عددَ الذّكورِ غالِباً في أكثرِ المُجتمعاتِ أقلُّ منَ الإناثِ, لعدّةِ أسبابٍ : أهمُّها موتُ الذّكورِ أكثرُ منَ الإناثِ بسببِ الحروبِ ومخاطرِ الأعمالِ. 2 - أنَّ لدى بعضِ الرّجالِ حاجةٌ حقيقيّةٌ إلى تعدُّدِ الزّوجاتِ لقوّةِ الغريزةِ الجنسيّةِ عندَهم, فإذا مُنِعُوا منَ التّعدّدِ وقعوا في الحرامِ, وهذا ما أثبتَتهُ عدّةُ دراساتٍ. 3- أنَّ الإسلامَ حكمَ بجوازِ تعدُّدِ الزّوجاتِ, لا بوجوبِه إلّا إذا علمَ الفردُ بالوقوعِ في الحرامِ مِن دونِه. ودُمتم سالِمين.
اترك تعليق