هَل ذكرَ القُرآنُ أسماءَ الأئمّةِ ؟!

: اللجنة العلمية

       كنتُ قد كتبتُ بحثاً صغيراً بعنوانِ: ( خلوُّ القرآنِ مِن أسماءِ الأئمّةِ – إشكاليّةٌ مُتجدّدةٌ وإجاباتٌ جذريّة )( ) وتمثّلُ هذهِ المقالةُ القصيرةُ تلخيصاً لأهمِّ ما في البحثِ، ودونَ مُقدّماتٍ تأصيليّةٍ، أو إجاباتٍ تفصيليّةٍ؛ والسّببُ الذي دعاني لكتابةِ هذهِ المقالةِ مُركّبٌ مِن أمرينِ: أوّلُهما أنَّ نسخةَ البحثِ غيرُ مُتاحةٍ على الشّبكةِ العنكبوتيّةِ، وثانيهما، إعجابُ غيرِ واحدٍ منَ القُرّاءِ ببعضِ الاِلتفاتاتِ في البحثِ، فرأيتُ أن أُبرزَها وأُفردَها دونَ سِواها في مقالةٍ مُستقلّةٍ، وتتلخّصُ بخمسِ نقاطٍ:

1- جوابُ أهلِ البيت:

       تعرّضَ أصحابُ الأئمّةِ لهذهِ الإثارةِ، وقامُوا بنقلِه لأهلِ البيت، والأئمةُ بدورِهم أجابوا عنهُ إجابةً  كافيةً ووافيةً ، فهذا أبو بصيرٍ بعدَ أن بيّنَ لهُ الإمامُ الصّادقُ نزولَ آيةِ (أولي الأمرِ) في أهلِ البيتِ، ينقلُ للإمامِ سؤالَ النّاسِ: فما لهُ لَم يُسمِّ عليّاً وأهلَ بيته (عليهم السّلام) في كتابِ الله عزّ وجلّ؟ 

فأجابَه الإمامُ: إنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) نزلَت عليهِ الصّلاةُ ، ولَم يُسمِّ اللهُ لهُم ثلاثاً ولا أربعاً، حتّى كانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) هوَ الذي فسّرَ ذلكَ لهُم، ونزلَت عليهِ الزّكاةُ ولَم يُسمِّ لهُم مِن كلِّ أربعينَ دِرهمٍ درهماً، حتّى كانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) هوَ الذي فسّرَ ذلكَ لهُم، ونزلَ الحجُّ فلَم يقُل لهُم: طوفوا أسبوعاً، حتّى كانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) هوَ الذي فسّرَ ذلكَ لهُم، ونزلَت:{ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النّساء : 59] في عليٍّ والحسنِ والحُسينِ، فقالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) في عليٍّ: مَن كنتُ مولاهُ، فعليٌّ مولاهُ، وقالَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أُوصيكُم بكتابِ اللهِ وأهلِ بيتي،..."  (الكافي 1 / 424 )، والحديثُ مرويٌّ بسندينِ صحيحينِ كِليهما على ما نصَّ المجلسيّ في كتابه: مرآةُ العقولِ في شرحِ أخبارِ آلِ الرّسولِ ( ج 3، ص: 213) .

2- نقدُ منهجِ السّؤالِ:

يُضمِرُ السّؤالُ -بوصفِه اِعتراضاً على عقيدةِ الإمامةِ- قاعدةً فاسدةً، ويُخفي أصلاً في غايةِ البطلانِ والفسادِ، مفادُه: حصرُ المعرفةِ الدّينيّةِ سيّما العقديّةِ بالقُرآنِ!، والنّسجُ على منوالِ هذهِ المنهجيّةِ يُفضِي لإنكارِ ما لا يُحصى منَ العقائدِ والضّروراتِ الدّينيّةِ، والمثالُ القريبُ جِدّاً على ما نحنُ فيهِ: نبوّةُ آلافِ الأنبياءِ وذكرُ أسمائِهم، فكما أنَّ اللهَ لَم ينُصَّ في كتابِه على أسماءِ الأنبياءِ، لا جميعِهم، ولا نصفِهم، بَل ولا حتّى واحدٍ بالألفِ مِنهُم ، كذلكَ الحالُ بالنّسبةِ للإمامةِ ، نعَم ذكرَ النّبوّةَ كأصلٍ، في المُقابلِ ذكرَ أصلَ الإمامةِ أيضاً العامّةَ مِنها والخاصّةَ كما لا يخفى.

3- على خُطى إبنِ مسعودٍ !

     قالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ ذاتَ يومٍ: لعنَ اللهُ الواشماتِ..والمُتنمصاتِ والمُتفلّجاتِ المُغيّراتِ خلقَ اللهِ، فبلغَ ذلكَ اِمرأةً مِن بني أسدٍ يُقالُ لها: أمُّ يعقوب، فجاءَت فقالَت: إنّهُ بلغني عنكَ أنّكَ لعنتَ كيت وكيت، فقالَ: ومَا لي؟! ألعنُ مَن لعنَ رسولُ اللهِ، ومَن هوَ في كتابِ اللهِ! فقالَت: لقَد قرأتُ ما بينَ اللّوحينِ فما وجدتُ فيهِ ما تقولُ! قالَ: لئِن كُنتِ قرأتيهِ لقَد وجدتيهِ، أما قرأتِ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؟! قالَت: بلى، قالَ: فإنّه قَد نهى عَنه...( البُخاري  ح : 4507 ).

       وردُّ إبنِ مسعودٍ يؤسّسُ لنَا لجوابٍ مؤصّلٍ ومُحكمٍ جدّاً، وعلى طريقةِ هذا الصّحابي هذهِ وبعدَ أنْ ثبتَ لدى المُسلمينَ جميعاً أنَّ النّبيّ الأعظمَ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ ) قَد قالَ بشأنِ عليٍّ وآلِ عليٍّ ما قالَ؛ يُمكننا أيضاً أن ننسُجَ على منوالِه ونُجيبَ: إنَّ القُرآنَ نصَّ على إمامةِ عليٍّ والأئمّةِ بأسمائِهم ، طِبقاً لحديثِ الغديرِ والثّقلين .

والنّامصةُ هيَ التي تنتفُ شعرَ الوجهِ، والمُتنمّصةُ التي تطلبُ ذلكَ، منَ النّمصِ وهوَ النّتفُ، والمُتفلّجةُ تنشرُ أسنانَ المرأةِ وتُحدثُ بينَها فُرجةً بمبردٍ أو غيرِه، تُحدّدُها وتُصلِحُها، منَ الفلجِ وهوَ الإنفراجُ ما بينَ الثّنيتين.

4- اِفتقادُ تسليمٍ، أو فقدانُ تصريحٍ؟!

في نظري، ليستِ المُشكلةُ في هذهِ القضيّةِ أو في غيرِها، في نقصِ الدّلائلِ، وانعدامِ التّصريحِ، ولا هيَ في إحداثِ الاِنتقالِ وعمليّةِ الرّبطِ بينَ الدّالِّ والمَدلولِ؛ بقدرِ ما هيَ إرادةُ الرّفضِ!

إنّ أكثرَ البشرِ على مرِّ التّأريخِ كانوا في مواجهةِ الأنبياءِ والمُصلحينَ وها هوَ القُرآنُ الكريمُ يُخبرُ عَن أنَّ الأكثريّةِ بأنّهُم:

لا يؤمنونَ، وأكثرُهم الفاسقونَ، ولا يعقلونَ ولا يعلمونَ ، وللحقِّ كارهونَ ...إلخ .

أفهَل يُمكنُ لعاقلٍ يؤمنُ باللهِ تعالى أن يعزو سببَ ذلكَ إلى تقصيرِ أنبياءِ اللهِ في إقامةِ الحُجّةِ أو قصورِ بيانِهم، أو أنَّ اللهَ لَم يُعطِهم ما يكفِي مِنَ الدّلائلِ ؟! 

حاشا للهِ !

فأينَ الخللُ إذَن ؟ 

    إنَّ أهمَّ عاملٍ لإيمانِ الأقليّةِ هوَ خضوعُهم وتسليمُهم للحقِّ بعدَ وضوحِه وعلى نقيضِ ذلكَ هوَ ما أدّى بالأكثريّةِ إلى مُعارضةِ أنبياءِ اللهِ وحُججِه، حيثُ الاِستكبارُ وعدمُ البخوعِ والخضوعِ والاِنقيادِ للحقِّ ذلكَ هوَ المنهجُ الإبليسيُّ يُعادُ ويكرّرُ : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 34] 

لِذا فإنَّ مُجرّدَ تضمُّنِ القُرآنِ أسماءَ أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام لا يحلُّ المُشكلةَ؛ ومُضافاً إلى تصريحِ مَن أُوتي القُرآنُ ومثلُه معهُ، فقَد كانَ للقُرآنِ في غيرِ موضعٍ وحالةِ موقفٍ، وكانَ للآخرينَ رأيٌ آخرُ مُخالِفٌ، خُذ المثالَ الآتي:

    يوردُ القُرآنُ أصلَ الإمامةِ بلفظِها، وينصُّ عليها حرفيّاً مُخاطِباً إبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } [البقرةُ : 124] غيرَ أنَّ المُفسّرينَ قالوا: (إماماً) يعنِي نبيّاً أو رسولاً! وكأنَّ اللهَ تعالى لَم يستعمِل مُفردتي النّبوّةِ والرّسالةِ في كِتابه الكريمِ، أو أنّه غفلَ عَن ذلكَ فأخطأَ الإستعمالَ -تعالى اللهُ وتنزّه - ليأتينا (مُحمّد رشيد علي رضا) مثلاً، مُنبّهاً على الغفلةِ أو مُصحّحاً الإستعمالَ قائِلاً: الإمامةُ هُنا عبارةٌ عَنِ الرّسالةِ، وهيَ لا تُنالُ بكسبِ الكاسبِ! ( تفسيرُ المنارِ1/374)!

5- المُشركونَ مُحقّونَ!

     ذُكرَ اِسمُ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه في خمسِ آياتٍ ، بلفظِ ( أحمَد ) في آيةٍ وبلفظِ ( مُحمّد ) في أربعِ آياتٍ:

الآيةُ الأولى : في سورةِ آلِ عمران وهيَ قولُه تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آلُ عمران : 144] وسورةُ آلِ عمران مدنيّة ( المكّيّ والمدنيّ لمُحمّد شفاعت رباني ص6)

الآيةُ الثّانيةُ: في سورةِ الأحزابِ وهيَ قولهُ تعالى : {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزابُ : 40] وسورُ الأحزابِ مدنيّةُ أيضاً (نفسُ المصدر ص 9)

الآيةُ الثّالثةُ : في سورةِ محمّدٍ(صلّى اللهُ عليهِ وآله ) وهيَ قولُه تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمّد : 2] وسورةُ محمّدٍ ( صلّى اللهُ عليه وآله ) مدنيّةٌ أيضاً (نفسُ المصدر ص 10)

الآيةُ الرّابعةُ : في سورةِ الفتحِ وهي قولهُ تعالى : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح : 29] وسورةُ الفتحِ مدنيّةٌ ( نفسُ المصدرِ ص 2)

الآيةُ الخامسةُ والأخيرةُ : المُشتملةُ على لفظِ ( أحمد ) في سورةِ الصّفِّ وهيَ قولهُ تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصّفُّ : 6] وسورةُ الصّفِّ مدنيّةٌ ( نفسُ المصدرِ ص 6)

     ثبتَ ممَّا تقدّمَ أنَّ جميعَ الآياتِ المُشتملةِ على اِسمِ النّبيّ الأعظمِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ مدنيّةٌ فلا وجودَ لاِسمهِ المُباركِ في النّصوصِ القُرآنيّةِ التي نزلَت في مكّةَ ،  إنَّ الاِعتراضَ على عدمِ وجودِ اِسمِ الأئمّةِ في القُرآنِ سيبرّرُ إنكارَ مُشركي مكّةَ لنبوّةِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ لأنَّ السّورَ التي اِشتملَت على الآياتِ النّاصّةِ على نبوّتهِ باِسمهِ الشّريفِ نزلَت في المدينةِ فحيئذٍ يصحُّ للمُشركينَ التّبجّحُ بمثلِ هذا الإعتراضِ لتبريرِ إنكارِهم لنبوّةِ الخاتمِ! فهَل المشركونَ مُحقّونَ ولا ندري؟!

        أختِمُ بهذهِ الحكايةِ: فقَد أجبتُ يوماً سائلِاً: (هَل ذُكرَ الأئمّةُ بأسمائِهم في القُرآنِ؟) فقلتُ : نعَم، فقالَ: أينَ؟ وكيفَ،؟! فقلتُ: مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ ..وإنّي مُخلّفٌ فيكُم الثّقلين كتابَ اللهِ وعترتي..؛ ونبّهتُهُ على صنيعِ إبنِ مسعودٍ معَ أمِّ يعقوبَ، فبقيَ الرّجلُ حائِراً، فلا إطارهُ المذهبيُّ يسمحُ لهُ بتخطئةِ الصّحابيّ، ولا هوَ قادرٌ على ردِّ المُتواترِ، على حدِّ تواترِ القُرآنِ!

 

المرفقات