هل القرآن الكريم محرف؟

سؤال: كيف نرد على من يدَّعي التشيُّع، ويقول: القرآن الكريم محرَّف، والذي ليس محرَّفاً عند الإمام المهدي (ع)؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾

السائل المحترم / سلام عليكم

أولاً: اتفقت كلمة المسلمين قاطبة ـ إلا الشاذ منهم ـ على أن القرآن الكريم ـ المجموع بالمصحف الشريف ـ هو تام، لا زيادة فيه ولا نقيصة، مصون عن التغيير والتبديل، ولهم على ذلك عدة براهين مذكورة بالأبحاث الاستدلالية، وقد كتبوا في هذه المسألة دراسات كثيرة صغيرة وكبيرة، والذي يهمنا هنا رأيُ مذهب الشيعة، ويمكن الاطلاع عليه في جملة من الكتب المختصة بشرح هذه المسألة، منها:

١- آلاء الرحمن: ج١ ص١٧-٢٩، للشيخ جواد البلاغي.

٢- أسطورة تحريف القرآن، للمجمع العالمي لأهل البيت.

٣- أكذوبة تحريف القرآن، للشيخ رسول جعفريان.

٤- البرهان على عدم تحريف القرآن، للسيد الرضوي.

٥- البيان في تفسير القرآن: ص١٩٥-٢٥٩، للسيد الخوئي.

٦- تحريف القرآن أسطورة أم واقع؟ للسيد الطاهري.

٧- التحقيق في نفي التحريف، للسيد علي الميلاني.

٨- دفاع عن القرآن الكريم، للشيخ محمد الماجدي.

٩- دفاعاً عن القرآن الكريم، للشيخ جواد اللنكراني.

١٠- سلامة القرآن من التحريف، للدكتور المحمدي.

١١- سلامة القرآن من التحريف، للشيخ باقر القرشي.

١٢- صيانة القرآن من التحريف، للشيخ هادي معرفة.

١٣- في رحاب العقيدة: ج١ ص١٥٨-١٧٤، للسيد الحكيم.

١٤- مدخل التفسير: ص١٩٣-٣٤٢، للفاضل اللنكراني.

١٥- الميزان: ج١٢ ص١٠١-١٣٣، للسيد الطباطبائي.

ففي هذه الكتب استدلالات متنوعة على صيانة القرآن من التحريف، وبها نصوص كثيرة لعلماء الشيعة ـ من مختلف الأزمنة والأمكنة ـ على هذه الحقيقة الثابتة.

نكتفي بإيراد نصٍّ جامع منها، وهو للسيد الخوئي ـ المرجع الأكبر للشيعة بالأجيال المعاصرة ـ قال في البيان: ص٢٠٠،

«المعروف بين المسلمين: عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم (ص). وقد صرَّح بذلك كثير من الأعلام، منهم: رئيس المحدِّثين الصدوق محمد ابن بابويه، وقد عَدَّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية. ومنهم: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وصرَّح بذلك في أول تفسيره التبيان، ونقل القول بذلك أيضاً عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى، واستدلاله على ذلك بأتم دليل. ومنهم: المفسِّر الشهير الطبرسي، في مقدمة تفسيره مجمع البيان. ومنهم: شيخ الفقهاء الشيخ جعفر، في بحث القرآن من كتابه كشف الغطاء، وادَّعى الاجماع على ذلك. ومنهم: العلاَّمة الجليل الشهشهاني، في بحث القرآن من كتابه العروة الوثقى، ونسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين. ومنهم: المحدِّث الشهير المولى محسن القاساني، في كتابَيْه. ومنهم: بطل العِلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي، في مقدمة تفسيره آلاء الرحمن. وقد نسَب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم، منهم: شيخ المشايخ المفيد، والمتبحِّر الجامع الشيخ البهائي، والمحقق القاضي نور الله، وأضرابهم. [إلى أن قال] وجملة القول: إن المشهور بين علماء الشيعة ومحققيهم ـ بل المتسالم عليه بينهم ـ هو القول بعدم التحريف».

ثانياً: ورد ببعض الروايات الشريفة: أن القرآن الذي جمَعه أمير المؤمنين (ع) قد توارثه الأئمة (ع) بعده، وانتهى أمرُه إلى الإمام المهدي (ع)، وسيُظهره للناس عندما يقوم (ع)، وفيما يلي نماذج متنوعة منها:

(١) روى سليم بن قيس في كتابه: ص١٤٧، عن عمر، أنه قال لأمير المؤمنين (ع): «يا أبا الحسن، إن جئتَ بالقرآن الذي كنتَ جئتَ به إلى أبي بكر؟ حتى نجتمع عليه! فقال عليٌّ (ع): هيهات! ليس إلى ذلك سبيل. إنما جئتُ به إلى أبي بكر، لتقوم الحُجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾، أو تقولوا: ما جئتَنا به. إن القرآن الذي عندي لا يمسُّه إلا المطهَّرون، والأوصياء من ولدي. فقال عمر: فهل وقتٌ لإظهاره معلومٌ؟ قال عليٌّ (ع): نعم! إذا قام القائم من ولدي، يُظهره ويحمِل الناس عليه، فتجري السُّنة عليه».

(٢) روى سليم بن قيس في كتابه: ص٢١٢، عن طلحة، أنه قال لأمير المؤمنين (ع): «فأخبرني عمَّا في يديك من القرآن، وتأويله، وعلم الحلال والحرام، إلى من تدفعه؟ ومن صاحبه بعدك؟ قال (ع): إلى الذي أمرني رسول الله (ص) أن أدفعه إليه. قال: من هو؟ قال: وصيِّي وأولى الناس بالناس بعدي، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يردَ آخرُهم على رسول الله (ص) حوضَه. وهُم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم».

(٣) روى الصفار في البصائر: م١ ج٤ ب٧ ص٣٤٩ ح٧١٠-٢، عن الإمام الباقر (ع)، قال: «ما ادَّعى أحدٌ من الناس، أنه جمَع القرآن كله ـ كما أنزله الله ـ إلا كذاب! وما جمَعه وما حفظه ـ كما أنزله الله ـ إلا عليُّ بن أبي طالب (ع)، والأئمة (ع) من بعده».

(٤) روى الصفار في البصائر: م١ ج٤ ب٧ ص٣٤٩ ح٧١١-٣، عن سالم أبي سلمة، قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله (ع) ـ وأنا أسمع ـ حروفاً من القرآن، ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبد الله (ع): مَهٍْ مَهٍْ! كُفَّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم (ع)، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله (عز وجل) على حدِّه، وأخرج المصحف الذي كتبه عليٌّ (ع). وقال: أخرجه عليٌّ (ع) إلى الناس ـ حين فرغ منه وكتبه ـ فقال لهم: هذا كتاب الله (عز وجل) كما أنزله الله على محمد (ص)، وقد جمعتُه بين اللوحَيْن. قالوا: هو ذا عندنا، مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه. قال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعتُه لتقرؤوه».

(٥) روى المفيد في الإرشاد: ج٢ ص٣٨٦، عن الإمام الباقر (ع)، قال: «إذا قام قائم آل محمد (ع)، ضرب فساطيط لمن يعلِّم الناس القرآن على ما أنزل الله (جل جلاله)، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف».

وها هنا مسألتان ..

الأولى: أن الروايات التي يدَّعى دلالتها على تحريف القرآن، أكثرها لم يثبت عن أهل البيت (ع) بدليل معتبر، والثابت منها في دلالته على المدَّعى نقاش بين العلماء.

مضافاً إلى أن فيها ما هو متناقض في نفسه أو مع القرآن، وما لا يشبه نظم القرآن في شيء، وما يبدو أنه سبب نزول، وما يجري وينطبق على مصاديقه، وما يساق سياق الدعاء، وما يُفيد معنى التأويل أو التفسير، وما يُعلم يقيناً اختلاقه وافتراؤه على لسان النبي وآله (ص).

والذي يسلَم فيها من المؤاخذات السَّندية والمتنِية ـ وهو قليل جداً ـ فلابد من توجيهه، أو التوقف به، وردِّ عِلمه إلى أهله (ع)، لأنه يعارض محكمات البراهين.

الثانية: أن لأمير المؤمنين (ع) مصحفاً خطَّه بيَدِه، من فَمِ رسول الله (ص)، وقد أورثه المعصومين (ع) بعده، فانتهى للإمام المهدي (ع)، وسيُظهره للناس حين خروجه، فهذا ممَّا لا ريب فيه، والروايات الواردة به كثيرة، والعلماء ـ قديماً وحديثاً ـ متسالمون على قبوله.

لكن مصحف أهل البيت (ع) هذا لا يختلف عن المصحف المتداول عَدا في ترتيب السُّوَر وزيادات تأويلية وتفسيرية، هي وحيٌ منزلٌ من الله (تعالى) لبيان القرآن وليست قرآناً، وقد صرَّحت عدة روايات بهذا المعنى، فمنها مثلاً:

(١) روى سليم بن قيس في كتابه: ص٢١١، عن أمير المؤمنين (ع)، قال: «إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد (ص) عندي، بإملاء رسول الله (ص) وخطِّي بيَدي. وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد (ص)، وكل حلال أو حرام أو حَدٍّ أو حُكم، أو أيِّ شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، عندي مكتوب بإملاء رسول الله (ص) وخطِّ يدِي، حتى أرْشِ الخَدْشِ».

(٢) روى الطبرسي في الاحتجاج: ج١ ص٦٠٧ ح١٣٧، عن أمير المؤمنين (ع)، قال: «ولقد أُحضِروا الكتابَ كَمَلاً [أي: أحضَر (ع) للصحابة القرآن كاملاً]، مشتملاً على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، لم يسقط منه حرفُ ألفٍ ولا لامٍ».

النتيجة:

لا يوجد دليل على تحريف القرآن الكريم ـ المتداول بين أيدي المسلمين ـ كما لا يوجد دليل على أن القرآن الذي ورثه الإمام المنتظر (ع) عن آبائه الطاهرين (ع) يغاير هذا القرآن المتداول في سُوَره وآياته، خَلا المقدار الذي بيَّنته الروايات الشريفة ـ كما تقدَّم ـ ومن يزعم غير هذا فليُثبت.