مقولة: حاش لله ما هذا بشرا التي صدرت من النسوة في قصّة يوسف (ع)
كيف بنساء مصر في قصة يوسف (ع) يقلن (حاش لله ما هذا بشرا )، ودين التوحيد الذي جاء به يوسف (ع) لم ينشره إلى الناس بعد؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعلم أخي السائل أنّه بعد مراجعة كلمات أهل العلم من اللغويّين والمفسّرين وغيرهما في خصوص هذا الموضع من الآية الكريمة وجدنا أكثرهم قد سلّطوا الضوء على أصل هذه الكلمة في كونها حرفاً أم فعلاً أم اسماً، وكذلك وجدناهم يتّفقون على أنّ معناها التنزيه، وذلك لأنّ حاش لله هي من مادة [حشي] التي معناها الطرف أو الناحية، والتحاشي تعني الابتعاد، فيكون مفهوم جملة (حاش لله) أنّ الله منزّه، وهي إشارة إلى أن يوسف عبد منزه وطاهر.
ولكنْ هذا لا يعني أنّ مقولة النسوة: حاش لله ـ تدلُّ على توحيدهنَّ، وذلك لأنّ أهل مصر في عهد يوسف (ع) كانوا مشركين، ويدلُّ على ذلك ما أخبرنا الله عن يوسف ـ عليه السلام ـ في حواره مع صاحبيه أنه قال: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولكنْ مع ذلك فإنّ كثيراً من الكفّار والمشركين كان عندهم علم بالله عزّ وجلّ، وَفْقاً لـما أخبرنا الله تعالى به في موارد عديدة من كتابه العزيز. كقوله تعالى: {ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {العنكبوت:61}. وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت : 63]. {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف : 87]. وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف : 87]. وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت : 65]. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم : 33]. . قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30]. وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت : 21].
وعليه: يكون ما صدر من النسوة هو نظير ما كان يصدر من الكفّار والمشركون في تلك المواقف التي أخبرنا الله عز وجل بها، والتي أنطق بها كلّ شيءٍ بناءً على الفطرة التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، إذْ إنّ النسوة في مصر لـمّا اجتمعن في بيت زليخة - طبقا لبعض الروايات - فوجئن بظهور يوسف (ع) كأنّه البدر أو الشمس الطالعة، فتحيرنَ من جماله ودهشنَ، فلما رأينه أكبرنه وفقدن أنفسهن وقطعن أيديهن مكان الفاكهة، وحين وجدن الحياء والعفة تشرقان من عينيه وقد احمرّ وجهه خجلا صحن جميعا وقلن حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم.
فهذا الكلام الصادر منهنّ قد أنطقهنّ الله تعالى به لتأكيد تبرئة يوسف (ع) أمام الملأ ممّا قُذِفَ به. أي أنّ المعنى من قولهن (حاشا لله) هو تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز من المراودة، أي بعد يوسف عن هذا؛ وقولهن: لله " أي لخوفه، أي براءة لله من هذا؛ أي أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة المبرّئين من المعاصي والذنوب. [ينظر: تفسير الأمثل للشيخ مكارم الشيرازيّ (ج7/ص200)، وغيره من كتب التفسير].
هذا باختصار ما توصّلنا إليه بخصوص مقولة (حاش لله)، فلعلّ السائل يجد فيه بغيته.
ودمتم سالمين.
اترك تعليق