مراتب التوحيد

السلام عليكم، هل يمكن أن تشرحوا لي توحيد الصفات وتوحيد الأفعال بشكل مفصّل حتّى أفهمه؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

إنّ التوحيد ينقسم - بحسب تقسيمات علماء الكلام - إلى ثلاثة أقسام، وهي: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال.

1ـ والمقصود من توحيد الذات: هو أنّ اللّه واحد، أحد، لا شريك له ولا نظير، ولا يُتصوّر له شبيه ولا مثيل، بل إنّ ذاته المقدّسة بسيطة غير مركّبة من أجزاء كما هو شأن الأجسام، وسيتّضح ذلك عندما نتحدّث عن توحيد الصفات.

2ـ وأمّا التوحيد في الصفات: فإنّه يتضمّن مجموعة من المعاني والحقائق:

أولاً: عدم التعطيل: ويعني ذلك الخلو أو إخلاء الربّ سبحانه وتعالى عمّا وصف به نفسه، فالمعطلة ينفون عن الله الصفات، فلا يصفونه حتّى بما وصف به تعالى نفسه، فهم بذلك يعطّلون الله عن كماله المقدّس، فعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: « سبحانك، لو عرفوك لوصفوك بما وصفتَ به نفسك... اللّهم لا أصفك إلاّ بما وصفتَ به نفسك ». (الكافي ج1 ص101).

وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال: « صفوه عزّ وجلّ بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك ». (الكافي ج1 ص 100).

ثانياً: عدم التشبيه: أي تشبيه صفة الخالق بصفة المخلوق، وبمعنى أخر: فإنّ التوحيد في الصفات يقتضي إثبات الصفة لله تعالى، ولكن ليس كما نثبت تلك الصفات للمخلوق؛ لأنّ ذلك يقود للتشبيه، وهو محال على الله تعالى.

ومن هنا جاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) لتحدّد المسار الوسط بين التعطيل والتشبيه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « واعلم - رحمك الله - أنّ المذهب الصحيح في التوحيد: ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانفِ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفيَ ولا تشبيهَ، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدُ القرآن فتضلّ بعد البيان ».

فكما نفت الرواية التعطيل نفت التشبيه أيضاً، ومن المؤكد أنّ إجراء هذه الصفات على الله كما تجري على المخلوق فيه تشبيه لا محالة، وعليه لابدّ من إجراء هذه الصفات على الله بالشكل الذي لا يكون فيه تشبيه بينه وبين خلقه، قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

وهذا لا يكون إلّا من خلال نفي الضدّ لكلّ صفة من هذه الصفات، فمثلاً: عندما نقول: (عليم وقدير)، إنما نقصد بذلك نفي الجهل والعجز عنه، وبالتالي لا نثبت معنىً متصوّراً أو مفهوماً ذهنيّاً لصفة العلم أو القدرة؛ لأنّ ما هو موجود في الذهن لمفهوم العلم ومفهوم القدرة مستمدّ من واقع العلم والقدرة عند الإنسان، وهذا هو التشبيه الذي لا يجوز، وفي نفس الوقت لابدّ من إثبات تلك الصفات لله تعالى؛ لأنّها صفات كمال، وهنا يتحيّر العقل، فلا يمكنه إيجاد معنىً متصوّراً أو مفهوماً ذهنيّاً لمعنى العلم والقدرة عند الله تعالى، ولا يبقى في مقدور العقل إلّا إثبات تلك الصفات بمعنى نفي ضدّها، وعليه ليس المقصود من نسبة الصفات إلى الله هو فهم كنه وحقيقة الذات الإلهيّة؛ لأنّ هذا الفهم غير ممكن، بل المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه عن الاتّصاف بضدّ هذه الصفات.

فإذا قيل: ما هو معنى كنه وحقيقة (العلم) الذي تصفون به الله؟ فالجواب الصحيح: المقصود من (العلم) في هذا المقام (نفي الجهل) - أي نفي الضدّ -.

ثالثاً: يتّصف الله سبحانه وتعالى بصفات هي عين ذاته سبحانه، مثل صفة العلم والقدرة والحياة. وهذا خلاف ما يقوله البعض بأنّ الصفات الإلهيّة قديمة وأزليّة ولكنّها زائدة على الذات، فإنّ هذا القول يؤدّي للاعتقاد بتركيب الذات وهو محال، يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): « لم يزل الله ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور » (توحيد الصدوق ص139).

3ـ أمّا بخصوص توحيد الأفعال: فنكتفي بما ذكره السبحانيّ في كتابه (مفاهيم القرآن ج1 ص15)، حيث يقول:

نحن نعلم أنّ هناك في عالم الطبيعة سلسلة من العلل والأسباب الطبيعيّة لها آثار خاصّة، كالشمس والإشراق الذي هو أثرها ومعلولها، والنار والإحراق الذي هو أثرها ومعلولها، والسيف والقطع الذي هو أثره ومعلوله.

والتوحيد في الأفعال هو الاعتقاد بأنّ هذه «الآثار» مخلوقة هي أيضاً لله تعالى، كما أنّ عللها مخلوقة له سبحانه، بمعنى: أنّ الله الذي خلق العلل المذكورة هو الذي منحها تلك «الآثار»، فخلق الشمس وأعطاها خاصّية الإشراق، وخلق النار وأعطاها خاصّية الإحراق، وخلق السيف وأعطاه خاصّية القطع، إلى آخر ما هنالك من العلل والمعلولات، والأسباب والمسبّبات والمؤثّرات وآثارها.

وبعبارة أُخرى: إنّ «التوحيد الأفعاليّ» هو أن نعترف بأنّ العالم بما فيه من العلل والمعاليل، والأسباب والمسبّبات، ما هو إلاّ فعل الله سبحانه، وأنّ الآثار صادرة عن مؤثّراتها بإرادته ومشيئته، فكما أنّ الموجودات غير مستقلّة في ذواتها، بل هي قائمة به سبحانه، فكذا هي غير مستقلّة في تأثيرها وعلّيَّتها وسببيَّتها.

فيستنتج من ذلك: أنّ الله سبحانه كما لا شريك له في ذاته، كذلك لا شريك له في فاعليّته وسببيّته، وأنّ كلّ سبب وفاعل ـ بذاتهما وحقيقتهما وبتأثيرهما وفاعليّتهما ـ قائم به سبحانه، وأنّه لا حول ولا قوة إلّا به.