كيف يكون النبي (ص) عالماً بكلّ شيء وفي القرآن يقول أنه لا يدري ما يُفعل به ولا بقومه؟
السؤال: يقول تعالى في حقّ النبي (ص): (قل ما كنت بدعاً من الرسل ولا ادري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحى إليّ). بينما الأحاديث عند الشيعة تصوّر النبيّ عالما بكل شيء في الكون؟
الجواب:
لا ندري أين وجه التعارض بين هذه الآية وبين الأحاديث الشيعية التي تحدثت عن علم النبيّ (ص) بكلّ شيء؟! فالاحاديث صريحة في كون النبيّ (ص) يعلم ذلك بتعليم من الله تعالى له، ولا وجود لرواية واحدة تقول بأنّ النبيّ (ص) يعلم ذلك بقدرة ذاتيّة ومستقلّة عن الله تعالى، فالنبيّ (ص) بذاته ومن دون الله لا يعلم شيئاً، وهذا ما نصّت عليه الآية التي استشهد بها السائل وهي قوله تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)، أي أنّ النبيّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) حاله كبقيّة الأنبياء من حيث ذواتهم لا يعلمون شيئاً، ومن حيث كونهم أنبياء يعلمون بكل شيء عبر الوحي، ولذا ختمت الآية بقوله: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ)، وبذلك تكون الآية نصّت بشكل واضح وصريح بأنّ الوحي هو مصدر علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومن دونه لا يدري النبيّ (ص) ما يُفعل به ولا ما يُفعل بقومه، والآيات التي تؤكد هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ)، وقوله تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ)، وقوله تعالى: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ).
جاء في تفسير الأمثل: (يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا لست أوّل نبيّ دعا إلى التوحيد، فقد جاء قبلي أنبياء كثيرون كلّهم كانوا بشراً، وكانوا يلبسون الثياب ويأكلون الطعام، ولم يدّعِ أحد منهم أنه يعلم الغيب المطلق، بل كانوا يقولون: إننا نعلم من أمور الغيب ما يعلمنا الله إيّاه فقط) (الأمثل ج 16 ص 252)
وإذا رجعنا للروايات التي تحدّثت عن علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) نجدها تؤكّد على أنّها من علوم الله التي علّمها الأنبياء والمرسلين، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن شعيب الحداد، عن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو بصير فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنّ داود ورث علم الأنبياء، وإنّ سليمان ورث داود، وإنّ محمّداً صلى الله عليه وآله ورث سليمان، وإنا ورثنا محمّداً صلى الله عليه وآله وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى، فقال أبو بصير: إنّ هذا لهو العلم، فقال: يا أبا محمّد ليس هذا هو العلم، إنما العلم ما يحدث بالليل والنهار، يوماً بيوم وساعة بساعة" (الكافي ج 1 ص 225).
كذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يعطِ الأنبياء شيئاً إلاَّ وقد أعطاه محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) قال: (وقد أُعطى محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) جميع ما أعطى الأنبياء (عليهم السلام)، وعندنا الصحف التي قال الله عزَّ وجلَّ: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الكافي ج1 ص 225)
وعن أبي الحسن الأول الإمام الكاظم (عليه السلام) سأله أحد أصحابه، قال: قلت له: جعلت فداك، أخبرني عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ورث النبيين كلّهم؟ قال: (نعم)، قلت: من لدن آدم (عليه السلام) حتى انتهى إلى نفسه؟ قال: (ما بعث الله نبياً إلاَّ ومحمّد (صلَّى الله عليه وآله) أعلم منه). (الكافي ج1 ص 226).
ثم إنّ هناك روايات بيّنت ما تميّز به علم النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) عن جميع الأنبياء والمرسلين، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنَّ عيسى بن مريم (عليه السلام) أُعطي حرفين كان يعمل بهما، وأُعطُيَ موسى أربعة أحرف، وأُعطي إبراهيم (عليه السلام) ثمانية أحرف، وأُعطي نوح خمسة وعشرين حرفاً. وإنَّ الله تبارك وتعالى جمع ذلك كلّه لمحمد (صلَّى الله عليه وآله)، وإنَّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرف، أعطى محمداً (صلَّى الله عليه وآله) اثنين وسبعين حرف، وحُجب عنه حرف واحد) (بحار الانوار ج 17 ص 134)
عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله فقال علم النبي علم جميع النبيين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة" (بصائر الدرجات ص 147)
وفي رواية طويلة عن ابي جعفر عليه السلام جاء فيها: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون) (الكافي ج 1 ص 251)
وهكذا هي علوم الائمة من أهل البيت فهم ورثة رسول الله وورثة كتابه الكريم، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (وإن الله يقول في كتابه: "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أمّ الكتاب، إن الله يقول: "وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين" ثم قال: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا" فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل، وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء) (البحار ج 17 ص 133)
اترك تعليق