هل الخلاف بين الإمام عليّ (عليه السلام) ومعاوية يستدعي التكفير أم لا؟

السؤال: جاء في نهج البلاغة قول أمير المؤمنين: "وكان بدء أمرنا أنّا التقينا والقوم من أهل الشام. والظاهر أنّ ربّنا واحدٌ، ونبيّنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة. لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله صلّى الله عليه وآله ولا يستزيدوننا. الأمر واحد إلّا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء" إذاً معاوية ومن معه مسلمون والخلاف الحاصل بين المعسكرين لا يستدعي تكفير أحدهما للآخر بعكس ما يروّج له الشيعة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

قبل الإجابة بشكل مباشر عمّا جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام، أرى من المناسب تصدير الإجابة ببعض ما جاء في مقال الباحث والكاتب السعوديّ حسن بن فرحان المالكيّ عن معاوية بن أبي سفيان، ليكون ردّاً على ما جاء في آخر السؤال وهو قوله: "بعكس ما يروّج له الشيعة"، فالشيعة ليس وحدهم من يحكمون على معاوية بالضلال، فكلّ منصف وباحث في التاريخ الإسلاميّ عندما يقف على ما أحدثه معاوية في الإسلام لابدّ أن يتبرّأ منه ومن أفعاله، كما أنّ النصوص التي تخرج معاوية عن دائرة الإسلام سواء أكانت من الكتاب أم السنّة أكثر ممّا تحصى، وقد جمعها السيّد محمّد بن عقيل العلويّ في كتابه (النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية)، فمن شاء فليراجعها في محلّها.

والسبب في اختياري لمقال الباحث حسن بن فرحان المالكيّ، أنّ كاتبه كان أحد العلماء المعاصرين الذين درسوا وتتلمذوا على يد كبار علماء الوهابيّة، وقد عمل على كشف الصورة الحقيقيّة لمعاوية من غير أن يكون محسوباً على الشيعة، إذْ يقول في هذا المقال: أعجب منهم أناس - يدّعون أنّهم يحبّون النبيّ - يمدحون أشخاصاً أفنوا أعمارهم في حرب رسول الله وأهل بيته وصحابته على مدى ثمانين عاماً!! فقد ولد معاوية قبل البعثة بخمس سنين، ورضع بغض النبيّ منذ الصبا، فأبوه أبو سفيان، وأمّه هند بنت عتبة آكلة كبد حمزة، وعمّته حمّالة الحطب.

لقد كان معاوية - في أوّل العهد المكّيّ - من أولئك الصبية الذين كانت قريش تسلّطهم على أذيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وشارك شبابهم في بقيّة العهد المكّيّ، ثمّ اشترك مع أبيه في حرب النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، خصوصاً في حرب بدرٍ المعروفة والمشهورة، التي قُتِلَ فيها أخوه حنظلة، وجدّه عتبة وشيبة وخاله الوليد! ثمّ أسلم نفاقاً يوم فتح مكّة . واشترك في غزوة حنين منافقاً، فقد كان ممّن اعتزل مع أبيه فوق تلٍّ، وقال معه: (بطل السحر اليوم )! ثمّ قام هو وأبوه يوم حنين بسرقة جمل لعجوز مسلمة، فاشتكتهما إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فأنكرا وحلفا، فأخبر الوحي النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، بالمكان الذي أخفيا فيه الجمل، فوبّخهما وردّ الجمل على العجوز، وتألّفهما على الإسلام.

ثمّ كان معاوية في تبوك، وحاول مع أبيه اغتيال النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، في عقبة تبوك، ولكنّ الله تعالى سلّم.

وقصة الاغتيال تلك ذكرها الله تعالى في كتابه بقوله ﴿وهموا بما لم ينالوا﴾، وكان مع أبي سفيان ومعاوية آخرون بلغوا أربعة عشر رجلاً، فلعنهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، ثمّ بعد عودة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من غزوة تبوك، أخرج الذين حاولوا اغتياله من المسجد، ولعنهم، وكان منهم أبو سفيان وابناه معاوية وعتبة! والسند صحيح.

ثمّ في عهد عثمان اجتهد في كنز الأموال من خلال عمله بالربا، واضطهاد الصالحين.

وفي عهد الإمام علي عليه السلام قتل (25) بدريّاً، ونحو (200) من أصحاب بيعة الرضوان بصفّين. ثمّ في عهده، لعن عليّاً عليه السلام على المنابر، واضطهد الأنصار، ونبش قبر حمزة، وأمر أحد العمال بضرب قدم حمزة الذي قتل جدّه عتبة، فانبعث الدم من قدمه. وأراد تخريب منبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، مرّتين، فأظلمت السماء، فترك ذلك، وذهب إلى الأبواء لينبش قبر أمّ النبيّ، ويطرحه في بئر، فأصابه الله باللقوة، فتوقف .

ثمّ كانت خاتمته أنّه تحقّق فيه قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (يموت معاوية على غير ملّتي)، والحديث صحيح على شرط مسلم، وقد صحّحت الحديث جامعة أمّ القرى.." انتهى.

أمّا بخصوص ما جاء في نهج البلاغة فقد حاول بعضهم الاستناد إليه ليقول: إنّ عليًّا عليه السلام لم يكفّر أهل الشام وحكم على إسلامهم وإيمانهم، فالذي وقع بينهم مجرّد اختلاف حول دم عثمان!!

وللردّ على ذلك نقول:

أوّلاً: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام حكم على ظاهرهم بالإسلام، ولم يقطع بإسلامهم، وشتّان بين الأمرين، أيْ بين أن نقول: فلان مسلم، وبين أن نقول: فلان ظاهره الإسلام، فكلّ من شهد الشهادتين حكم بإسلامه، وأهل الشام كانوا كذلك، يقول ابن أبي الحديد: والظاهر أنّ ربّنا واحد. كلام مَن لم يحكم لأهل صفّين من جانب معاوية حكماً قاطعاً بالإسلام، بل قال: ظاهرهم الإسلام، ولا خلف بيننا وبينهم فيه، بل الخلف في دم عثمان. (شرح نهج البلاغة ١٧/١٤٢).

ثانياً: هذا الكتاب الذي أرسله الإمام عليّ عليه السالم للأمصار هو من باب إقامة الحجّة على الكلّ، فمعاوية وشيعته يدّعون أنّ خلافهم هو فقط في خصوص دم عثمان ، وليس لهم طمع بحكم ولا ملك ولا خلافة، فأراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يلزمهم بدعواهم ليكشف للناس مكرهم وخبثهم، فدعاهم إلى حلّ الخلاف بالحوار والابتعاد عن القتال وسفك الدماء، فقال لهم في نفس الكتاب: فقلنا: تعالوا نداوي ما لا يُدرك اليوم بإطفاء النائرة وتسكين العامّة، حتّى يشتدّ الأمر ويستجمع، فنقوى على وضع الحقّ مواضعه. فقالوا: بل نداويه بالمكابرة. فأبوا حتّى جنحت الحرب، وركدت، ووقدت نيرانها، وحمست...

فرغم مجاراة أمير المؤمنين عليه السلام للقوم فيما ادّعوه إلّا أنّهم أبوا إلّا إيقاع الفتنة، والخروج على إمامهم المفترض الطاعة، وحمل السلاح في وجهه. وبعد أن وقعت الحرب ودارت الدائرة على أهل الشام رفعوا المصاحف وطالبوا بالحوار، ولمّا استجاب لهم أمير المؤمنين وأقام عليهم الحجّة تمادوا في الضلال، وحينها صرح أمير المؤمنين بضلالهم فقال في تتمّة الكتاب: فلمّا ضرستنا وإيّاهم – أي الحرب - ووضعت مخالبها فينا وفيهم، أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إليه، فأجبناهم إلى ما دعوا، وسارعناهم إلى ما طلبوا حتّى استبانت عليهم الحجّة، وانقطعت منهم المعذرة. فمن تمّ على ذلك منهم فهو الذي أنقذه الله من الهلكة، ومن لجّ وتمادى فهو الراكس الذي ران الله على قلبه، وصارت دائرة السوء على رأسه.

ثالثاً: هناك الكثير من الرسائل الأخرى بين الإمام عليّ ومعاوية، وهناك الكثير من الخطب والكلمات التي تكشف بوضوح عن موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من معاوية، ففي كلّ ما روي عن أمير المؤمنين لم تأتِ كلمة واحدة يمكن فهمها على أنّها مدح أو ثناء في حقّ معاوية، بل الثابت أنّ عليّاً كان يلعن معاوية ويدعو عليه في قنوته كما جاء في مرويّات أهل السنّة، ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه بسنده عن عبد الرحمن بن مغفل، قال: صلّيت مع عليّ صلاة الغداة، قال: فقنت، فقال في قنوته: اللّهُمّ عليك بمعاوية وأشياعه، وعمرو بن العاص وأشياعه، وأبا السلميّ وأشياعه، وعبد الله بن قيس وأشياعه" (المصنف ٢/٢١٦).

وقال الطبريّ في تاريخه: وكان إذا صلّى الغداة يقنت، فيقول: اللّهُمّ العن معاوية، وعمراً، وأبا الأعور السلميّ، وحبيباً، وعبد الرحمن بن خالد، والضحّاك بن قيس، والوليد . فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن عليّاً، وابن عباس، والأشتر، وحسناً، وحسيناً" (تاريخ الطبري ٤/٥٢).

وقال ابن حزم الظاهريّ: ولا قنت عليُّ حتّى حارب أهل الشام ، فكان يقنت في الصلوات كلّهنّ، وكان معاوية يقنت أيضاً ، يدعو كلّ واحد منهما على صاحبه. (المحلى ٤/١٤٥).

ويكفي أنّ معاوية حارب أمير المؤمنين لكي نحكم بضلاله، ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاريّ بسنده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار" (صحيح البخاري ٣/٢٠٧).

فقد وضّح الحديث وأكّد بأنّ طريق أمير المؤمنين عليه السلام هو طريق الجنّة والهداية، وطريق معاوية وأشياعه هو طريق النار والغواية، فهل بعد ذلك يشكّك العاقل في ضلال معاوية؟