هَلْ كانَ رسول الله (ص) يلقن معاوية القرآن عند نزول الوحي؟
خضير عبّاس علي البديريّ: هلْ كانَ معاويةُ فعلاً يجيدُ القراءةَ والكتابةَ ... وهل كانَ رسولُ اللهِ يُلقنهُ القرآنَ عندَ نزولِ الوَحيّ ... أليسَ هوَ مِنَ الطُّلقاءِ وأبوهُ وعددٌ كبيرٌ منْ قريشٍ ... وشكراً أرجو الإجابةَ.
الاخ خضيرالمحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَسَبَ الْمَنْقُولِ مِنَ التَّارِيخِ وَالسّيْرَةِ أَنَّ رِجَالَ مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَمِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ كَانُوا عَلَى مَعْرِفَةٍ لَا بَأسَ بِهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ حَيْثُ كَانُوا قِبَلَةَ الْعَرَبِ وَسَادَتَهُمْ وَمَحَطَّ أَنْظَارِهِمْ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ جَعْلُ النَّبِيّ الْأعْظَمِ ص مَعْرِفَتَهُمْ هَذِهِ فِدْيَةً لِإِطْلَاقِ سَرَاحِ أَسْرَى قُرَيْشٍ فِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ بِتَعْلِيمِ كُلِّ أَسيرٍ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ لَا يَعرِفُونَ الْقِرَاءةَ وَالْكِتَابَةَ وَإِلَّا دَفَعُوا فَدِيَةً مَالِيَّةً كَبِيرَةً وَهَذَا كَاشِفٌ عَنِ اِنْتِشَارِ الْقِرَاءةِ وَالْكِتَابَةِ فِي قُرَيْشٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا يَكُونُ مِنَ الْعَجِيبِ أَوِ التَّمَيُّزِ مَعرِفَةُ مُعَاوِيَةَ أَوْ غَيْرِهِ لِلْقِرَاءةِ وَالْكِتَابَةِ بَلْ هُوَ أَمْرُ مُطَّرِدٌ فِي أهْلِ مَكَّةَ وَلَيْسَ عَجِيبَاً بَلْ لَعَلَّ الْعَكْسَ هُوَ الْعَجِيبُ عِنْدَهُمْ
وأمّا مَسألةُ كِتابَةِ الوَحيِّ والقُرانِ الكَريمِ فَكانَ كَذلكَ مُطَّرِداً ومُنتَشِراً بَينَ جَميعِ النّاسِ فَقَد كانَ رَسولُ اللهِ ص يَتلوهُ على النّاسِ ولَمْ يَخّصَّ أحَداً بِكِتابَتِهِ ولا بِهذا اللَّقَبِ فلمْ يُعَيِّنْ رَسولُ اللهِ ص أحداً لِكتابَةِ الوَحيِّ دونَ غَيرِهِ ولا يوجَدُ أصلاً مُصطَلَحُ كُتّابِ الوَحيِّ بلْ كانَ الأمرُ مُشاعاً ومُتاحاً لِكُلِّ أحَدٍ يَعرِفُ الكِتابَةَ لِيَكونَ كاتِباً فَيَستعينُ بِهِ رَسولُ اللهِ ص في شؤونِهِ مِنْ كِتابَةِ القُرانِ أو كِتابَةِ الكُتُبِ أو الرَّسائِلِ للقَبائِلِ والأُمَمِ والمُلوكِ.
حيثُ يَشهدُ التّاريخُ بِعدمِ تَعيينِ وتَخصيصِ كُتّابٍ للوَحيّ مِنْ قِبَلِ رَسولِ اللهِ ص بلْ فَتَحَ البابَ لِلكُلِّ وأباحَ كِتابَةَ القُرانِ لِلجَميعِ حينَ قالَ ص: (لاتَكتبوا عَنّي غَيرَ القُرانِ ومَنْ كَتَبَ عنّي شَيئاً غيرَ القرانِ فَلِيَمْحُه). صحيحُ مُسلم (8/ 229) ومُسندُ أحمد(3/ 12و 21و 56).
قالَ الزَّرقانيّ في مناهِلِ العِرفانِ (1/ 171): عنْ ابنِ عباسٍ أنَّهُ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ إذا نَزَلَتْ عليهِ سورَةٌ دَعا بعضَ مَنْ يَكتُبُ فقالَ ضَعوا هذهِ السّورَةَ في المَوضِعِ الَّذي يُذكَرُ فيهِ كَذا وكَذا ... أمّا الصَّحابَةُ فقَد كانَ منهُم مَنْ يَكتبونَ القُرآنَ ولكنْ فيما تَيَسَّرَ لهُم مِنْ قِرطاسٍ أو كَتِفٍ أو عَظمٍ أو نحوِ ذلكَ بالمِقدارِ الّذي يبلُغُ الواحدَ عنْ رسولِ اللهِ ص.
ومِمّا يدُلُّ على عَدَمِ مَزِيَّةِ وفَضلِ كِتابةِ القُرانِ ما صَدَرَ مِنْ بَعضِ كَتَبَةِ الوَحي كَعَبدِ اللهِ بنِ سعدٍ بنِ أبي سَرْحٍ وهوَ مِنْ أقدَمِ مَنْ أسلَمَ وكَتَبَ لِلوَحي ولكنْ كُلُّ ذلكَ لم يُنَجِّهِ ولمْ يَعصِمْهُ مِنَ الرِّدَّةِ حَتّى جَعَلَهُ رَسولُ اللهِ ص طَريدَهُ بعدَ أنْ عَفى عنْ أهلِ مَكَّةَ عندَ فَتحِها سِوى إثنَينِ أو ثَلاثَةٍ قالَ عنهُم اقتُلوهُم ولَو رَأيتُموهُم مُتَعَلِّقينَ بأستارِ الكَعبةِ وابنُ أبي سَرْحٍ كاتِبُ الوَحي مِنهُم.
وكَذلكَ النَّصرانيُّ الَّذي أسلمَ في المدينةِ وكَتبَ الوَحيَ لِرسولِ اللهِ ص ثمَّ ارتَدَّ ولَمُ يَتَمَكَّنوا مِنْ دَفنهِ حَيثُ لَفَظَتْهُ الأرضُ عِدَّةَ مرَّاتٍ حتّى تَرَكوهُ بِلا دَفنٍ!
فَهذانِ الشّخصانِ لمْ ينفعْهما ولمْ تُنجِهِما كِتابَتُهُما لِلوَحيّ أبداً!! فَكَيفَ نَتَصَوَّرُ المَزِيَّةَ والفَضلَ والمَدحَ لِمثلِ مُعاويةَ إذا قامَ حالُهُ حالُ غَيرهِ مِنْ أمثالِ هؤلاءِ بِكتابةِ الوَحيّ -الَّذي لا نُسَلِّمُ بِحصولِهِ- بلْ لا دَليلَ على ثُبوتهِ لهُ خُصوصاً مَعَ تأخُّرِ إسلامهِ إلى فَتحِ مَكَّةَ أي بَعدَ نُزولِ القُرانِ بِعشرينَ سَنَةً وكَثرةِ ووَفرَةِ مَنْ كانَ يَكتبُ لِرَسولِ اللهِ ص حينَها مِنَ المُهاجرينَ والأنصارِ؟!
هذا وقَدْ إعتَرَفَ القومُ بِكذبِ هذهِ الخُرافةِ وهذهِ المَزِيَّةِ المَكذوبةِ مِنْ كَونِ مُعاويةَ كاتِباً للوَحيّ؛ خُذْ مَثَلاً ما قالَهُ الذَّهبيُّ وهوَ تِلميذُ ابنُ تيميَّةَ الأمويّ في تاريخِ الإسلامِ (4/ 309) وكذلكَ ابنُ حَجَرٍ في الإصابةِ(6/ 121): كانَ زيدٌ بنُ ثابتٍ يَكتُبُ الوحيَ وكانَ معاويةُ يكتبُ للنَبيّ ص فيما بينٍهُ وبينَ العَرَبِ.
ودمتم سالمين.
اترك تعليق