القولُ الفَصْلُ فيما جرى بينَ أميرِ المؤمنينَ الإمامِ عليٍّ (ع) وبين إمامِ الفئةِ الباغِيَةِ مُعَاويَةَ بنِ أبي سُفْيَان.
محمد/الاردن/: لو كانَ مُعَاويةُ ومَنْ معه كُفَّارَاً؛ فكيفَ جَزَمَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ بأنَّ قتلى الفريِقَيْنِ في الجنَّة؟! قَالَ ابنُ أبي شَيْبَة: [حدَّثَنَا عُمَرُ بنُ أيوبَ المَوْصِليّ، عن جَعْفرِ بنِ برقانَ، عن يزيدَ بنِ الأصمِّ، قَالَ: سُئِلَ عليٌّ عن قتلى يومِ صِفِّينَ، فقَالَ: قتلانا وقتلاهُم في الجنَّةِ، ويَصيرُ الأمرُ إليَّ وإلى مُعَاويَة].مصنف ابن أبي شَيْبَة ج21 ص423 وقَالَ الإمام محمد بن نصر المروزي: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ أَوْ يَوْمَ صِفِّينَ رَجُلا يَغْلُو فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ: ” لا تَقُولُوا، إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّا بَغَيْنَا عَلَيْهِمْ، وَزَعَمْنَا أَنَّهُمْ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ ” فَذَكَرَ لأَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمُ السِّلاحَ، فَقَالَ: ” مَا كَانَ أَغنَاهُ عَنْ ذَلِكَ “. تعظيم قدر الصلاة للمَروزي، ج2 ص544، ط مكتبة الدار – المدينة المنورة. حديث رقم: 517 وهذا سنَدٌ مُسَلْسَلٌ بأهلِ البيتِ عليهم السلام وهو جعفرُ الصَّادِقُ عن أبيِهِ مُحمَّدِ الباقِرِ عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهم جميعا.
الأخ محمد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورَد في سؤالِكَ بعضُ المُؤَاخَذَاتِ التي يَجِبُ بَيانُها وُصُولاً إلى حقيقةِ هذه القضية، وهي:
أولاً: المعروفُ عن عُلَماءِ الإمَامِيَةِ أنَّهم وصفُوا معاويةَ وفريقَهُ بأنَّهُم حزبُ الفئةِ الباغيَةِ تَبَعاً لوصفِ الرسُولِ صلى اللهُ عليْهِ وَآلِهِ لَمَّا قَالَ لِعمَّار :يا عمَّارُ تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ، وقد صَحَّ في التاريخِ أنَّ مَنْ قتَلَهُ جيشُ مُعاوِيَةَ ؛ لأنَّهم وقفُوا ضدَّ الحقِّ وسلَكُوا مسلكَ الباطِلِ في دعواهم كما يعرفُ ذلك العلماءُ المُنْصفونَ، وأهلُ التحقيقِ، فاستحقُوُا هذا اللَّقبَ عن جدَارَةٍ، بظلمهم أنفسهم، قَالَ تعالى :( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
وثانياً: استنادُكَ إلى الحديثِ الذي روَاهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ في هذا المقام لا ينْفعُكَ؛ وذلك لأنَّ هذا الحديثَ وإنْ كانَ رجالُهُ ثُقاتٍ، لكنَّه لا يَصُحُ عن أميرِ المؤمنينَ الإمام عليٍّ عليهِ السَّلامُ؛ لأنَّ يَزيِدَ بنَ الأصمّ لا يَصحُ حديثُهُ عَنْ أميرِ المؤمنينَ الإمام عليٍّ عليهِ السَّلامُ، كما نَصَّ على ذلك الذَّهبيُّ في ترجمةِ يَزيِدَ بنَ الأصمّ في كتابِهِ سِيَرُ أعلَام النُبَلاء، رقم الترجمة (٥٧٩)، وكذلك المزِّي نَصَّ على ذلك في ترجمته في تهذيب الكمال، رقم الترجمة (٧٥٥٦).
وثالثاً: استنادُك إلى الحديثِ الاخرِ الذي رواهُ محمَّدُ بنُ نصرٍ المَرْوزي بإسنادهِ إلى أميرِ المُؤمنِينَ عليْهِ السَّلامُ، لا يَصّحُ أيضاً؛ وذلك لوجودِ عِلَّتَيْنِ فيه، وهما :العِلَّةُ الأولى : في هذا الإسنادِ يُوجَدُ سُفيانُ الثوريُّ، وهو مُدَلِّس، وقد عَنْعَنَ حديثَهُ كما ترى، والعِلَّةُ الثانيةُ أنَّ الإمامَ محمداَ الباقرَ لَمْ يسمَعْ من جدِّهِ أميرِ المُؤمنِينَ عليْهِ السَّلامُ، وهذا الكلامُ بِناءً على ما قَالَه نُقَّادُ الحديثِ من أهل السُنَّةِ، وعليه: يبطُلُ الاستدلالُ في هذهِ القضيةِ بكلا الحديثين.
ودمتم سالمين.
اترك تعليق