ما هو رأيُ السيّد السيستانيّ حصراً بكتاب سليم بن قيس الهلاليّ؟ وهل يحقُّ لي في المسائل العقائدية التي لا يجبُ فيها التقليد إتّباع غير السيد السيستانيّ كما في قضيّة الزهراء عليها السلام؟
اريد رأي السيد السيستاني حصرا بكتاب سليم بن قيس و كذلك رأيه او مقال له حفظه الله حول قضية السيدة الزهراء و لي سؤال ثاني بالنسبة الى المسائل العقائدية هل يحق لي فيها عدم تقليد او اتباع رأي السيد السيستاني ؟ لان العقائد ما بيها تقليد ، يعني مثلا قضية السيدة الزهراء او غيرها من الامور العقائدية يصير مااتبع رأي السيد السيستاني بيها و ارجع الى علماء آخرين ؟
السلام عليكم ورحمة الله : أمّا ما يتعلّق بالشقّ الأوّل من السؤال فيتبيّنُ من خلال سؤال يحمل الرقم ( 17) موجّه إلى مكتب سماحة السيّد السيستانيّ دام ظلّه, جاء فيه: كتاب سليم بن قيس الهلاليّ العامريّ الكوفيّ صاحب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام, الذي قال الإمام الصادق عليه السلام عن كتابه: إنّه سرٌّ من أسرار آل محمّد, فما مدى صحّة هذا الكتاب؟ وماذا يقول العلماء عنه مع اختلاف طبعاته في الوقت الحاضر؟
الفتوى: في سنده إشكالٌ.
قلت: وموضعُ الإشكال يكمنُ في أنّ هذا الكتابَ الواصلَ إلينا له أكثر من طريق كلّها تنتهي إلى راوٍ واحد اسمه أبان بن أبي عيّاش, وهو متّفقٌ على ضعفه بين علماء الطائفة, إذ ضعّفه المفيد والنجاشيّ والطوسيّ وابن الغضائريّ, ويمكنك مراجعة كتاب (قبسات من علم الرجال) لنجل السيّد السيستانيّ دام ظلّه, السيّد محمّد رضا السيستانيّ (ج2/ص199 وما بعدها) لتقف على حقيقة هذا الأمر.
وأمّا الجواب عن الشقّ الثاني من السؤال, فنودُّ أنْ نطرح مقدّمة لا بُدّ منها يتبيّن من خلالها الجواب عن سؤالكم, فنقول: إنّه يمكن للإنسان المسلم أن يبحث وينقّب في بطون الكتب, ليتعرّف على مجريات الأحداث ويهتمَّ بها، ولكنْ في الوقت نفسه عليه أن يأخذ في اعتباره أنّ أحداث التاريخ في كثيرٍ من قضاياه ليست جزءاً من الدين والعقيدة من الناحية الشرعيّة, فأنت لا تُسأل أمام الله عزّ وجلّ عن تفاصيل أحداث التاريخ، وإنّما مطلوب منك كونك مسلماً أن تقرَّ بتوحيد الله تعالى, وبنبوّة النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله), ومطلوب منك كونك شيعيٌّ إماميٌّ أن تقرّ بإمامة الأئمّة الطاهرين عليهم السلام وأنْ تتولّاهم وتتبرّأ من أعدائهم, ولا يجب عليك أن تعرف تفاصيل حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام؟ أو أن تعرف تاريخ الولادة والوفاة وكيفيّتها؟ ولا أحدَ من علماء الشيعة يقول بوجوب معرفة تفاصيل سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله), وحياة الأئمة عليهم السلام, لأنّ هذه الأمور ليست جزءاً من العقيدة، وليس مطلوبًا منك أن تعرفها.نعم, بعض الوقائع والأحداث التأريخيّة لها تأثير في عقيدة المسلم, وهي من الأمور التي يجب تحصيلُ المعرفة بها من حيث العموم وليس معرفة كلّ تفاصيلها الجزئيّة, كالأحداث التي حصلت للزهراء عليها السلام في مسألة ظلامتها وظلامة بعلها وبنيها المعصومين سلام الله تعالى عليهم أجمعين, فهذه الأمور مِـمّا يترتّب عليها أمرٌ عقديٌّ وهو ضرورة التبرّي مِـمّنْ يقف وراء هذه الظلامات, عملاً بالنصوص المعتبرة الواردة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله), وآله الأطهار التي منها قوله (صلّى الله عليه وآله): فاطمة بضعة منّي, يغضبني ما يغضبها , ويريبني ما يريبها, أو قوله (صلّى الله عليه وآله), من سبّ عليّاً فقد سبّني, أو قوله أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم, ونحو ذلك.
ومن جهة أخرى، إذا كان هناك نصٌّ ثابتٌ عن المعصوم بحيث يكون إنكارك لذلك الحدث تكذيباً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله), أو تكذيباً للمعصوم عليه السلام, فهذا لا يجوز، أمّا إذا لم تكن المسألة نصّاً ثابتاً عن المعصوم، فهي محلّ بحث ونقاش وإثبات وردّ. وأمّا تفاصيل الأحداث والوقائع، كتاريخ ولادة الإمام ووفاته وكيفيّة الوفاة، أو الأحداث التي وقعت في كربلاء، وما جرى على العبّاس والسيّدة زينب عليهما السلام, وكيف كان وضعها في السبي، فهي أمور متروكة للبحث، فمن اقتنع بشيءٍ منها فله ذلك, ومن لم يقتنع فلا حرج عليه ، والمسلم غير مكلّف ببحث هذه المسائل، ولا يجب الإعتقاد بهذه التفاصيل.
إذا عرفت ما تقدّم فقضيّة الزهراء صلوات الله عليها وما جرى عليها من أحداثٍ تُعَـدُّ من قضايا التأريخ التي جاءت فيها الأخبار عن بعض المعصومين عليهم السلام, وعن غيرهم من الرواة, وهي على كلِّ حال تخضع لنظر المجتهد الجامع لشرائط الاجتهاد ونظره, فيقبل منها ما يؤدّيه إليه اجتهاده ويردّ منها ما يؤدّيه إليه اجتهاده, طبقاً لقوانين وضوابط معروفة بين أهل العلم قديماً وحديثاً, مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ مسألة ظلامة الزهراء عليها السلام تكاد تكون متّفقاً عليها من قبل علمائنا الأعلام قديماً وحديثاً, مع قطع النظر عن ثبوت كتاب سليم بن قيس أو عدم ثبوته, إذْ لا يوجد بين علمائنا خلافٌ في أنّ الزهراء عليها السلام قد هُدّد بيتها بالإحراق وحوصر من قبل جماعة من الصحابة مِـمّنْ غرّتهم الحياة الدنيا وطمعوا في حطامها, وذلك لأنّ هذه الأمور تُثبتها أحاديث أخرى من الفريقين السنّة والشيعة من غير طريق كتاب سليم كما هو معروفٌ, نعم بعض الأمور الجزئيّة ككسر الباب مثلاً حصل فيها خلافٌ, ولكنْ هذا الخلاف في هذه الأمور الجزئيّة لا يضرُّ بأصل القضيّة الثابتة وهي أنّ الزهراء عليها السلام كانت في بيتها الذي تمَّت مهاجمته وهدّد بالإحراق, وهذا بحدّ ذاته ظلم ما بعده ظلم لسيّدة نساء العالمين , ولمن كان غضبها غضباً لربِّ العالمين, وهو الذي أدّى بها في نهاية المطاف إلى أنْ تغضب على الخليفة الأوّل والثاني صراحةً كما في صحيحي البخاريّ ومسلم وبقيّة السنن والمسانيد, وهو أمرٌ لا ينكره إلا مطموس البصيرة معصوب العينين.ونرجو بذلك أنْ نكون قد وفّقنا لبيان هذا الأمر بهذه العبارات المختصرة. ودمتم سالمين.
اترك تعليق