هُناكَ روايةٌ تُنسبُ إلى الإمامِ الصّادقِ (ع) يقولُ فيها مضموناً: (إيّاكم والتّقليدَ فمَن قلّدَ في دينهِ هلك)، فهل هذهِ الرّوايةُ مُسندةٌ؟ وإنْ كانت كذلكَ فما توجيهُكم لها؟
بعدَ البحثِ في كُتبِ الحديثِ تبيّنَ لنا أنّ هذهِ الرّوايةَ مُرسلةٌ عن الإمامِ الصّادقِ (ع)، وليسَت مُسندةً وِفقاً لِـما يظهرُ مِن كلماتِ الشّيخِ المُفيدِ (أعلى اللهُ تعالى مقامهُ) في كتابيهِ (تصحيحُ اعتقاداتِ الإماميّة)، و(تفسيرُ القرآنِ المجيد)، وهكذا الحالُ معَ العلماءِ المُتأخّرينَ والمُعاصرينَ مِـمّن استدلّوا بهذهِ الرّوايةِ.
معَ التّنبيهِ على أنّ الإرسالَ في الرّوايةِ لا يقتضي ضَعفها دائماً، وخصوصاً إذا احتفّتِ الرّوايةُ نفسُها بشواهدَ وقرائنَ تُثبتُ صِحّتها كما هو معروفٌ بينَ أهلِ العلمِ، ومِن أهمِّ القرائنِ المُعتبرةِ في صحّة الرّوايةِ هي موافقتُها للقرآنِ العزيزِ والسّنّةِ المُطهّرةِ وعدمُ الإعراضِ عنها مِن قِبل علماءِ الطّائفةِ المنصورةِ، وما نحنُ فيهِ إنّما هوَ مِن هذا القبيلِ، إذْ أنّ هذهِ الرّوايةَ لَم يُعرضْ عنها أحدٌ مِن علماءِ الطّائفةِ الإماميّة، بل استدلَّ بها الشّيخُ المفيدُ (قدس) في موضعٍ مِن مواضعِ تصحيحِ اِعتقاداتِ الإماميّةِ، وموضعٍ آخرَ في تفسيرِ القُرآنِ المجيدِ، والشّيخُ المُفيدُ (قدس) هوَ علمٌ مِن أعلامِ الطّائفةِ الإماميّة والمشهودِ لهُ بالفقاهةِ والعلمِ والمعرفةِ بأحاديثِ المعصومينَ عليهم السّلام, فليسَ منَ المُناسبِ في حقّه أنْ يستدلَّ في هذينِ المقامينِ الخطيرينِ بروايةٍ غيرِ صحيحةٍ لإثباتِ ما يرومه، ففي أقلّ التّقاديرِ يُمكن القولُ: إنّها مِنَ الرّواياتِ المُسلّمةِ عندَ أصحابِنا، ولا إشكالَ فيها، ولِذا استمرَّ الحالُ في التّعاملِ معَ هذهِ الرّوايةِ إلى يومنا هذا مِن دونِ نكيرٍ، وذلكَ لأنَّ متنَ هذهِ الرّوايةِ ليسَ فيهِ ما يُنكر، بَل هُناك شواهدُ كثيرةٌ منَ القرآنِ والسّنّةِ تُؤيّد ما وردَ في أصلِ هذهِ الرّوايةِ، إذْ أنَّ المقصودَ بالتّقليدِ الذي حذّرَ منه الإمامُ الصّادق ( ع ) في أمورِ الدّينِ، بقولهِ : إيّاكم والتّقليدَ، هوَ التّقليدُ الأعمى سواءٌ أكانَ ذلكَ في العقائدِ مِن أصولِ الدّينِ الخمسةِ، أم كانَ فيما يتفرّعُ مِنها مِن سائرِ المعارفِ الإسلاميّةِ كالقضاءِ والقدرِ والجبرِ والاختيارِ وأمثالها، أم كانَ فيما أحلَّ اللهُ أو حرّم بغيرِ بيّنةٍ أو دليلٍ، أم كانَ في اختيارِ فرقةٍ منَ الفرقِ الإسلاميّةِ إلّا بعدَ التّأكّدِ مِن نجاتها، لا تبعاً للآباءِ أو لغيرهم.
وإنّما عُـدَّ هذا النّوعُ منَ التّقليدِ الأعمى، لأنّه تقليدٌ لغيرهِ بغيرِ دليلٍ صحيحٍ، أمّا إذا أقامَ المُدّعي على شيءٍ من ذلكَ دليلاً صحيحاً مِن كتابٍ ظاهرِ الحُجّةِ أو سنّةٍ ثابتةٍ أو إجماعٍ أو عقلٍ، فحينئذٍ لا يكونُ تقليداً لغيرهِ، بَل يكونُ رجوعاً إلى الدّليلِ الشّرعيّ.
ودمتُم سالِمينَ غانمينَ.
اترك تعليق