ما صحّةُ سندِ (زيارةِ عاشوراء)، إن أمكنَ ذكرُ أقوى الرّواياتِ المُعتبرة فيها والدّالةِ عليها بالتّفصيلِ الرّوائيّ؟

: اللجنة العلمية

أقولُ وردَت زيارةُ عاشوراء مِن عدّةِ طرقٍ مُختلفةٍ، وفيما يلي بيانُ أهمّها:

الطّريقُ الأوّلُ: رواهُ الشّيخُ الطّوسيّ (قدس) في كتابهِ (المصباح)، عَن محمّدٍ بنِ خالدٍ الطّيالسيّ، عَن سيفٍ بنِ عميرة، قالَ: «خرجتُ معَ صفوانَ بنِ مهران الجمّالِ ـ وعندنا جماعةٌ مِن أصحابنا ـ إلى الغريّ بعدما خرجَ أبو عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام)، فسِرنا مِنَ الحيرةِ إلى المدينةِ، فلمّا فرغنا منَ الزّيارةِ صرفَ صفوانُ وجههُ إلى ناحيةِ أبي عبدِ اللهِ الحُسينِ عليهِ السّلام ، فقالَ لنا: تزورونَ الحُسينَ (عليهِ السّلام) مِن هذا المكان مِن عندِ رأسِ أميرِ المُؤمنينَ (عليهِ السّلام)، مِن ها هنا أومأ إليهِ أبو عبدِ اللهِ الصّادق (عليهِ السّلام) وأنا معهُ، قالَ: فدعا صفوانُ بالزّيارةِ التي رواها علقمةُ بنُ محمّد الحضرميّ عن أبي جعفرٍ (عليهِ السّلام) في يومِ عاشوراء، ثمَّ صلّى ركعتينِ عندَ رأسِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام)، وودّعَ في دبرها أميرَ المؤمنين، وأومأ إلى الحُسين بالسّلام مُنصرفاً وجههُ نحوهُ وودّع. وكانَ فيمَا دعا في دُبرها: يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ، يا مُجيبَ دعوةِ المُضطرّين...».

دراسةُ سندِ هذا الطّريق

ودراسةُ سندِ هذا الطّريقِ ستكونُ أوّلاً ببيانِ طريقِ الشّيخِ الطّوسيّ إلى محمّدٍ بنِ خالدٍ الطّيالسيّ، وثانياً ببيانِ حالِ رواتهِ من حيثُ الجرحُ والتّعديل.

فأمّا طريقُ الشّيخ الطّوسيّ إلى محمّدٍ بنِ خالدٍ الطّيالسيّ، فقَد بيّنهُ الطّوسيّ نفسهُ في كتابهِ (الفهرست) بقولهِ: محمّدٌ بنُ خالدٍ الطّيالسي: «لهُ كتابٌ رويناهُ عنِ الحُسينِ بنِ عُبيدِ الله، عَن أحمد بن محمّد بن يحيى، عَن أبيهِ عن محمّد بن عليّ بن محبوبٍ عنهُ.

قلتُ: ورجالهُ كلّهُم ثقاتٌ، سِوى أحمد بنِ محمّد بن يحيى, إذْ ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنّهُ مجهولُ الحالِ، بدعوى عدمِ ورودِ نصٍّ صريحٍ في توثيقهِ، ولكِنَّ جمهورَ العلماءِ يذهبُ إلى الاعتمادِ عليهِ، لعدّة أماراتٍ وقرائن تثبتُ ذلكَ، مِنها: أنّهُ كانَ شيخاً للصّدوقِ وقَد ترضّى عنهُ، ومِنها أنّ أستاذَ النّجاشيّ أبا العبّاسِ السّيرافيّ ذكرهُ في الطّرقِ التي كان يُعوّلُ عليهَا الأصحابُ في روايةِ كتبِ الحسينِ بنِ سعيدٍ الأهوازيّ, كما في ترجمةِ الحسنِ بن سعيدٍ الأهوازيّ في كتابِ رجالِ النّجاشيّ. ولذا وثّقه العلّامة الحلّيّ في الفائدةِ الثّامنة مِن خاتمةِ الخُلاصةِ، ووثّقهُ الشّهيدُ الثّاني في الدّراية، وكذلكَ السّماهيجيّ، والشّيخُ البهائيّ وغيرهم.

وأمّا بقيّةُ الرّواةِ فسيفٌ بنُ عميرة ثقةٌ، وهكذا حالُ صفوانَ بن مهرانَ الجمّالِ، وأمّا محمّدٌ بن خالدٍ الطّيالسي فلَم يرِد فيهِ جرحٌ مِن أحدٍ مِنَ القُدماءِ والمُتأخّرينَ، وكذلكَ لَم يرد فيهِ تعديلٌ صريحٌ، ولكِنْ يرى كثيرٌ منَ العُلماءِ بأنّ هناكَ قرائنَ تحومُ حولَ هذا الرّاوي تجعلُ مِن حديثهِ في حيّزِ المَمدوحينَ الذين يُحسّنُ حديثُهم، فمِن هذهِ القرائنِ أنّه روى عنهُ جُملةٌ مِن أجلّاءِ أصحابِنا، مثلُ مُحمّدٍ بنِ عليّ بنِ محبوب، وعليّ بنِ الحسن بن فضّال، وسعدٍ بن عبدِ الله، وحميدٍ بن زيادٍ، وهُم جميعاً مِن ثقاتِ الأصحابِ. ومِنها أيضاً أنّ أحدَ هؤلاءِ الثّقات وهوَ حميدٌ بن زياد قَد روى عنهُ أصولاً  كثيرةً كما ذكرَ ذلكَ الطّوسيّ في رجالهِ في ترجمةِ محمّد بنِ خالد الطيالسيّ.

والأصولُ هي التي يعتمدُها العلماءُ في مواردِ الرّوايةِ والفتوى كما هوَ معروفٌ بينَ أهلِ العلمِ، ولِذا يقولُ المُحقّقُ المامقانيّ في ترجمتهِ: وظاهرُها كونهُ إماميّاً، ويمكنُ اتّصافهُ بأدنى درجاتِ الحُسن باعتبارِ روايةِ الأجلّةِ عنه. 

الطّريقُ الثّاني: رواهُ الشّيخ أبو جعفرٍ الطّوسيّ في المصباحِ بسندهِ إلى محمّد بنِ إسماعيلَ بنِ بزيعٍ عَن صالحٍ بن عُقبة وسيفٍ بن عميرةَ عن علقمةَ بن محمّدٍ الحضرميّ عَن أبي جعفرٍ الباقرِ عليهِ السّلام. 

 دراسةُ سندِ هذا الطّريقِ

قلتُ: طريقُ الشّيخِ إلى ابنِ بزيعٍ صحيحٌ وإنْ كانَ فيه ابنُ أبي جيّد القُمّيّ، لأنّهُ ثقةٌ مِن مشايخِ النّجاشي،

وأمّا محمّدٌ بنُ إسماعيلَ بن بزيع، فقَد وثّقه النّجاشيّ والطّوسيّ، وأمّا صالحٌ بنُ عُقبةَ فقَد اتّهمهُ ابنُ الغضائريّ بالكذبِ، وأمّا الطّوسيّ والنّجاشيّ فترجماهُ في كتابيهِمَا ولَم يُوردا في حقّهِ جرحاً ولا تعديلاً، ثمّ إنّهُ لَم ينفرِد بحديثهِ هذا بَل شاركهُ فيهِ سيفٌ بنُ عميرةَ وهوَ ثقةٌ تقدّمَ الكلامُ فيهِ، وأمّا علقمةُ بنُ محمّد الحضرميّ فهوَ مجهولٌ، إذْ لَم يرِد فيهِ جرحٌ ولا تعديل.

وعليهِ فهذا السّندُ ضعيفٌ، لجهالةِ حالِ الحضرميّ، وهذا لا يضرُّ بحديثهِ في هذا الموضعِ، لأنَّ حديثهُ على كلِّ حالٍ مؤيّدٌ بالطّريقِ الأوّل.

ثمَّ إنّ هذهِ الزّيارةَ رواها المُحدّثُ الثّقةُ الجليلُ أبو القاسمِ جعفرٌ بنُ محمّدٍ بن قولويه المُتوفّى سنةَ 368هـ، في كتابهِ (كاملُ الزّياراتِ) في البابِ (71) في الصّفحةِ (325)، بابُ ثوابُ مَن زارَ الحُسينَ عليهِ السّلام في يومِ عاشوراء، طبعةُ نشرِ الفقاهةِ.

وكتابُ كاملِ الزّياراتِ يُعَـدُّ منَ الكُتبِ المشهورةِ والمعروفةِ بينَ الأصحابِ، ومِن أهمِّ المصادرِ المُعتمدِ عليها، ولا خلافَ في ذلكَ بينَ عُلمائنا المُتقدّمينَ أو المُتأخّرينَ أو المُعاصرينَ, وذلكَ لأنَّ الشّيخَ ابنَ قولويه نفسهُ شهدَ بأنّ أحاديثَ كتابهِ هذا مأثورةٌ عَن طريقِ الثّقاتِ المعروفينَ بالرّوايةِ المشهورينَ بالحديثِ والعلمِ)، بقولهِ: (وقَد علِمنا أنّا لا نحيطُ بجميعِ ما رويَ عنهُم في هذا المعنى ولا في غيرهِ ، لكِن ما وقعَ لنا مِن جهةِ الثّقاتِ مِن أصحابنا رحمهم اللهُ برحمتهِ ، ولا أخرجتُ فيهِ حديثاً رويَ عنِ الشّذّاذِ منَ الرّجالِ، يؤثرُ ذلكَ عنهُم عن المذكورينَ غيرَ المعروفينَ بالرّوايةِ المشهورينَ بالحديثِ والعلمِ). 

هذا ما لدينا في خصوصِ زيارةِ عاشوراء.

ودمتُم سالِمينَ.