هل تقول الروايات للشيعة: أفعلوا ما شئتم، ثمّ زوروا الحسين وينتهي كلّ شيء"؟!

: السيد علي الحسيني

مقدمة:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يشاع بين الناس من داخل الوسط الإيماني وخارجه تساؤلٌ إشكالي، مفاده:إنّ الأحاديث التي يرويها الشيعة بشأن زيارة الحسين، والبكاء عليه؛ تستلزم تهوين الذنوب، وتفتح باب التمادي على أحكام الله تعالى، وتقتضي عدم الاكتراث بالمعاصي، وتفتح شهية العصاة، وتجرؤهم على أفعالهم، وتزرع في نفوسهم الاستخفاف بالذنوب، والاستهانة بالمعاصي، والاستخفاف بالموبقات، ولكأنّها تقول: افعلوا ما شئتم ثمّ زوروا أو ابكوا الحسين وينتهي كل شيء!!، فهل يعقل أنّ  مجرّد الدمعة أو الزيارة تدخل الانسان الجنة ؟!

وجواباً عن ذلك، هنا ستة تعليقات:

أولاً- هذه الأحاديث الصحيحة، والنصوص الثابتة عن النبي وأهل بيته(صلوات الله عليهم أجمعين) لم يروها الشيعة فقط، وهي ليست خاصّة بهم، ولا من متفرداتهم، بل نقلها المسلمون طُرّاً بما فيهم أهل السنة والجماعة أيضاً..وعلى سبيل المثال دون الحصر: روى أحمد ابن حنبل(المتوفى: 241هـ) في فضائل الصحابة بإسناد متصل صحيح عن الإمام الحسين(عليه السلام) أنّه كان يقول: " مَنْ دَمَعَتَا عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً، أَوْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً، أَثْوَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ "(فضائل الصحابة ج2ص675ح1154 ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، الطبعة: الأولى، 1403 – 1983 ، تحقيق : د. وصي الله محمد عباس ). 

ثانياً- وينقض على هذا الطرح بأحاديث من السنة مثل ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله)  قوله : " مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ " .فضلاً عن ذلك هناك آيات قرآنية مشابهة من قبيل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء : 48]

ثالثاً- على أنّ معظم أحاديث  زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) ترهن ترتّب الأثر، وتقيّد الزيارة بعبارة " عارفاً بحقه"  وقد ورد في الحديث ما يوضّح المقصود، ويرفع الإلتباس، فقد روى ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "من زار الحسين(عليه السلام) عارفا بحقه: يأتم به؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". وظاهر قوله: "يأتمُّ به" هو اتباعه سلام الله عليه، والاقتداء به، و عدم كفاية الاعتقاد والزيارة وحسب في ترتيب الأثر، وهذا هو المسلك الحقّ في أنّ العمل جزءٌ من الإيمان، وأنّ الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول، أو كما في الحديث المعروف: الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.

رابعاً- إنّ الإخبار عن دخول الجنة، أو استحقاقها؛ لا ينفي وقوع العذاب قبله، على أنّ للعذاب أنواع، فمنه مثلاً: عذاب الحسرة، ولهذا ذكر القران من اسماء يوم القيامة " يوم الحسرة " لتحسر الكافر على كفره والمسيء على اساءته والمحسن لقلة بضاعته واحسانه . و كما أنّ للجنة درجات ، فللعذاب والنار دركات .

خامساً- البكاء اقتضائي للجزاء كدخول الجنة لا علة تامة له ، بمعنى أنّ تأثير البكاء على الإمام الحسين في دخول الجنة كتأثير الوقود في المحرك ، وتأثير النار في إحراق الورقة، فلا يتم كلّ ذلك مالم تتوفر الشروط وتنتفي الموانع، بل حتى لو قبلنا أنّ البكاء علة تامة كافية لدخول الجنة فلن يترتب اللازم المذكور في الإشكال، أعني لا يترتب عليه الاستهانة بالمعاصي؛ لسبب واضح، وهو عدم ضمان العاصي لحياته حين المعصية وبعدها قبل البكاء !

سادساً- وأمّا الكلام عن عدم معقوليّة هذه الأحاديث فينجرّ في الحقيقة إلى جميع ما ورد عن الشارع المقدس بخصوص الجزاء على العمل، فهي جميعاً لا تخضع لمعيار المساواة بين عمل الانسان في الدنيا مهما بلغ، وبين الجنة التي عرضها السموات والارض وفيها ما لاعين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على بال احد ، ولهذا ندعو " اللهم لا تعاملنا بعدلك ".أضف إلى ذلك: اختلاف الهبات باختلاف كمال الواهب ومقامه، وترتقي وتتضاعف إلى أن نصل إلى أجود الأكرمين، وأكرم الأجودين، وعندها: نفقد معيار المقايسة بين الثواب و العمل، وينظر للعطايا بالقياس إلى المعطي ويلحظ فيه كرم الواهب، و وجود المعطي، وكما يقال في المثل : إنّ الهدايا على مقدار مُهديها ( ) وفي غير أكثر من آية يؤكد القرآن ما نقول من أنّ الجزاء الإلهي عطاء غير محدود يفوق العمل بما لا يتناهى عمل الإنسان : منها : قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 261] 

 

([1]) وهو في الأصل شطر في شعر :

جاءت سليمان يوم العرض هدهدةٌ ... أهدت إليه جراداً كان في فيها وأنشدت بلسان الحال قائلةً: ... إنَّ الهدايا على مقدار مهديها لو كان يهدي إلى الإنسان قيمته ... لكان يهدى لك الدنيا وما فيها