ما هو ردكم على المشككين بالتقليد والاجتهادِ
( 615 )/ظهرت في الأعوامِ القليلةِ حركاتٌ مشبوهةٌ تدّعي أنّهم رواةُ الحديثِ وأنّهم أولياءُ المهديّ المُنتظر (عج)، فهُم يستشكلونَ علينا في التقليدِ والاجتهادِ والظنّ، كما أنّهم يرسلونَ إلينا بعضَ الأحاديثِ التي تنهى عن التقليدِ والاجتهادِ والظنّ، فما هو ردُّكم عليهم كونهم يستهدفونَ علماءَ التقليدِ في وقتِنا الحالي؟
السّلام عليكم ورحمة الله،
بدايةُ ظهورِ هذه الحركاتِ والجماعاتِ تقريباً كان في سنةِ 2000ميلاديّة، في مدينةِ الحلّةِ، وتحديداً في مناطقِ الأكرمينَ والمُهندسينَ والعسكريّ، ومناطقِ النيلِ وأطرافِها، وأغلبُ المروّجينَ لأفكارِ هذه الحركاتِ والجماعاتِ كانوا من عمّالِ البناءِ، وكانوا يستهدفونَ الأشخاصَ السذّجَ الذينَ ليسَ لديهم خلفيّةٌ علميّةٌ من الموظّفينَ وغيرِهم، ويستخدمونَ معهم أسلوبَ الأحلامِ والرّؤى، فإذا أرادوا كسبَ أحدِ الأشخاصِ مثلاً ، ذهبوا إليهِ وأخبروه بأنّ أحدَ جماعتِهم رأى عنهُ رؤيا جيدة في المنامِ توضّحُ حقيقةَ محبّتِه للزهراءِ عليها السّلام أو لأحدِ أولادِها المعصومينَ سلامُ اللهِ عليهم أجمعين، فيستغلّونَ محبّةَ النّاسِ وتعاطفَهم معَ أهلِ بيتِ النبوّةِ بهذا الأسلوبِ، فإذا رأوا مِن ذلكَ الشّخصِ الإنبساط والإستعدادَ والتقبّلَ لِـما يقولونَه له ، فحينئذٍ يقومونَ ببثّ أفكارِهم المسمومةِ له وتلويثِ عقلِه عن التقليدِ ومراجعِ الدّين وعن كلِّ ما له صلةٌ بالحوزةِ العلميّةِ ورجالِها، ليبعدوهُ عن هذا الجوّ العلميّ، وفوقَ هذا يصلُ بهم الأمرُ إلى أن يشاركوا أولئكَ الأشخاصَ المغرّرَ بهم في أموالِهم وفي أمورِ معاشِهم وتدبيرِ شؤونِهم، حتّى إنّ بعضَهم حدّثني - بعدَ أن كشفَ زيفَهم – أنّ أحدَهم كانَ يخبرُه بأنّ الزهراءَ عليها السّلام جاءَته في المنامِ وطلبَت منهُ أن يذهبَ إلى فلانٍ المُغرّرَ به ليطلبَ منه جزءاً مِن راتبه ، فتارةً يكونُ المبلغُ ربعَ راتبه وتارةً نصفَ راتبه وتارةً ثلاثةَ أرباعِ راتبه، وهوَ عليهِ أن يعطي ذلكَ عن طاعةٍ وإنقيادٍ ، مِن دونِ مناقشةٍ أو تشكيكٍ في هذا الطلبِ، ثمَّ يحذّروَنه أنّ أيَّ أحدٍ من أفرادِ عائلتِه غيرُ مسموحٍ له بالاعتراضِ على ذلكَ سواءٌ أكانَ المُعترضُ زوجتَه أم أبيه أم أخيه، وإلّا فإنّهم سيخرجونَه من مجموعتِهم الولائيّةِ على حدّ زعمِهم، ولهُم طقوسُهم الخاصّةُ في الزّياراتِ والعباداتِ التي ما أنزلَ اللهُ تعالى بها مِن سلطانٍ، فإذا أرادَ أحدُهم مثلاً أن يزورَ الحسينَ عليه السّلام، فغيرُ مسموحٍ له بالزّيارةِ إلّا بإذنٍ منهم، وهكذا الحالُ إذا أرادَ أحدُهم أن يقومَ بعملٍ ما فلا بدَّ من استشارتِهم وأخذِ رأيهم ، وإلّا فلا يسمحُ له بذلك، ومن عادتِهم أن يزوروا الحسينَ (ع) في جماعاتٍ، ولكنّهم في بعضِ الأحيانِ لا يصلونَ إلى مقامِ الحُسينِ عليهِ السّلام الشريفِ، وإنّما يقفونَ في مكانٍ بعيدٍ في أراضٍ خاليةٍ بعدَ منطقةِ طويريج بادّعاءِ أنّ هذا ما يريدُه الإمامُ وهُم عليهم أن يُطيعوا ذلكَ، ثمّ يأمرونَ جماعتَهم بالسّلامِ على الحُسينِ عليه السّلام مِن بعيدٍ، ويطلبونَ منهم أكلَ الخبزِ اليابسِ والملح من بابِ الزّهدِ والتقشّفِ في أمورِ الدّنيا، وبعدَ ذلكَ يعودوَن إلى بيوتِهم ويحذّرونَهم من التحدّثِ فيما كانوا يفعلونَه ، ومِن أهمِّ ما عُرفَت به هذهِ الجماعاتُ المشبوهةُ هي حربُها الإعلاميّةُ ضدّ مراجعِ الدّينِ ورجالِ الحوزةِ العلميّة، فكانوا يُشوّهونَ صورةَ رجلِ الدّينِ ويكيلونَ له كلَّ التّهمِ المدسوسةِ ، ليجعلوا من أبناءِ منطقتِه ينفرونَ منه، فلا يقبلونَ لهُ قولاً ولا فعلاً، وهكذا هو حالهم معَ كلِّ مَن وقفَ ضدّهم وناقشَهم وبيّنَ زيفَ ما هم عليه، وكانت حجّتُهم في منعِ التقليدِ تمسُّكهم ببعضِ الرّواياتِ التي رأوها في كتابٍ مُعيّن، كالرّوايةِ المرويّة عن الإمامِ الصّادقِ (ع) التي يقولُ فيها: إيّاكم والتّقليدَ فمَن قلّدَ في دينهِ هلك، وهذه الرّوايةُ لا علمَ لهذه الجماعاتِ الضالّةِ بمعاني ألفاظِها ولا المقصودِ منها، لأنّ هذهِ الجماعات ليسَت مِن أهلِ العلمِ ولا هي مِن أتباعِه، فلذا ترى التخبّطَ في أقوالِهم وأفعالِهم واضحاً كوضوح الشمسِ في رائعةِ النهار، ذلكَ بأنَّ المقصودَ بالتّقليدِ الذي حذّرَ منه الإمامُ الصّادق (ع) في أمورِ الدّينِ، بقولهِ : إيّاكم والتّقليدَ، هوَ التّقليدُ الأعمى سواءٌ أكانَ ذلكَ في العقائدِ مِن أصولِ الدّينِ الخمسةِ، أم كانَ فيما يتفرّعُ مِنها مِن سائرِ المعارفِ الإسلاميّةِ كالقضاءِ والقدرِ والجبرِ والاختيارِ وأمثالها، أم كانَ فيما أحلَّ اللهُ أو حرّم بغيرِ بيّنةٍ أو دليلٍ، أم كانَ في اختيارِ فرقةٍ منَ الفرقِ الإسلاميّةِ إلّا بعدَ التّأكّدِ مِن نجاتها، لا تبعاً للآباءِ أو لغيرهم.
وإنّما عُـدَّ هذا النّوعُ منَ التّقليدِ الأعمى، لأنّه تقليدٌ لغيرهِ بغيرِ دليلٍ صحيحٍ، أمّا إذا أقامَ المُدّعي على شيءٍ من ذلكَ دليلاً صحيحاً مِن كتابٍ ظاهرِ الحُجّةِ أو سنّةٍ ثابتةٍ أو إجماعٍ أو عقلٍ، فحينئذٍ لا يكونُ تقليداً لغيرهِ، بَل يكونُ رجوعاً إلى الدّليلِ الشّرعيّ.
وفي نهايةِ المطافِ ننصحُ جميعَ الأخوةِ ألّا يدخلوا مع هذهِ الجماعاتِ المشبوهةِ في نقاشاتٍ عقيمةٍ، لا تسمنُ ولا تُغني من جوع، لأنّ هذهِ الجماعاتِ مُعَدَّةٌ مسبقاً لأداءِ وظيفةٍ معُيّنةٍ باتت واضحةً لكلِّ ذي عينين، وهيَ إبعادُ أتباعِ أهلِ البيتِ عليهم السلّام عَن مرجعيّاتِهم الرشيدةِ التي كانَ أعداءُ الإسلامِ عموماً وأعداءُ أهلِ البيتِ خصوصاً يسعونَ إلى ذلك بوسائلَ شتّى ولا يزالونَ، ولن تفلحَ محاولاتُهم بإذنِ اللهِ تعالى ما دُمنا متمسّكينَ بتعاليمِ اللهِ عزّ وجلّ وسنّةِ المعصومينَ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، فنسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أن يحفظَ الدينَ وأهله ومراجعَنا العظامَ من كيدِ الخائنينَ والعابثينَ والمدسوسينَ والمنافقين، إنّه على ما يشاءُ قدير وبالإجابةِ جدير، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين. ودمتُم سالمين.
اترك تعليق