لماذا لا يستجسب الإله لطفل يموت من الجوع؟
السؤال: الإله الذي لم يستجب لطفل يموت من الجوع ولا لامرأة حامل تموت بسبب الولادة ولا لفتاة تغتصب، لن يهتم باستجابة دعائك السخيف حول امتحان الفيزياء ولا حول المهنة التي ترجوا الحصول عليها في مصنع ما!! لكن غرور الإنسان يدفعه دوماً للاعتقاد أنه الأوفر حظاً من الآخرين.
الجواب:
أولاً: في قبال هذا الطفل الذي يموت من الجوع، والمرأة التي تموت في الولادة، والفتاة التي تُغتصَب: هناك ملايين الأطفال والنساء والفتيات الذين حفظهم الله، ودفع عنهم المكروه. والأصل في الحياة البشريّة هو عدم موت الأطفال من الجوع وموت النساء في الولادة واغتصاب الفتيات، فلو كان ذلك هو الأصل لانقرضت البشريّة منذ زمن.
وعليه، فإنّ كلّ ذلك يمثل استثناءً لا يمكن فهمه إلّا ضمن السياق العام لطبيعة الحياة الإنسانيّة، فالأصل في الحياة هو الخير، والأصل هو رحمة الله ونعيمه وفضله، والشرّ هو الاستثناء العارض بسبب ما جناه الإنسان على نفسه، يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}.
وإذا كان الله - بحسب زعم هذا المعترض - هو الذي لـم يستجب لهذا الطفل الجائع أو تلك المرأة الحامل، فلابدّ في المقابل أن يقرّ ويعترف بأنّ الله هو الذي استجاب لكلّ الأطفال الذين لـم يموتوا من الجوع، أو كلّ النساء اللاتي لـم يمتن في الولادة، وحينها يجب أن تكون صيغة السؤال كالتالي: لماذا استجاب الله للأكثريّة ولم يستجب للبعض؟ وعندها ينحصر البحث في فلسفة الدعاء وشروط استجابته، وليس في إنكار الدعاء من الأساس.
ثانياً: الله تعالى هو مطلق الكمال والخير والجمال، وقد تجلّـى ذلك في خلقه لهذا الكون بما فيه من إحكام وإتقان، وقد تفضّل الله على الإنسان بتسخير كلّ ما في هذا الوجود من أجل أن يعيش فيه بسعادة ورفاه.
وعليه، كلّ ما يصدر من الإنسان من ظلمٍ وعنف وإجرام ليس إلّا استغلالاً خاطئاً بسبب أنانيّة الإنسان التي تؤدّي في النهاية إلى إفساد ما في الكون من خيرٍ وكمال وجمال؛ وذلك أنّ الله أوجد الكون وخلق الإنسان من أجل تكليفه بإقامة الحقّ والعدل في الأرض، ولا تُفهَم فلسفة وجود الإنسان ضمن هذا الإطار إلّا إذا كان الإنسان يمتلك إرادة تمكّنه من تحقيق ما كُلِّف به، فكون الله مريداً لا يعني أنّ الإنسان ليس له إرادة، والخلط بين الإرادتين أو نفي أحدهما يؤدّي إلى فهمٍ مشوّه لفلسفة الوجود وخلق الإنسان.
وعليه، كلّ ما يتمّ رصده في المجتمع من مظالـمٍ فهو يتعلّق بإرادة الإنسان بشكل مباشر، وهو المسؤول عنها، فحياة الإنسان ليست صوراً جاهزة رُسمت له منذ الأزل، وأنّه ما عليه إلّا أن يمضي وفقاً لِـما قُدِّر له مسبقاً، وإنّما الإنسان هو الذي يصنع مصيره بفعله وإرادته، فإنْ كان شرّاً أو خيراً فبما كسبت يداه.
وبالتالي المجتمعات الإنسانيّة هي المسؤولة بشكل مباشر عن نمط الحياة التي تكون عليه، ولا تتوقّع المجتمعات التي تعيش الظلم والعنف والجريمة أن يتدخّل الله لتغيير حالها ما لم تبادر هي إلى تغيير ذلك.
ثالثاً: أوجد الله تعالى الحياة أساساً لاختبار الإنسان وامتحانه، فالعناء والابتلاء – بناءً على ذلك – هي مفرزات طبيعية للحياة الاختياريّة للإنسان، فالله تعالى لم يفرض الفقر والمرض والحزن على سبيل الجبر الذي لا مفرّ منه، وإنّما الإنسان بخياراته الخاطئة هو الذي يتسبّب في جلب كلّ ذلك لنفسه، فالله جلّ جلاله منح الإنسان قدرات خاصّة تمكّنه من تجنّب مخاطر الحياة، وعظمة الإنسان في كونه قادراً على التحدّي والكفاح من أجل بناء حياة سعيدة، وتقصير الإنسان عن القيام بهذا الدور يعود عليه بالمشاكل والشرور.
وبالتالي، ما يصيب الإنسان من خيرٍ أو شرٍّ هو بما عملت يداه، فلو حكم الإنسان بالعدل وابتعد عن الأنانيّات لَـمَا مات طفل من الجوع، ولو اهتمّ الإنسان بالعلم وبناء المدارس والمستشفيات لَـمَا ماتت امرأة بسبب الإهمال عند الولادة، ولو أقام الإنسان نظاماً اجتماعيّاً متكاملاً وربّى المجتمع على الأخلاق والقيم الفاضلة وأقام القوانين الرادعة لَـمَا اغتصبت فتاةٌ.
فهل يصحّ أن يُقال – بعد أن يقصّر الإنسان في كلّ ذلك -: لماذا لـم يستجب الله لطفلٍ يموت من الجوع، أو امرأة تموت في حال الولادة..؟!
رابعاً: الدعاء يعني لجوء العبد بحاجاته إلى مولاه، ولا يعني اختباره وتجربته، فعندما وعد الله تعالى باستجابة الدعاء، فإنّ ذلك لا يعني أن يصبح العبد سيّداً على مولاه، فيأمره بما يشتهي، وينهاه عما لا يرغب فيه؛ فإنّ ذلك لا ينسجم مع طبيعة الدعاء القائمة على الأدب الرفيع والخلق العظيم، فالعلاقة بين الداعي والمدعوّ هي علاقة بين العبد والمعبود، وبين المخلوق والخالق، والعبد لا يكون في مقام الأمر والطلب، وإنما في مقام الرجاء والعفو، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. والدعاء - الذي هو مخّ العبادة - لا يتحقّق إلّا بعد العمل الصالح، والإقرار لله بالعبوديّة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}.
وعليه، فإنّ المشتغل بالدعاء يجب أن يعلم أنّه بين يدي العزيز الجبّار، مالك السماوات والأرض وما بينهما، ويجب أن يستحضر مدى فقره وحاجته وعظيم بليّته وضعفه، فيخضع له بالقول والفعل. ومن هنا أوصى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بآداب الدعاء والمسألة لكي يحسن الإنسان التخاطب مع ربّه وخالقه.
ومن آداب الدعاء: الإقبال بالقلب والانقطاع التامّ لله تعالى، رُوِي عن أبي عبد الله (عليه السلام): « إنّ الله عزَّ وجلَّ لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوتَ فأقبِلْ بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة).
ومنها: أن يكون الأمل في الله وحده، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): « إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلّا أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلّا عند الله، فإذا علم الله عزّ وجلّ ذلك من قِبلِه لـم يسأل الله شيئاً إلّا أعطاه).
وغير ذلك؛ من رقّة القلب، والبكاء، والتضرّع، وإظهار الخشوع، والتبتّل، والإلحاح في المسألة؛ لأنّ الله تعالى قد يؤخّر الإجابة لحكمةٍ لا يعلمها إلّا هو، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « إنَّ الله عزّ وجلّ كره إلحاحَ الناس بعضهم على بعضٍ في المسألة، وأحبَّ ذلك لنفسه، إنّ الله عزّ وجلّ يحبُّ أن يُسألَ ويُطلب ما عنده ».
وإذا كان العبد لا يستغني عن مدد الله وتوفيقه في أيّ عملٍ يقوم به، فلا يمكن أن يستغني عن الطلب والدعاء، سواء في امتحان فيزياء أو طلب وظيفة.
اترك تعليق