هل يستجيب الله دعاء المضطرين؟

‏السؤال: من العجيب حقاً أنّ المسلمين يؤمنون تمام الإيمان أنّ إلههم وصف نفسه في ‎القرآن بأنّه الوحيد الذي [يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ] ولذلك استحق وحده العبادة! ومع ذلك فنحن لا نراه هنا يجيب صراخ المستضعفين من المؤمنين به في معظم بقاع الأرض ولا يلتفت لكشف ما يعانونه من السوء والمصائب والأهوال التي يُنزلها بهم الكفار والملحدين والمشركين.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

هناك الكثير من الإجابات المنشورة على صفحتنا حول شروط استجابة الدعاء، ولذا سنكتفي هنا بالتعليق على ما جاء في هذا النصّ من تهكّمٍ واعتراضٍ على إيمان المسلمين.

أوّلاً: ليس للمسلمين إله خاصّ حتّى يُقال: إله المسلمين، وإنّما هو إله واحد خالق كلّ مخلوق، وربّ كل مربوب، ولا يمكن القول: إنّ إله المسلمين يختلف عن إله اليهود والنصارى مثلاً؛ وذلك لأنّ التباين بين هذه الأديان لا يعني أنّ لكلّ جماعة إلهاً يختلف عن الإله الآخر، وإنّما يتعلّق هذا التباين بمعرفة الله وتوحيده، فكلّ واحد منها يقول: إنّ الإله الواحد لهذا الكون هو كما نعرفه نحن لا كما يعرفه الآخرين. وهذا النوع من الاختلاف والتباين يتمّ حسمه معرفيّاً، ووفقاً لقواعد البرهان والاستدلال المنطقيّ.

وقد أقام علم الكلام الإسلاميّ عشرات الأدلّة المحكّمة على كون الله واحداً أحداً لا شريك له ولا نظير ولا يُتصوّر له شبيه ولا مثيل، وأنّ ذاته المقدّسة بسيطة غير مركّبة من أجزاء كما هو شأن الأجسام. فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « واعلم - رحمك الله - أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانفِ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدُ القرآن فتضلّ بعد البيان » [التوحيد للصدوق ص102].

فكلّ ما في الأمر أنّ هناك مذاهب غير صحيحة في التوحيد كما دلّت الرواية، وليس للمسلمين إله خاص كما جاء في هذا الادّعاء.

ثانياً: مع وجود تباين واختلاف بين الأديان في مراتب التوحيد إلّا أنّ جميعها مجمعة على أنّ كلّ شيء بيد الله، وأنّه وحده القادر على كلّ شيء، فكلُّ مَن يؤمن بأنّ هناك إلهاً خالقاً مؤمنٌ أيضاً بأنّ ذلك الإله قادر على دفع الضرر عنه وجلب النفع إليه.

وبهذا لا يكون اعتقاد المسلمين بأنّ الله يجيب دعوة المضطرّ اعتقاداً خاصّاً، وإنّما هو اعتقاد جميع مَن يؤمن بكون الله هو الخالق لهذا الوجود والمالك لأمره، ولذا نجد اليهود والنصارى يدعون الله، ويلحّون عليه بالدعاء؛ لعلمهم بأنّ الله يجيب دعوة المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء.

ثالثاً: استحقاق العبادة يعود إلى كون الإنسان كائناً مخلوقاً، فإذا تحقّق عنوان الخلق تحقّق عنوان العبادة، أي: إذا ثبت كون الإنسان مخلوقاً ثبت كون الإنسان عبداً مربوباً، ولا يحتاج الأمر إلى مرحلة ثانية تتحقّق فيها العبوديّة، فالمخلوق معلّق دوماً بخالقه، والموجود محتاج إلى موجِده، بحيث يكون مضطرّاً في بقائه إليه، وتلك العلقة الاضطراريّة هي نفسها العبوديّة، فأيّ عبد أشدّ عبوديّة وأوسع رقاًّ من الإنسان الذي لا يملك خلقه ولا يضمن لنفسه البقاء؟!

وعليه، فإنّ العبوديّة التكوينيّة ثابتة في حقّ جميع المخلوقات، أمّا العبوديّة التشريعيّة فهي خاصّة بالإنسان بوصفه كائن عاقل ومختار، والإنسان بمقدوره أن يكون عبداً بإرادته أو لا يكون، ولكنّه مسؤول ومحاسب على هذا الاختيار؛ لأنّ حريّة الإرادة لا تعني مجرّد القدرة على الاختيار، وإنّما تعني تحمّل تبعات ما يختاره الإنسان، حقّاً أو باطلاً، خيراً أو شرّاً، حسناً أو قبيحاً، والحريّة التي تستبعها المسؤوليّة لا يمكن أن تؤسّس لخيارات تجعل الإنسان في حلٍّ عن عبادة خالقه. فالحدّ المشترك الذي يجمع بين كيان الإنسان المضطرّ في عبادته لله وبين كونه فاعلاً مختاراً، هي العبوديّة التشريعيّة التي يختارها الإنسان بمحض إرادته بوصفه كائن عاقل ومسؤول عن فعله.

وهذا الانسجام بين العبادة في التشريع والعبادة في التكوين، هو السبب الذي يجعل الإنسان في تكامله منسجماً مع كلّ الوجود، وبالتالي ليس كما يقول هذا المدّعي أنّ الله استحقّ العبوديّة لأنّه فقط يستجيب الدعاء، وإنّما استحقّ العبوديّة لأنّه أهل للعبادة، ولأنّ المخلوق مضطرّ في وجوده وكمالاته الوجوديّة إليه، فيختار بإرادته أن يكون عبداً له، طائعاً لأمره، سائراً على هداه.

رابعاً: من العجيب أن نرى الملحد الذي لا يؤمن بالله ينزعج لحال المؤمنين الذين لا يستجيب الله دعائهم، في حين نرى المؤمنين في حالة من الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، فالمؤمن يتّهم نفسه وتقصيره ولا يتّهم ربّه، والسبب في ذلك: أنّ الملحد ينظر إلى الله بوصفه مصدراً لتحقيق الأحلام والأمنيات، فيريد بذلك أن يكون هو المحور، واللهُ هو الذي يدور حوله، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي يتحرّك بحسب رغباته ويحقّق جميع تمنياته، {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}، بينما المؤمن يعرف قدره وجهله وحاجته لله تعالى، ويعلم بأنّ الله في حكمه حكيم، وفي حكمته رحيم، فالله هو العالم بالمصالح والمفاسد.

ومن هنا جاء في الدعاء: « اللّهمّ افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله »، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما أحبّ العبد أو كره، ولا يرضا عبد عن الله فيما أحبّ أو كره إلّا كان خيراً له فيما أحبّ أو كره »، وعن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال: « ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتّهمه في قضائه ».

فعندما وعد الله تعالى باستجابة الدعاء فإنّ ذلك لا يعني أن يصبح العبد سيّداً على مولاه، فيأمره بما يشتهيه، وينهاه عمّا لا يرغب فيه، فالعلاقة بين الداعي والمدعو هي علاقة بين العبد والمعبود، وبين المخلوق والخالق، والعبد لا يكون في مقام الأمر والطلب، وإنّما في مقام الرجاء والعفو، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، والدعاء الذي هو مخّ العبادة لا يتحقّق إلّا بعد العمل الصالح والإقرار لله بالعبوديّة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}.

ومن شروط استجابة الدعاء: أن يستحضر الداعي مدى فقره وحاجته وعظيم بليّته وضعفه، فيخضع له بالقول والفعل، ومن هنا أوصى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بآداب الدعاء والمسألة لكي يحسن الإنسان التخاطب مع ربّه وخالقه.

ومن آداب الدعاء: الإقبال بالقلب والانقطاع التامّ لله تعالى، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام): « إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوتَ فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة ».

ومنها: أن يكون الأمل في الله وحده، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): « إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلّا أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلّا عند الله، فإذا علم الله عزّ وجلّ ذلك من قبله لم يسأل الله شيئاً إلّا أعطاه ».

وغير ذلك؛ من رقّة القلب، والبكاء، والتضرّع، وإظهار الخشوع والتبتّل، والإلحاح في المسألة؛ لأنّ الله قد يؤخّر الإجابة لحكمةٍ لا يعلمها إلّا الله، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « إنّ الله عزّ وجلّ كره إلحاحَ الناس بعضهم على بعضٍ في المسألة، وأحبّ ذلك لنفسه، إنّ الله عزّ وجلّ يحبُّ أن يُسألَ ويُطلب ما عنده ».