كيف نلتزم بالولاء والبراء دون أن نتهم بالطائفية؟

السؤال: كيف يمكن أن نلتزم بديننا وبالولاء والبراء دون أن نتهم بالطائفية أو يتسبب التزامنا الديني بمشاكل لنا مع طوائف أخرى؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

وجود طوائف ومذاهب في الواقع الإسلاميّ أمرٌ يكاد أن يكون من مسلمات الوعي الديني، والادّعاء بأنّ واقع المسلمين واقعٌ موحّد ادّعاء فيه مجازفة تتجاوز أبسط البديهيّات، ومن هنا فإنّ الضرورة العقلية تقتضي تسمية الأمور بمسمياتها، لفتح الباب أمام ممارسة نقدية؛ من أجل بناء الوعيّ الدينيّ على أسس عقلانيّة.

ونحن وإن كنا نقرّ بأنّ الإسلام دين واحد، ولكن وَعيُنا به ليس واحداً؛ لأنّ هناك مساحة فاصلة بين الإسلام الموحّد في واقع نصِّه، وبين الإسلام المتباين في واقع فهمه، والضابط لهذا التباين هي العقلانيّة، التي تجعل هذا التباين في مساراته الطبيعية، وهي أن يظلّ الخلاف في إطار البحث العلميّ والاستدلال المنطقيّ بعيداً عن الإقصاء والتكفير، ومن هنا فإنّ مصطلح الوحدة الإسلامية لا يعني التطابق في الآراء ووجهات النظر، وإنما يعني التوافق على المشتركات الدينية التي تشكّل الهويّة الأساسيّة للمسلم، وبالتالي التوافق على المشتركات القيمية التي تجعلنا نعيش ضمن مصير مشترك، والكلام عن الهوية الإسلامية هو الكلام عن الاطار العام الذي يجعل الإنسان مسلماً، وهو الاعتقاد بالله تعالى رباً وبمحمد رسولاً وبالقرآن كتاباً، وغير ذلك من التفاصيل الاعتقاديّة مثل الايمان باليوم الاخر والملائكة والنبيين وغير ذلك، ومن الواضح أنّ الأمة الإسلاميّة لا تعاني من مشكلة فيما يخصّ محددات الهوية الإسلامية، وإنما المشكلة في المحددات المذهبية التي تميز كل مذهب عن المذهب الآخر، وتظلّ هذه المحددات محترمة في إطار البحث العلميّ والاختلاف في وجهات النظر طالما لم تتحول إلى معول هدم لنفس الهوية الإسلامية.

وعليه، فهناك ثوابت بمثابة مرتكزات للإسلام وهناك أمور وقع فيها الاختلاف بين أبناء الأمة، والأمة في هذه الحالة بين خيارين:

الأول: أنْ تحصر هذه الخلافات في دائرة البحوث العلمية، وحينها لا يكون هناك مبرر لوجود طائفية.

والثاني: أنْ يحوّل كلّ مذهب آراءه الخاصّة إلى معايير لتحديد المسلم من غير المسلم، ويرتّبَ على ذلك هدرُ دمه وماله وعرضه.

وحينها تدخل الأمة في قطيعة وصراع دائم يؤدي في خاتمة المطاف إلى زعزعة الهوية الإسلامية نفسها.

وما يجب الإشارة إليه هو أنّ الوحدة ليست موقوفة على محاربة المذاهب والقضاء عليها؛ لأنّ ذلك أمر مستحيل، وإنّما الوحدة هي الوقوف في وجه النعرات الطائفية، والطائفية تعني أنْ يتحول مذهبي وقناعاتي مقياساً لمن يستحق العيش ومَن لا يستحق ذلك، فالطائفية نزعة فرعونيّة قائمة على {مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى} ولا علاقة للطائفيّة بتمسّك الإنسان بآرائه وإظهار اعتقاداته التي يراها صحيحة، طالما كان كلّ ذلك في إطار إظهار الحق وضمن إطار الحِكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، يقول تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}

ومما لا شك فيه أنّ من الحِكمة مداراة المخالفين وعدم استفزازهم والإساءة إليهم، فهناك فرق بين الولاء والبراء وبين التعرّض للمخالف بسبّ ما يعتقد بقداسته، فما يجب على المؤمن هو موالاة أولياء الله والبراءة من أعداء الله، أمّا التعرّض لرموز المخالفين بما يثير حساسيتهم فينبغي للمؤمنين التنزه عن ذلك، عملاً بوصايا أهل البيت (عليهم السلام) التي حثّت على مداراتهم وحسن معاشرتهم.

وفي المحصّلة، يجب على المؤمن موالاة أولياء الله تعالى وهم النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته (عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتمّ التسليم) كما يجب عليه البراءة ممّن خالفهم وعاداهم وسار على غير طريقتهم، ولا يتوقف ذلك على الإساءة إلى المخالفين.