الولاية التكوينية والتشريعية لصاحب الزمان (عج)

ممكن مختصر عن الولاية التكوينية والولاية التشريعية لصاحب الزمان؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لفهم مسألة الولايةِ التكونية والتشريعية بشكل واضح ومختصر لابدّ أن نفهمَ أولاً طبيعة النظام الذي يحكم علاقة الإنسان بالكون.

فالمعلوم للجميع أنّ النظام العام للكون قائمٌ على قانون الأسباب والمسببات، والمعلومُ أيضاً أنّ إرادة الإنسان لا تتصرّفُ في هذه الأسباب وإنما تستعين بها فقط، أي أنّ أصل وجود الأسباب وتأثيرها خاضعٌ لإرادة الله وحده، ودور الإنسان فقط هو الاستعانة بها لقضاء حاجاته، فمثلاً هناك أسباب للمرض وهناك أسباب للشفاء، وليس بمقدور الإنسان وضع أسباب جديدة غير ما هو موجود سلفاً، فمن تعرّض لأسباب المرض أصابه المرض ومن استعان بأسباب الشفاء حصل له الشفاء، وليس بقدرة الإنسان إبطال تأثير هذه الأسباب، وإنما الله وحده هو القادر على ذلك، وبذلك يتضح أنّ الله تعالى وحده هو من له الولاية على هذا النظام.

ومن جانب آخر هناك تشريعات وقوانين تنظم السلوك الاجتماعي للإنسان، وهذه القوانين هي التي تحدّد للإنسان طريقة الحياة التي يجب أن يعيشها، وبما أنّ الإنسان لم يوجد نفسه ولم يكن وحده في هذا الوجود، فمن الطبيعي أن يكون له علاقة مع من أوجده كما له علاقة مع من هو معه في هذا الوجود، والذي يمتلك الحقّ في وضع القوانين والتشريعات التي تضبط هذه العلاقة هو الله تعالى وحده؛ وذلك لأنّ الله هو الذي خلق الإنسان من أجل حِكمة معينةٍ وغاية محددة، ولا يجوز الإنسان شرعاً وقانوناً مخالفة الحِكمة والغاية التي خلق من أجلها، فمع أنّ الإنسان قادر على مخالفة ذلك إلا أنه مسؤول ومحاسب على تلك المخالفة، وبذلك يتضح أيضاً أنّ الله تعالى وحده هو من له حق الولاية على التشريع.

ونفهم من كلّ ذلك أنّ أيّ اعتقاد بأنّ هناك مخلوق له حق الولاية التشريعية والتكوينية بالشكل الذي يكون فيه مستقلاً عن الله تعالى يقع في الشرك بالله تعالى.

وعليه: يجب أن نفهم أنّ الولاية التكوينية والتشريعية للأنبياء والأولياء لا تكون في عرض ولاية الله وإنما هي في طول ولايته.

وبمعنى آخر: إنّ تصرف الأنبياء والأولياء في الكون يكون بإرادة الله وأمره، فكلّ من له الإذن من الله في التشريع يقال إنّ له ولاية تشريعية، وكلّ من له الإذن من الله في التصرّف في الكون يقال إنّ له ولاية تكوينية، فكلا الولايتين لا تخرج عن أمر الله وإرادته وإذنه، ولا يستقلّ صاحب الولاية في أيّ شيء عن الله، يقول تعالى: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ)، ويقول تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي)

وعليه ليس هناك إشكالٌ عقائدي على من يعتقد الولاية التكوينية للأنبياء أو الأولياء طالما كانت تلك الولاية بإذن الله تعالى، بل الواجب على كلّ مسلم الاعتقاد بهذه الولاية في حق الأنبياء والأولياء.

أمّا بخصوص الولاية لصاحب العصر والزمان فهي ثابتة له كما هي ثابتة للنبيّ الأعظم والأئمّة الطاهرين، وسنذكر هنا بعض الأمثلة على ذلك.

ففي إكمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق عن محمد بن مسلم الثقفي قال: "سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: القائمُ منا منصورٌ بالرعب، مؤيد بالنصر تطوى له الأرضُ وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خرابٌ إلا قد عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه" (ج1 ص 359)

وفي خطبة البيان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " ثم يسير بالجيوش، حتى يصيرَ إلى العراق، والناس خلفه وأمامه، على مقدمته رجلٌ اسمه عقيل، وعلى ساقته رجل اسمه الحارث، فيلحقه رجل من أولاد الحسن في اثني عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العم، أنا أحقّ منك بهذا الامر، لأني من ولد الحسن، وهو أكبر من الحسين، فيقول المهدي: إني أنا المهدي. فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة، فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيومئ إليه، فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى، ويشهد له بالإمامة، ثم يغرس قضيباً يابساً في بقعة من الأرض ليس فيها ماء فيخضر ويورق، ويأخذ جلموداً كان في الأرض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع، فيقول الحسني: الأمرُ لك، فيسلم وتسلم جنوده" (معجم أحاديث المهدي للشيخ الكوراني، ج3 ص 97)

وفي البحار عن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا عليه السلام: أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذاك على ما ترى من ضعف بدني؟ وإنّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ، ومنظر الشباب قوياً في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان، ذاك الرابعُ من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء الله ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً" (بحار الأنوار ج 52 ص 322)