هل كان المنتصر العباسي متشيعاً؟

ما رأيُ علماء الشيعة بشخصية المنتصر بالله بعصر الإمام الهادي (ع) هل كان مع أهل البيت أم محايداً؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

ممّا لا شكّ فيه أنّ المنتصرَ كان مخالفاً لأبيه المتوكّلِ في كلّ توجّهاته، وبخاصة في موقفهِ من أهل البيت وشيعتهم، فقد جاء في مروج الذهب للمسعودي : "وكان آل أبي طالب قبل خلافته - أي المنتصر - في محنةٍ عظيمةٍ وخوفٍ على دمائهم، قد منعوا من زيارة قبر الإمام الحسين والغريّ من أرض الكوفة - أي مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) - وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضورَ هذه المشاهد؛ وكان الأمرُ بذلك من المتوكّل سنة ستّ وثلاثين ومائتين... ولم تزل الأمورُ على ما ذكرنا إلى أن استخلفَ المنتصرُ فأمّن النّاس وتقدّم بالكفّ عن آل أبي طالب وترك البحث عن أخبارهم، وأن لا يُمنعَ أحدٌ من زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه، ولا قبر غيره من آل أبي طالب، وأمرَ بردّ فدك إلى ولدِ الحسن والحسين، وأطلق أوقاف آل أبي طالبٍ وترك التعرّض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم"

وفي التاريخ الكامل لابن الأثير: "كان المنتصر عظيم الحلم، راجح العقل.. كثير الإنصاف.. وأمر الناس بزيارة عليّ والحسين (عليهما السلام)، وآمن العلويّين وكانوا خائفين أيام أبيه، وأطلق وقوفهم، وأمر بردّ فدك إلى ولد الحسين والحسن ابني عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)"

ويقول أبو الفرج في مقاتل الطالبيين: "وكان المنتصرُ يُظهِرُ الميلَ إلى أهل البيت (عليهم السّلام) ويخالف أباه في افعاله فلم يجرِ منه على أحد منهم قتل أو حبس أو مكروه".

وقد وصلَ المنتصرُ إلى الخلاف عن طريق الانقلاب على أبيه المتوكّل بمساعدة بعض قادة الجيش في سنة 248هـ، فقطعوهُ إرباً إرباً مع وزرائه وندمائه وحاشيته وهم على مائدة الشراب والغناء، وبمجيء المنتصر خفّ الضغط على الإمام الهادي (عليه السلام) خاصةً والعلويين عامة في سامراء وأحسن إليهم.

إلا أنّ المنتصرَ لم يدم طويلاً فلم يبقَ في الحكم أكثر من ستة أشهر، ففي أمالي الصدوق: "إنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة (عليها السلام)، فسأل رجلاً من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر. قال: ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتلهُ وعاش بعده سبعة أشهر"

فمواقفُ المنتصر الإيجابية من أهل البيت وشيعتهم قد تحمل البعض للقول بتشيّعه، وقد يكون ذلك غير كافٍ عند البعض الآخر، إذ يكفي أن يكون الحاكمُ عادلاً ومنصفاً ليقوم بما قام به المنتصر، فقد قام عمر بن عبد العزيز بمثل ما قام به ولم يكن متشيعاً بالمعنى الاصطلاحي للتشيع، فليس هناك دليلٌ واضحٌ يجعلنا نجزم بأنّ المنتصر كان يعتقد بولاية الأئمة من أهل البيت، وفي نفس الوقت لا يمكننا القطعُ بعدم تشيعه، فلعله قامَ بما قام به من واقع تشيعه واعتقادهِ في الأئمّةِ من أهلِ البيتِ عليهم السلام. والله أعلم.