هل يقول اليهود عزير ابن الله؟

السؤال: هل هناك تفسير حول إنكار اليهود اعتقادهم ان عزير ابن الله مع ورود ذلك في القرآن؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

الآية التي يشير إليها السائل هي الآية 30 من سورة التوبة وهي قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وهذه الآية تثير تساؤلاً حول نسبة القول إلى اليهود بأنّ (عزير ابن الله)؛ وذلك لأنّ التراث اليهوديّ ليس فيه ما يشير إلى أنّ العقيدة اليهوديّة العامّة تضمّنت القول بأنّ (عزير أو عزرا) ابن الله، فالنصوص المتاحة في التوراة والتلمود، التي هي الركائز الأساسيّة للديانة اليهوديّة، لا تشير إلى وجود مثل هذا الاعتقاد.

ومن المهمّ جدّاً أن نؤكّد على أنّ شهادة القرآن كافية في هذا المقام، وأنّ التاريخ الدينيّ اليهوديّ شهد تعدّداً في الطوائف والفرق، وبعض الفرق أو الجماعات قد تكون تبنّت عقائد محدّدة ثمّ اندثرت، ولا يستبعد أن يكون اعتقاداً شفهيّاً لم يُسجّل في نصوص مكتوبة عند اليهود، لكنّه كان جزءاً من الموروث لدى فئة معيّنة منهم في جزيرة العرب أو في مجتمعات يهوديّة أخرى. إذْ يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ في تفسيره الأمثل: (هذا الاعتقاد لم يكن سائداً عند جميع اليهود، إلّا أنّه يستفاد أنّ هذا التصوّر أو الاعتقاد كان سائداً عند جماعة منهم، ولا سيّما في عصر النبيّ محمّد (ص)، والدليل على ذلك أنّ أحداً من كتب التاريخ، لم يذكر بأنّهم عندما سمعوا الآية آنفة الذكر احتجّوا على النبيّ أو أنكروا هذا القول، (ولو كان لبان). وممّا قلناه يمكن الإجابة عن السؤال التالي: أنّه ليس بين اليهود في عصرنا الحاضر من يدّعي أنّ عزيراً ابن الله ولا من يعتقد بهذا الاعتقاد، فعلام نسب القرآن هذا القول إليهم؟!

وتوضيح ذلك، أنّه لا يلزم أن يكون لجميع اليهود مثل هذا الاعتقاد، إذ يكفي هذا القدر المسلّم به، وهو أنّه في عصر نزول الآيات على النبيّ محمّد (ص) كان في اليهود من يعتقد بهذا الاعتقاد، والدليل على ذلك كما نوّهنا، أنّهم [ما أنكروا] ذلك على النبيّ، والشيء الوحيد الذي صدر منهم - وفقا لبعض الروايات - أنّهم قالوا: إنّ هذا اللّقب (ابن الله)! إنّما هو لاحترام عزير، وقد عجزوا عن الجواب لمّا سألهم وأشكل عليهم: لم لا تجعلون هذا اللّقب إذنْ لنبيّكم موسى (ع)؟!

وعلى كلّ حال فمتى ما نسب قول أو اعتقاد إلى قوم ما، فلا يلزم أن يكون الجميع قد اتّفقوا على ذلك، بل يكفي أن يكون فيهم جماعة ملحوظة تذهب إلى ذلك). [تفسير الأمثل ج 6 ص 7].

وهذا ما قاله المفسّرون الآخرون مثل الطبريّ وابن كثير إذْ أكّدوا بأنّ هذا القول قد يكون صادراً عن فئة معيّنة من اليهود، ويشيرون إلى أنّ مسألة الاعتقاد في عزير أو رفعه إلى مقام خاصّ كانت موجودة لدى بعض الطوائف.

والحاصل: أنّ غياب الأدلّة الواضحة في التراث اليهوديّ الحالي لا ينفي وجود هذا الاعتقاد في فترة معيّنة أو لدى طائفة معيّنة، والذي يؤكّد ذلك عدم إنكار اليهود في وقت نزول الآية مع أنّهم كانوا يعيشون مع النبيّ (ص) في نفس المكان.

وباختصار، الردّ القرآنيّ يعالج عقيدة كانت موجودة لدى طائفة معيّنة من اليهود، ولا يُشترط أن تكون هذه العقيدة منتشرة بين جميع اليهود أو معترف بها في النصوص الحاليّة. والحمد لله ربّ العالمين.