ما أنا بقارئ
سؤال: أوّلُ آيةٍ نزلت على محمّد من القران هي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فكان جواب محمّد (ما انا بقارئ) أي بمعنى أني لا اعرف القراءة والكتابة، هل يحتاج محمد الى أن يعرف القراءة والكتابة حتى يردّد كلام يسمعه من جبرائيل؟! بالتأكيد لا، اذاً يجب أن يكون الكلام مكتوباّ وجبرائيل يقول لمحمد (اقرأ) والقرآن لم ينزل مكتوباً بل على صدر الرسول.. فلماذا يقول محمد ما أنا بقارئ؟
الجواب:
يبتني الإشكالُ الذي أشار إليه السائلُ على بعض المرويّات التي جاء فيها قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) (ما أنا بقارئ)، ثم عملَ السائلُ على تفسير ذلك بقوله: (أي بمعنى أني لا أعرف القراءة والكتابة) ثم رتّبَ إشكالهُ على هذا التفسير، وعليه لا يحتاجُ ردّ الإشكال إلى أكثر من ردّ هذه المرويات أو ردّ ما اعتمدهُ من تفسير.
أمّا بالنسبة لمرويات أهل السنة فيما يتعلقُ ببدء الوحي فمعظمها مضطربةٌ ومتناقضةٌ وقد ناقشها العلامة مرتضى العاملي في كتابهِ الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم، وأهمّ هذه المرويات ما جاء في البخاري عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبّبَ إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبّدُ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزعَ إلى أهله ويتزوّدَ لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّدُ لمثلها حتى جاءه الحقُّ وهو في غار حراء فجاءهُ الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهدُ ثم أرسلني فقال اقرأ فقلتُ ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربّكَ الذي خلق خلقَ الإنسانَ من علق اقرأ وربّكَ الأكرم فرجعَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يرجفُ فؤاده فدخل على خديجةَ بنت خويلد رضي الله عنها فقال زمّلوني زمّلوني فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوعُ فقال لخديجة وأخبرها الخبرَ لقد خشيتُ على نفسي فقالت خديجةُ كلا والله ما يخزيكَ الله أبداً إنك لتصِلُ الرّحمَ وتحملُ الكلّ وتكسبُ المعدوم وتقري الضيفَ وتعينُ على نوائب الحقّ فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عمّ خديجة وكان امرأ قد تنصّرَ في الجاهلية وكان يكتبُ الكتابَ العبرانيّ فيكتبُ من الإنجيل بالعبرانية ما شاء اللهُ أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عمّ اسمع من ابنِ أخيك فقال له ورقةُ يا ابن أخي ماذا ترى فأخبرهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموسُ الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأتِ رجلٌ قط بمثل ما جئتَ به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ثم لم ينشب ورقة أن توفي ..
ولا يمكن قبولُ هذا الخبر الذي صوّرَ رسول الله على أنه غيرُ مطمئن لنبوّتهِ، فاحتاج إلى النصارى ليبعثوا فيه الطمأنينة، فقد أكّد هذا الخبرَ ما كان يُروِّج له المستشرقونَ من أنَّ محمداً (صلى الله عليه وآله) لم يكن مطمئناً بنبوَّة نفسه، فكيف تطمئنون بأنَّ ما جاءكم به هو من عند الله؟ وما الذي يضمنُ لنا أنَّه نبيّ، والحال أنّ نبيكم لم يطمئن بنبوّةِ نفسه، إلا بعد أن طمأنتهُ امرأة، وطمأنه بعض النصارى ممَّن لا يُعلم مبلغ علمهم وحقيقة دوافعهم، وعليه لا يمكن قبولُ مثل هذه الروايات التي تخالفُ صريح القرآن كما في قوله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)، وقال تعالى: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي)
ومن ثم لماذا هذا العنفُ، وهذه القسوةُ برجلٍ يُراد له أن يكون نبياً؟! فما هو المبرّرُ لذلك حتى يدخل الرعب والخوف في قلبه فيذهبَ إلى أهله مرعوباً، خائفاً، مرهوباً؟
ومن المعلوم أنَّ طلبَ القراءة تارةً يكون لقراءة المكتوب، وأخرى لقراءةِ المسموع، والمؤكّدُ أنّ القرآن لم يكن مكتوباً وإنما كان مسموعاً، وعليه من الأجدر أن يكون جوابُ النبيّ عندما طلب منه قراءة المسموع أن يقول: وماذا أقرأ؟!
وهذا ما جاء في مروياتِ أهل البيت (عليهم السلام) ففي تفسير القمّيّ عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "نَزَلَ جِبْرَئِيْلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِقْرَأْ قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"
فالأمرُ وبكلّ بساطة أنّ جبرئيل طلبَ من النبيّ أن يقرأ، فقال له وما أقرأ؟ فقال له أقرأ باسم ربّكَ الذي خلق.
اترك تعليق