المفاضلة بين النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) والقرآن الكريم؟

السؤال: أيّهما أفضل القرآن الكريم أو النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)؟

: الشيخ إبراهيم البصري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

للجواب عن هذا التساؤل، نطرح عدّة وجوه:

الوجه الأوّل: ثَبت من خلال الأدلّة، سواء من القرآن الكريم أم الأحاديث الشريفة، أنَّ النبيّ محمّد (ص) أفضل الخلق أجمعين، كما في قوله (ص): «ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي. قال عليٌّ (ع): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل فقال (ص): يا عليّ إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا عليّ، وللأئمّة من بعدك، فإنَّ الملائكة لَخُدَّامِنا وخُدَّام محبّينا، يا عليّ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم، ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا،

يا عليّ لولا نحن ما خلق الله آدم، ولا حوّاء، ولا الجنّة، ولا النّار، ولا السماء، ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا، وتسبيحه، وتهليله، وتقديسه؛ لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا فانطلقنا بتوحيده وتحميده، ثمّ خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خَلقٌ مخلوقون، وأنَّه منزّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا، ونزّهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا؛ لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ الله، وإنَّا عبيد، ولسنا بآلهة يجب أن نُعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلّا الله، ... إلى أن يقول (ص): يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمّد إنّ انتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه إلى هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدّي حدود ربّي جلّ جلاله، فزخَّ بي في النور زخّة حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علوّ ملكه»، [حلية الأبرار ج2 ص 398]، ثُمَّ لأنَّ القرآن الكريم مخلوق، كما ورد عن الإمام العسكرّي (ع) عندما سُئل هل القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ فقال (ع): «يا أبا هاشم، الله خلق كلّ شيء، وما سواه مخلوق»، [مناقب آل أبي طالب ج2 ص525]، فهذا الحديث يؤكّد أنّ كلَّ شيء سوى الله تعالى مخلوق، وعليه، سيكون النبيّ محمّد (ص) أفضل بلا شكٍّ منه ومن سائر الخلق أجمعين.

الوجه الثاني: الثابت عن الفرق الإسلاميّة قول النبيّ محمّد (ص): «إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض»، [أمالي الطوسيّ ج1 ص 479]، وبطبيعة الحال التركة تكون من قِبَل التارك وهو النبيّ محمّد (ص)، الذي يكون أفضل ممّا ترك، بل جعل التمسّك بالقرآن الكريم وبعترته الطاهرة (عليهم السلام) سبباً لعدم الضلالة من بعد أن هداهم الله تعالى على يديه، أي أنَّ هداية النبيّ محمّد (ص) للخلق كانت بوساطته وقربه من الله تعالى، وكان القرآن الكريم هو الدستور الذي وضعه لنا للسير على نهجه، وجعل من بعده الأئمّة (عليهم السلام) للاستضاءة بنورهم، والسير على نهج الإسلام المحمّديّ الأصيل.

الوجه الثالث: لو لم يكن النبيّ محمّد (ص) أفضل الخلق، لما نزل عليه القرآن الكريم؛ لأنَّ الله سبحانه عادل وحكيم، ومن عدالته وحكمته أن يضع الشيء في موضعه الصحيح، فنزول آيات القرآن الكريم على صدر النبيّ الخاتم (ص) يشير الى استحقاقه لذلك، وأنَّه أفضل من خلق الله تعالى؛ ليكون شهيداً على الخلق، كما ورد في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدا}، [النساء/ 41]، والشهيد على الخلق لابدّ أن يكون أفضلهم وأقربهم من الله تعالى، وبالتالي يكون أفضل من الخلق أجمعين ومن ضمنهم القرآن الكريم.

الوجه الرابع: لولا الحجّة لساخت الأرض بمن عليها، كما ورد في الحديث، عن الامام الرضا (ع): «لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها»، [عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1 ص246]، فعدم سوخان الأرض بسبب وجود الحجّة، وهو النبيّ محمّد (ص)، أو أحد الأئمّة الاطهار (عليهم السلام)، وهذا يعني أنَّه هو أفضل المخلوقات الذي بسببه لا تسيخ الأرض بمن عليها، وبالتالي وجود القرآن الكريم لم يكن مانعاً من السوخان، بل لا بدّ من وجود الإمام الحجّة في كلّ عصر من العصور، فيكون سبباً كافياً في هداية الخلق لطريق معرفة الله سبحانه وتعالى، وعليه يكون النبيّ محمّد (ص) أفضل من القرآن الكريم.

الوجه الخامس: إن كان قصد السائل الكريم عن القرآن الكريم الموجود في اللّوح المحفوظ ووجوده النوريّ، وليس هذا المنزّل على صدر النبيّ محمّد (ص)، فإنَّ قول النبيّ محمّد (ص): «كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين»، [بحار الأنوار ج 16 ص 402]، يشير الى أسبقيّة النبيّ محمّد على باقي الخلق، وأنَّ ما صدر في هذا العالم وهذه النشأة هي من فيوضاته المباركة (صلوات الله عليه وآله الأطهار)، لما أورده المجلسي: «إن الله خلقني من نور، وخلق ذلك النور قبل آدم بألفي ألف سنة:، [بحار الأنوار ج16 ص402]، وبالتالي فإنَّ وجود محمّد (ص) أسبق وأفضل من باقي الخلق، ومن ضمنهم القرآن الكريم.

الوجه السادس: ما ورد في الحديث عن أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): «جميع ما في الكتب السماويّة في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في بسم الله، وجميع ما في بسم الله في باء بسم الله، وجميع ما في باء بسم الله في نقطة الباء، وأنا النقطة»، [مصابيح الأنوار ج1 ص435]، فكلّ العلوم في الكتب السماويّة الأخرى موجودة في القرآن الكريم، بمعنى أنّ القرآن الكريم هو الأصل، وبالتالي يكون القران الكريم شامل لجميع العلوم، فمصدر العلوم جميعاً هو القرآن الكريم، والنبيّ محمّد (ص) أسبق بعلمه بتلكم العلوم، وبالتالي يكون النبيّ الخاتم (ص) أفضل من القرآن الكريم، بل أفضل الخلق أجمعين.

ونكتفي بهذا القدر من الأجوبة، والحمد لله رب العالمين.