هلِ الإيمانُ يمنعُ منْ تحصيلِ العلم؟
يقولُ العالمُ الفلكيّ كارل ساغان : «لا يمكنكَ إقناعُ المؤمنينَ بأيّ شيءٍ لأنّ عقائدَهم لم تُبنَ على دليل، إنّهُ مبنيٌّ على رغبةٍ عميقةٍ لديهِم للإيمان» فما تعليقكُم عليه؟
لا يمكنُ أنْ نصادرَ هذهِ المقولةَ وهناكَ عشراتُ الشّواهدِ من واقعِ المجتمعاتِ الدّينيّةِ تؤكّدُ ذلك، وبخاصةٍ أنّ كارل إدوارد ساغان ينطلقُ في تقييمهِ من واقعِ التّديّنِ المسيحيّ في أمريكا، وهو تديّنٌ خرافيٌّ يعتمدُ على اساطيرِ الكتابِ المقدّسِ، وقد لعبتْ الكنيسةُ دوراً مناهِضاً للعلمِ لأنّهُ يختلفُ مع إيمانيّاتها الخاصة، والإنسانُ الذي يتولّدُ إلتزامهُ الدّينيُّ من بابِ التّوافق الإجتماعيّ سينفرُ من كلِّ فكرةٍ تُبعدهُ عن محيطهِ الإجتماعيّ، وعليهِ فهناكَ الكثيرُ ممّنْ لا يمكنُ إقناعهُ بأفكارٍ جديدةٍ بسببِ المصلحةِ النّاتجةِ من تمسّكهِ بأفكارهِ القديمةِ، فالرّغبةُ في التديّنِ تتولّدُ في العادةِ من خلالِ المجتمعِ المتديّنِ الذي يشكّلُ حاضناً للفرد، وشعورُ الإنسانِ بالحمايةِ يتحقّقُ من خلالِ وجودهِ بينَ الاخرينَ، والدّينُ يُعَدُّ من أهمّ العناصرِ المكوّنةِ للمجتمعاتِ، فمنَ الطّبيعيّ أن يكونَ هناكَ تديّنٌ شكليٌّ لا يهمّهُ من الدّينِ سوى الحفاظِ على هويّتهِ الإجتماعيّةِ. إلّا أنّ كلّ ذلكَ لا علاقةَ لهُ بفلسفةِ الأديانِ بشكلٍ عامٍّ وفلسفةِ الإسلامِ بشكلٍ خاص، لأنّ الأديانَ ليستْ إيمانيّاتٍ فارغةً وأفكاراً خاويةً وإنّما حقائقُ تكشفُ عنِ الأسئلةِ الفلسفيّةِ الكُبرى التي سعى الإنسانُ للإجابةِ عنها، مثلِ مَنْ خلقَ الكونَ ومِنْ أينَ جاءَ ولماذا جاء؟ وغيرِها منَ الأسئلةِ التي ترسمُ الفلسفةَ الكونيّةَ للإنسانِ، فالأديانُ تحقّقُ للإنسانِ تكاملاً روحيّاً وانسجاماً معرفيّاً، مِنْ أجلِ إيجادِ حياةٍ متوازنةٍ للإنسانِ لا تكونُ فيها المادّةُ طاغيةً على حسابِ الرّوحِ، ولا يكونُ فيها الحسُّ محورَ الإهتمامِ بعيداً عنِ المعنى، ولا تكونُ فيها المصلحةُ الشخصيّةُ مُصادرَةً للقيمِ الأخلاقيّةِ، وكلُّ ذلكَ لا علاقةَ لهُ بما يتوصّلُ إليهِ العلمُ الحديثُ من علومٍ في مجالِ الطّبيعةِ والمادّةِ، والإسلامُ كدينٍ خاتمٍ للأديانِ السّماويّةِ أهتمَّ بالحقيقةِ القائمةِ على البرهانِ (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، كما أهتمَّ بالعلمِ والعلماءِ (إنّما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ). كما أمرَ بالعقلِ والتّعقّلِ (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). وكلُّ ذلكَ يكشفُ عن اهتمامِ الإسلامِ بالحقيقةِ والتّحري من أجلِ الوصولِ إليها، وبالتّالي المؤمنُ حقّاً هو الإنسانُ الذي لا يستسلمُ ابداً في طلبهِ للعلمِ والمعرفةِ قالَ تعالى (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) الأمرُ الذي يكشفُ عن عدمِ وجودِ سقفٍ للعلمِ يقفُ عندهُ الإنسانُ المؤمن.
اترك تعليق