هل كسوف الشمس وصلاة الآيات يتعارض مع العلم؟

سؤال: روى البخاري في صحيحهِ عن أبي موسى الأشعري، قال: خسفت الشمس فقام النبيّ (ص) فزعاً، يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره. ضع في اعتبارك أنّ محمد قد فشل بالفعل في فهم سبب حدوث الكسوف. وتحدث قائلاً إنّ الله "يرسل" الكسوف لتخويف البشر، بينما في الواقع الكسوف يحدث فقط بسبب حجب القمر لضوء الشمس عن الأرض، والخسوف أمر طبيعي جداً يحدث على الأقل أربع مرات في السنة الواحدة. فلو كان محمد نبياً يوحى إليه حقا من طرف خالق الكون، لما فزع ظاناً أنّ خسوفاً طبيعياً قد ينذر بنهاية العالم أو ما يسميه هو بقيام الساعة خطأ محمد واضح كالشمس في كبد السماء، لكنّ المسلمين يفضلون العيش تحت ظلّ كسوفٍ دائم، حاجباً قمرُ التقديس تلك الشمس عنهم.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أوّلاً: الأحاديثُ حول وجوب صلاة الآيات في جميع المصادر الإسلامية أكثر من أن تحصى، وليس الأمر مختصٌّ بما رواه البخاري، والأمرُ الذي غفل عنه صاحب الإشكال أنّ هذه الأحاديث ليست في واردِ بيان سببِ الكسوف أو الخسوف أو الزلازل وإنما في واردِ بيان ما يترتّبُ على حدوثها من تشريع عبادي، والفرق كبير جداً كما هو واضحٌ عند جميع العقلاء.

ثانياً: إنّ معرفةَ أسباب الكسوف والتنبؤ بحصولهِ ليس أمراً جديداً على البشرية، فقد تحدثت عنه أكثرُ الحضاراتِ البشرية الموغلة في القدم، حيث توصّلَ البشر بخبراتهم الحسابية والفلكية إلى معرفة مواعيد الكسوف قبل بعثةِ النبيّ محمّدٍ (صلى الله عليه وآله) وقبل أن تشرّعَ صلاةُ الآيات، ومن أقدم الكتبِ التي تحدثت عن ذلك كتابُ بطليموس في علم الفلك عام (150م)، وما زال هذا الكتابُ موجوداً إلى اليوم، وقد تمّت ترجمتهُ في عصر المأمون العباسي وسمّاهُ العرب (المجسطي)، وقد شرحهُ ابن رشدٍ الجد في البيان والتحصيل، وابن حزم في رسالتهِ مراتب العلوم، والقرافي في الذخيرة، وغيرهم كثير من علماء المسلمين، ومن الكتب التي رصدت تاريخَ التنبؤ بمواعيد الكسوف وكيف تطوّر علمياً كتاب (الرصد والتنبؤ بمواعيد الكسوف بواسطة قدامى الفلكيين) للمؤلف ستيل، حيث يشيرُ إلى أنّ علم التنبؤ بمواعيد الكسوف وجِدَ في الحضارة الصينية والبابلية وغيرها.

وعليه يجبُ التنبيهُ بأنّ تشريع صلاة الآيات ليس له علاقةٌ بجهل البشر بسببِ الكسوف والخسوف أو جهلهم بمواعيد حصوله، وإنما بسببِ عظمة الآية ذاتها، فالخسوفُ والكسوف والزلازلُ من العلاماتِ التي تذكّرُ الإنسان بالله وتربطه به، وتسميتها بالآية دليلٌ واضحٌ على المخزون الديني والعقدي لهذه الظواهر، ومن هنا فإنّ صلاة الآيات ليست إلا تعبيراً عن رهبة المؤمن وخشيتهِ وتسليمه لله تعالى، ومعرفة سبب الكسوف أو مواعيده لا علاقة له بالأثر الإيماني العظيم لهذه الآية لمن ألقى السمع وهو شهيد.

ثالثاً: إنّ صاحبَ الإشكال لا يفرّقُ بين سبب حدوث الشيء وبين الأثر المترتّبِ على حدوثه، فهناك فرقٌ كبيرٌ بين تفسير الحدث من جهةِ الأسباب المباشرة لحدوثه، وبين تفسيرهِ من جهة الغايةِ من حدوثه، فمثلاً الوقوفُ على جريمة قتل يستوجب سؤالين بالضرورة، الأول: عن وسيلة القتلِ والسبب المباشر للوفاة. والثاني: عن الغاية والدافع وراء هذا القتل ومن ثم الآثار التي تترتبُ على ذلك، ومعرفة الإجابة على السؤال الأول لا يمثلُ أهميةً بمقدار ما تمثله الإجابةُ على السؤال الثاني، وفي العادة عندما يتساءلُ البشر عن أسباب الظواهر الاجتماعية والطبيعية فإنهم يطلبونَ الوقوف على الغايات والآثار المترتبة أكثر من طلبهم معرفة السبب المباشر، فمثلاً الراعي أو المزارع لا يعنيهِ كثيراً كيفية نزول المطر من السماء، وإنما يعنيهِ ما يترتبُ على هذه الأمطار من زراعة ورعي، وجهله بكيفية تكوّن السحب والغيوم لا يمنعهُ من الفرحة والبشرى وتقديم الهدايا والنذور وإقامة الاحتفالات والمهرجانات بحلول موسم الأمطار، ولن يتغير ذلك عرفوا بشكل علمي دقيق كيفية حدوث الامطار.

وعليه: فكون الكسوفِ يستوجبُ نوعاً من العبادة بوصفه آيةً من آيات الله تعالى لا يتأثر سلباً أو يجاباً بمعرفة أو جهل كيفية حصول ذلك، وقد أكدنا في أجوبةٍ سابقة أنه ليس من وظائف الدين الكشف عن الأسباب الطبيعية للظواهر المادية، فالإنسانُ بمقدوره التعرف على ذلك بما مكّنهُ الله من أدواتِ العلم والمعرفة، وفي المقابل فإنّ الإنسانَ في أمسّ الحاجة إلى تكاملهِ المعنوي والقيمي وذلك لا يتحقق إلا بالارتباط الدائم بالله تعالى، وآياتِ الكون وظواهر الطبيعة من العلامات الدالة على وجودِ الله وهيمنته، والتوّجه له بالعبادة عند حدوث بعض الظواهر الاستثنائية يحقق للإنسان هذا النوعَ من الارتباط.

وفي المحصّلةِ: لم يكن هذا الحديثُ أو غيره من الأحاديث ناظراً إلى بيان كيفية حدوث الكسوف أو الخسوف، وإنما ناظرٌ إلى تذكير الإنسان بالله الخالق والمهيمن على هذه الطبيعة، وعودة الإنسان إلى الله والهروب إليه بالعبادةِ والتسليم له من أهمّ الأمور التي جاء من أجلها الدين.